كلمة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد في حفل تكريم صاحب جريدة السفير الاستاذ طلال سلمان
قيل يوماً: "ان الصحافة الحرة هي حصن الوطن ومرصاده, واذا ما اعترت الحصنَ فجوةُ ما, او أصاب المرصادَ خللُ معطِّل, فإن الوطن سيكون وقتذاك في دائرة الخطر او الخطر الشديد".
وقيل أيضاً : "اذا خُيّرنا في الوطن بين صحافةٍ حرةٍ دونَ حكومة, وبين حكومةٍ دون صحافةٍ حرة, فلا شك ان الافضلية ستكون للخيار الأول".
هذا الكلام نسوقه الآن لنشكر الله أولاً على نعمة الحرية التي حبانا بها, والتي تميز بها لبنان عن أكثر بلدان المنطقة.
ولنؤكد ثانياً, الأهمية البالغة لصحافتنا الوطنية الحرة التي تمثل الوجه الأبهى للحرية في بلدنا العزيز.
صحيح ان الصحافة مهنة المتاعب المتواصلة.. إلا انها تبقى في الوقت نفسه رسالة نبيلة لا يوفِّيها حقها الا من امتلك شغف بلوغ الحقيقة ونشرِها.
واذا كان الصحافي الحر يمنح بصفته الشخصية شعبه ووطنه والانسانية قيمة مضافة, فلنا ان نتخيل حجم ما تمنحه لهؤلاء جميعاً مؤسسة وطنية عملاقة نهضت برسالة الصحافة الحرة وصارت معلماً للصحافة المحترمة في لبنان والعالم العربي, ومعهداً تتخرج منه أجيال وازنة من الصحافيين الأحرار وتأنس بارتياده الصفوة من المثقفين والسياسيين ورجال الفكر والأدب والفن.
* * *
لقاؤنا في هذه الامسية.. أردناه بحضوركم الكريم.. مناسبة لنعرب أمامكم وعبركم, ومن دون أي مجاملة, باسم سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله, وباسم كل اخواننا في حزب الله والمقاومة الاسلامية, عن تقديرنا الكبير للأخ الاستاذ طلال سلمان الرائد في عالم الصحافة الحرة, وصاحب جريدة السفير المؤسسة الصحفية العريقة في لبنان والعالم العربي, ولنجدد اعتزازنا بالدور الوطني والقومي والانساني الذي اضطلعا ونهضا به معاً على مدى اكثر من أربعين عاماً, وهما يكابدان التعب ويتحدَّيان الصعوبات ويتحرَّيان الحقائق ويصوّبان الرؤية والاتجاهات, وينتصران لقضايا الوطن والناس والأمة, ويدعمان الحقوق العادلة والمشروعة للمستضعفين والمظلومين والمغتصبة أرضهم ومقدساتهم وحتى أحلامهم.. ويناهضان سياسات القهر والاستبداد والتسلط والاحتلال.
* * *
الطائر البرتقالي حمل السفير الى قرائها وهو يغّرد لحريتهم ويحثهم على التغيير, ويقدم مضموناً رَزيناً ولغةً سلسةً وتوزيعاً متناسقاً ومتقناً.
على الصدر.. مانشيت معبرة, و"على الطريق" مقالة دورية تحكي القضايا الساخنة, تنفث الهموم, تكشف الخبايا, تزرع الثقة وتبث الامل وتطرح الحلول..
وفي طيّ الصفحات تحليلات ووقائع محلية واقليمية ودولية ومقالات ثقافية ونقدية.. وقضايا اقتصادية ومعيشية وحوارات ومواضيع فنية وأدبية وعلمية ورياضية.
وفي السفير حق الاختلاف مصان.. والاطلالات متاحة لشخصيات وقيادات ومفكرين من مذاهب شتى تعرض رؤاها وتتعرض لأسئلة وإستيضاحات ومناقشات وللقارئ أن يحكم ويستخلص.
لبنان السفير هبة الهية.. وطن اشعاع وتواصل حضاري.. الوحدة الوطنية فيه تضفي جمالاً على تنوع مكوناته.. الا ان نظامه الطائفي رثٌّ وبغيض يستولد أزمات وقلاقل بين حين وآخر.. ويستدرج باستمرار تدخلات الخارج في الداخل.. وعلى الرغم من ذلك فإن استبداله بنظام المواطنة لا زال عصياً على التحقيق والانجاز..
وعلى مدى العقود والسنوات الماضية حملت السفير هموم مصر وسوريا والعالم العربي والعلاقات الاخوية والتضامن, والتزمت فلسطين قضيةً مركزيةً وبوصلةً نضال, ومعياراً للمواقف والسياسات والتحالفات والتباينات. وحظيت حركات التحرر بعناية وافرة منها وبمواكبة واحتضان, كما نالت المطالبات الشعبية المحقة نصيبها من التغطية والتأييد.
أما المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي فقد كان طلال سلمان بطلاً من ابطال جبهتها الداخلية الحاضنة والحامية لها والداعمة لخيارها, فيما أدت السفير معموديتها وهي تلاحق اخبارها وعملياتها وبطولاتها وانجازاتها وبطولات مجاهديها وشهدائها وقادتها.. وكانت تؤدي في آن واحد مهمة التغطية والتعبئة من جهة وعرض ومناقشة الاعتراضات والانتقادات والتعليقات من جهة أخرى.
وما بين زمن انطلاقة السفير في آذار العام 1974.. الى يوم صدور العدد الأخير لها في 4 كانون الثاني من العام الجاري 2017.. زهت صفحاتها بما سطرته أقلام مبدعين لبنانيين وعرباً وتدرج فيها كتّاب ومحررون ومراسلون ومصورون واداريون وموظفون وعمّال.
وتوالت احداث جسام غيرت معادلات وبدلت ادواراً تداعت أنظمةٌ ونشأت أخرى..
ولسوء الحظ فقد تفشت في منطقتنا ظواهر التردي والانقسام والضعف والكيانية والارتهانات, رغم منافذ الضوء التي لا تزال واعدةً بالتوهج والاتساع..
ازدحمت الفتن والصدامات, وارتبكت الجماعات, وحوصرت فلسطين بالاستيطان الصهيوني من الداخل وبأوهام التسويات من الخارج, وفرضت العولمة مساراتها واضطرب مفهوم السيادة وتبعثرت الصيغ والأطر الجامعة وساد التفرد والاقصاء..
ومع ذلك كله.. فإن سنن التاريخ تجزم بأن شعلة النهوض لدى الشعوب قد تخبو حيناً... لكنها بالتأكيد لن تنطفئ..
* * *
طلال سلمان انت الذي ما برحت "على الطريق" تختزن النضج والخبرة والعزم.. وتقاوم التعب والملل والاستهداف.
كأني بك اليوم.. تنذر صوماً.. تقرّع به كلَّ من ناوأ الكلمة الحرة.. وترمدت بصيرته.. فعاند الحقيقة وأضاع الطريق.. وهدر ما كان بين يديه..
كأني بك اليوم.. تحتج.. بأسلوب جديد.. وبلغة جديدة لا يفقهها الا اهل الوجد والمجد والعنفوان..
طلال سلمان
أيها الاخ والصديق والصحافي الحر, سفيرك لن تصير سِفراً يطويه نسيان وانما ستبقى نبضَ حاضرنا ومستقبلنا.
وسنبقى مع شعبنا وأمتنا دوماً.. أحراراً مقاومين نستعيدُ قِراءة ما كتبتَ.. ونُواصِل خُطانا "على الطريق"..
أبا أحمد.. لك ولكل حَباتِ قَلبِك وأحْدَاق عَيْنَيك حَرَمِكَ وابْنَتَيْكَ وابْنَيك..
ولكل اسرة السفير فرداً فرداً..
ألفُ شكرٍ وامتنان
ولَكُم أيها المشاركون.. تحيتنا وتقديرنا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته