أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السادة العلماء، الإخوة والأخوات، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
إنني في البداية أرحب بحضوركم الكريم في هذه المناسبة العزيزة والغالية علينا وعليكم جميعاً، في ذكرى شهدائنا القادة أو ذكرى قادتنا الشهداء، شيخ شهداء المقاومة الإسلامية الشيخ راغب حرب وسيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي والذي استشهد مع زوجته الشهيدة العالمة والمجاهدة السيدة أم ياسر وطفله حسين، وذكرى القائد الجهادي الكبير الحاج عماد مغنية، إنني أرحب بكم وأشكركم على هذا الحضور، وخصوصاً في مثل هذه الأيام وهذه المرحلة التي نحتاج فيها أن نستلهم من هؤلاء الشهداء القادة الكثير.
في البداية أيضاً وقبل أن أدخل إلى موضوع الشهداء القادة وموضوعات حديثي لهذه الليلة، اسمحوا لي أن أتوقف بكلمات سريعة عند بعض المناسبات وأذكرها بحسب التسلسل الزمني.
أولاً: ذكرى انتصار الثورة الاسلامية المباركة في إيران، 37 عاماً على هذا الانتصار العظيم، نبارك لسماحة الإمام القائد السيد علي الخامنئي دام ظله ولإخواننا في الجمهورية الإسلامية رئيساً وحكومةً ومجلساً وشعباً بهذه المناسبة العظيمة ونتمنى إن شاء الله لهذه الجمهورية الاسلامية المباركة المزيد من العز والاقتدار والقوة والحضور والتطور.
ثانياً: الذكرى الحادية عشرة لاستشهاد الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي نرى من واجبنا الإخلاقي أيضاً رغم الخصومة السياسية مع ورثته، مع بعض ورثته بالحد الأدنى، ان نتوجه إلى كل عائلته وكل محبيه بتجديد التعزية والتعبير عن مشاعر المواساة في هذه الذكرى التي نأمل أن يأتي يوم تصبح فيه هذه الذكرى قادرة على جمع اللبنانيين جميعاً.
ثالثاً: الذكرى العاشرة لتفاهم حزب الله والتيارالوطني الحر ـ كلها ذكريات من شباط ـ والتأكيد على أهمية هذا التفاهم الذي تطور إلى تحالف قوي وأكيد، والأهمية الوطنية لهكذا تفاهم وهكذا تحالف وهكذا تلاقٍ بين اللبنانيين.
رابعاً: الذكرى الخامسة لانطلاقة الثورة الشعبية السلمية في البحرين والتي تواصلت بالرغم من القمع والسجن والقتل والتي اثبتت في الأيام والليالي الماضية في ذكراها السنوية أنها ما زالت تملك العزم والإرادة والحضور والتوهج، التحية لعلمائها ورموزها وسجنائها وشهدائها وجرحاها ورجالها وأطفالها ونسائها.
خامساً: نحن على مقربة انتهاء عامٍ من العدوان الأميركي السعودي على اليمن، اليمن الذي ما زال جيشه ولجانه الشعبية يسجلان أروع البطولات ويسطران أعظم الملاحم في الصمود والمواجهة وصد العدوان، فيما يسجل الغزاة أبشع صور الهمجية والقتل والتدمير، التحية لكل اليمنيين الصامدين الثابتين المظلومين الذين يعبّرون في هذا الزمن عن مظلومية الإنسان والتاريخ.
أعود إلى شهدائنا القادة، هؤلاء الأعزاء، هؤلاء الكبار، نحن نحيي ذكراهم في كل عام لنستمد منهم روح العزيمة والصبر والثبات في مواجهة كل الأخطار والتحديات الكبرى القائمة والقادمة، ولنعترف بفضلهم بعد الله تعالى علينا لأننا ببركة قيادتهم وتوجيهاتهم وجهادهم وأفكارهم وتضحياتهم وشهادتهم ودمائهم انتقلنا من نصر إلى نصر، وذقنا طعم العزة والكرامة وصنعنا الإنجازات تحريراً ودفاعاً وحماية وقدرة على إسقاط المشاريع الكبرى التي تستهدف وطننا ومنطقتنا وأمتنا. وقادتنا الشهداء في حياتهم وفي شهادتهم هم جزء من معركتنا المفتوحة مع هذا العدو، ومع هذا المشروع الأميركي الصهيوني الاستعماري ولذلك هم باقون معنا وفينا أبداً بأسمائهم وأرواحهم وعطاءاتهم التي لا تنضب، معنا في الفكر والوجدان والوعي والعمل والجهاد والميدان والثأر الذي لم يُنسَ ولن يُنسى أنني في ذكراهم الغالية والعزيزة أجدد التبريك لعائلاتهم الشريفة، لعائلة الشهيد الشيخ راغب حرب، لعائلة الشهيد السيد عباس الموسوي، لعائلة الشهيد الحاج عماد مغنية، أبارك لهم ذكرى شهادة هؤلاء العظماء الذين سيبقون قادة وأعلام وهداة طريق المقاومة إلى كل انتصار إن شاء الله.
أيها الإخوة والأخوات سأدخل إلى موضوعات خطاب اليوم من الزاوية الإسرائيلية يعني إسرائيل هي كيف تطل على المنطقة، كيف تطل على سوريا، على لبنان، ومن خلال ما تتطلع وما تعمل له إسرائيل أيضاً. ما هو تقييمنا وما هي مسؤوليتنا وما هي إنجازات المحور المقاوم في مواجهة كل هذه المشاريع والأخطار. وفي سياق الكلمة أيضاً أعود للشهداء القادة دائماً.
في كل سنة ـ كما تعرفون ـ تعقد مجموعة مؤتمرات في الكيان الإسرائيلي ويشارك فيها قادة كبار سياسيون وعسكريون وخبراء استراتيجيون، يحللون تطورات المنطقة ويطرحون تقديرات ويصلون إلى استنتاجات، ويقدمون توصيات لقيادة العدو، لحكومة العدو، لتعمل على أساس هذه التوصيات بما يخدم مصالح إسرائيل. طبعاً تعرفون، نحن، عادة، إذا قام العدو بأمور أحياناً هناك أمور نحسده عليها، هذه من الأمور التي نحسده عليها، لأنه في عالمنا العربي، حتى في أوطاننا العربية، (لا نرى) هذا النوع من المؤتمرات الجدية الحقيقية، ليس فقط خطابات ثم يذهب كلٌّ في حال سبيله، على العكس من ذلك (الإسرائيليون) يخوضون بنقاشات جدية، ويقومون بنقد ومراجعة، ويقرأون وقائع، ويقيمون تقديرات ويقدمون توصيات، وحكومة العدو غالباً ما تأخذ بهذه التوصيات بالجدية المطلوبة.
على كلٍّ، خلال هذا العام كما في الأعوام الماضية، كان هناك نتائج متقاربة الخلاصات التي وصلوا اليها، أنا سأعرض بعض هذه الخلاصات، ومنها أنطلق إلى موضوعات الخطاب.
في الخلاصات، الإسرائيليون يعتبرون أنهم أمام فرصتين وأمام تهديدين، هذا كلامهم، أنا فقط أقوم بالتلخيص.
الفرصة الأولى هي تشكل مناخ مناسب لإقامة علاقات والدفع "بتحالفات مع الدول العربية السنية"، هذا تعبيرهم هم، "يعني ضعوا شحطتين تحت تعبير السنية"، وهذه أدبيات جديدة في السنوات الأخيرة والآن يؤكد على الموضوع، الدول السنية أو تكتل الدول السنية وإقامة والدفع بتحالفات معها تكون في مصلحة إسرائيل، مستفيدين من تفاقم المواجهة بين الدول العربية السنية وإيران، ولكن هذه الفرصة الأولى التي سأعود إليها بالشرح والتعليق.
الفرصة الثانية، إمكانية تغيير النظام في سورية، هذه كانت موجودة مع بداية الأحداث وما تزال قائمة، ولكن في هذا العام هم أصبحوا "مزعزعين" في هذا التقدير لكن ما زالوا يعتبرون أن الفرصة ما زالت قائمة، بالتعبير الحرفي لهم: إن سقوط النظام في سورية سينزل ضربة قاسية بمحور المقاومة وأن الحرب الأهلية في سورية ستلحق ضرراً بالجيش السوري بحيث يصبح من المشكوك فيه أن يتمكن هذا الجيش من المشاركة في أي مواجهة عسكرية مع إسرائيل في المستقبل المنظور.
إذاً هذان هما الفرصتان، ويوجد تهديدان:
الأول إيران وما تمثله ايران، وتصنف في مستوى التهديد الوجودي، التهديد الثاني حركات المقاومة في فلسطين ولبنان، ويصنف في المرحلة الحالية هنا، يصنف حزب الله في أدبياتهم بالتهديد الأساسي، بالتهديد العسكري الاساسي أو بالخطر المركزي، ولذلك عندما يصلون إلى التهديدات أو إلى التوصيات والتحليلات يكثرون من الحديث عن عنوان سوف أتكلم عنه في آخر الكلمة، حرب لبنان الثالثة، يعني باعتبار حرب تموز هي حرب لبنان الثانية في ال 2006 وفي ال 1982 الغزو الاسرئيلي، حرب لبنان الأولى، وهم يتحدثون عن حرب لبنان الثالثة. فيما يتعلق بالفرصة الأولى، الإسرائيليون ومعهم حكومات عربية هي على علاقة قديمة مع إسرائيل، شيء بالعلن وشيء آخر تحت الطاولة، يدفعون بقوة في السنوات الأخيرة وخصوصاً في هذا العام باتجاه الحديث عن الصراع السني الشيعي، وتصوير أن كل ما يجري في المنطقة هو صراع سني شيعي.
في واحدة من ليالي محرم تحدثت أنا بالموضوع وذكرت مثلاً الصراع في مصر والصراع في ليبيا، والصراع في تونس والصراع في أماكن أخرى، ماذا تصفون هذا الصراع، هل هو صراع سني شيعي؟ هو صراع سياسي كما هو الموجود في اليمن وفي البحرين وفي العراق وفي سورية وفي لبنان، ولكن هم حريصون على أن يعطوا هذا الصراع عنواناً مذهبياً طائفياً لأنه يخدم مصالحهم ويخدم أهدافهم وهو كذب وخداع، التركيز أن إيران هي الخطر وتقديم إيران كعدو ولاحقاً تقديم نظام الرئيس بشار الأسد في سورية كعدو وتقديم حزب الله عدو، وتجاهل العدو الحقيقي الذي هو إسرائيل.
هناك تطابق أيها الإخوة والأخوات، أنا لا أعرف إلى أي حد الناس في العالم العربي وفي لبنان "متفضيين" لمتابعة الموضوع، لكن من المفيد أن نتابع الإعلام الإسرائيلي وما يقوله المسؤولون الاسرائيليون وما يكتبه الكتّاب الكبار للمقالات الإسرائيلية، سنجد أن الأدبيات الإسرائيلية متطابقة تماماً مع أدبيات بعض الإعلام العربي وخصوصا السعودي والخليجي، تطابق في الأدبيات في التعابير في الأفكار التي يريدون إيصالها وخصوصاً على هذا الصعيد. الإسرائيلي يعتبر أن التطورات في المنطقة تشكل له فرصة ذهبية ليقدم نفسه صديقا لمن! هنا سنتكلم عن الموضوع قليلاً، صديقاً لمن؟! صديقاً لأهل السنّة في العالم العربي والإسلامي. انظروا إلى هذا الزمن، هو طبعا لديه تجارب من الخداع. في مرحلة من المراحل قدّم نفسه صديقاً وحليفاً وحامياً للمسيحيين مثلاً في لبنان وفلسطين، وهذه نتائج لبنان وفلسطين. قدّم نفسه حامياً للدروز في مواجهة المسيحيين، وللمسيحيين في مواجهة الفلسطينيين، وقدّم نفسه عام 1982 حامياً للشيعة في لبنان، في مقابل الفلسطينيين، كل هذه التجارب يجب أن نستحضرها لكن اليوم، وصلت الوقاحة والجرأة وللأسف الأبواب التي فُتحت له في العالم العربي والإسلامي أن يقدم نفسه صديقاً لأهل السنّة وحليفاً لأهل السنة وحامياً لأهل السنّة. أنظروا إلى هذا الخداع، ويُقبل هذا في بعض العواصم العربية وتُستغل الظروف والتطورات لتنتقل بعض العلاقات العربية الإسرائيلية من تحت الطاولة إلى فوق الطاولة، وما كان يقال في الغرف المغلقة أصبح يقال من على المنابر، والعناق والمصافحة التي دفع في رفضها الشيخ راغب حرب دمه، ها هي نجدها في ميونخ وفي غير ميونخ مع السعوديين ومع بعض الخليجيين وبعض العرب. المسألة هنا طالما أنهم يتحدثون بهذه اللغة وبهذا المنطق، اسمحوا لي بأن اتكلم بهذا المنطق قليلاً، يعني أن أتكلم عن أهل السنة ومع أهل السنّة. طبعاً اذا كنا نريد أن نتكلم مع المسلمين ومع المسيحيين، أستطيع أن أستحضر لهم جميعا ما فعلته إسرائيل منذ أن كانت منظمات وعصابات إرهابية جاءت إلى فلسطين لتقيم مشروع الدولة. من ذلك اليوم الى اليوم، معنا نحن هؤلاء الذين نحتفل اليوم بذكراهم، إحباؤنا كبارنا أعزاؤنا أغلى الناس عندنا، هؤلاء قتلتهم اسرائيل غيلة، الشيخ راغب اغتاله بالرصاص، السيد عباس وأم ياسر وطفله حسين بالغارة الجوية، الحاج عماد بالسيارة المفخخة، وهم يواصلون طريق القتل والاغتيال ولن يكون الأخير الشهيد سمير القنطار.
لكن دعونا نتكلم، دعونا من شهداء الشيعة وشهداء غير السنة، اسمحوا لي بهذه التعابير ـ التي في زاوية من الزوايا فيها تعابير أو أدبيات غير مناسبة ـ لكن نحن مضطرون أن نستخدم هذه الادبيات: هل تقبلون صديقاً أيتها الحكومات العربية والأنظمة العربية ما زال يحتل أرضاً سنية، الآن أقول أرضاً عربية إسلامية، سكان فلسطين بالأعم الأغلب، هم من السنة، أرضهم يحتلها الصهاينة، بلداتهم، حقولهم، مدنهم، قراهم، هل تصادقون كياناً ارتكب المجازر، أهوَل المجازر في التاريخ بحق أهل السنة، من دير ياسين وغير دير ياسين، القرى التي دمرت، عشرات الآلاف الذين قتلوا، الملايين الذين هجّروا داخل فلسطين والملايين من الفلسطينيين الذين يعيشون في الشتات في أسوأ ظروف العيش، من الذي يستمر في تهجيرهم؟ من الذي يمنع ملايين الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم وإلى بيوتهم وإلى حقولهم؟ هؤلاء الصهاينة الذين يدنّسون مقدسات المسلمين والذين صادروا الحرم الإبراهيمي وينتهكون حرمة المسجد الأقصى الذي هو أيضا بحسب التقسيمات المذهبية أوقاف سنية، هي مقدسات المسلمين ولكن قانونياً هي أوقاف سنية وهو يحتل هذه الأوقاف ويدنّسها، وفي كل يوم يشن الحروب حتى الآن على غزة، هذه غزة التي تنتقل من حرب إلى حرب، عدد المنازل التي ما زالت مدمرة بالآلاف، عشرات آلاف الشهداء الفلسطينيين على طول هذه السنوات، وفي كل يوم قتل ذريع لشباب وشابات وفتيان وفتيات وأطفال وشيوخ فلسطين وأمام مرأى العرب والمسلمين والحكام الذين ـ زورا ـ يقولون إنهم من أهل السنة. ألم نشاهد جميعا بالأمس تلك الفتاة 21 سنة كيف أُطلق عليها النار وتُركت تنزف في الشارع ياسمين التميمي، وكيف يتعرض الفلسطينيون للمهانة وللذل في كل ساعة وليس فقط في كل يوم. أليس هؤلاء الذين يُقتلون في فلسطين ويُذبحون ويُسجنون ويُعتقلون وتُحرق بيوتهم على أطفالهم، أليسوا من أهل السنة؟
كيف يقبل عاقل من أهل السنة أن تُقدّم إسرائيل له على أنها صديق، على أنها حليف، وعلى أنها حامٍ؟ ما هذا التزوير وما هذا الخداع الذي يمارسه إعلام عربي وحكام عرب حاقدون وجهلة وعملاء في هذه المرحلة ثم يخترعون أعداء آخرين. لا نريد أن نناقش، يا أخي تريد أن تتخذ إيران عدوا "اصطفل" تريد أن تتخذ سورية حزب الله لا أعرف من، "ما في مشكلة" ولكن كيف لك أن تقبل أو أن تتخذ إسرائيل صديقاً وحليفاً وحامياً وهي التي فعلت ما فعلت حتى الآن؟
كل الذين قتلوا واستشهدوا وجرحوا وأسروا واعدموا وهم أسرى من مصريين وأردنيين وسوريين ولبنانيين وفلسطينيين ومن أبناء الشعوب العربية الذين جاءوا وقاتلوا من العراق وتونس وغيرها، هؤلاء ألم تكن أغلبيتهم الساحقة من أهل السنة؟
هذا الأمر يجب أن يواجَه بجدية، هذا الذي تنظر إليه إسرائيل أنه فرصة. انظروا الوقاحة، أمس من يستمع إلى يعالون ومن يستمع لناتنياهو يقدمون أنفسهم حماة أهل السنة في المنطقة. من الذين أوصل الإسرائيليين وفتح لهم الباب أو جرأهم إلى هذا المستوى؟
هذه مسؤولية العلماء والمثقفين والنخب والناس جميعاً أن يرفضوا هذا الخداع وهذا التضليل وهذا التآمر، هل تعرفون ما هي النتيجة إذا ثبتت إسرائيل كحليف وصديق لأهل السنة؟ هذا يعني أن فلسطين ضاعت إلى الأبد، الشعب الفلسطيني والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ضاعت إلى الأبد، المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين ضاعت إلى الأبد.
إذا كانت إسرائيل عدو وما قاتلوها لينتزعوا منها الحقوق، هل سيقاتلونها وهي صديق وحليف وحامٍ؟
هذه النقطة الأولى، الفرصة الأولى:
الفرصة الثانية فيما يتعلق بسورية. منذ اليوم الأول إسرائيل تعاطت مع الأحداث في سورية على أنها فرصة. فرصة تغيير النظام كما قرأت لكم قبل قليل، هي تعتبر أن سورية هي حلقة الوصل الأساسية في محور المقاومة، وهي بالفعل عامود خيمة المقاومة في المنطقة. إذا قُطع هذا الوسط وكُسر هذا العامود سينهار أو سيتلقى محور المقاومة ضربة قاسية جداً.
الموضوع دائماً عندما إسرائيل تنظر إلى الأمة أو إلى السنة وإلى المسيحيين أو إلى الدروز والشيعة أو العلويين أو أو أو أو لبنان وسورية إنما تنظر من زاوية مصالحها. لا يوجد شيئ اسمه قيم أخلاقية عند الإسرائيلي، لا يوجد شيئ اسمه مصالح هذه الشعوب وهؤلاء الناس عند الإسرائيلي. هناك مصالح إسرائيل، من زاوية مصلحة إسرائيل. من اليوم الأول هناك وضوح شديد أن المصلحة هي في زوال هذا النظام الموجود في سورية لاعتبارات ترتبط بمصالح إسرائيل. مع الوقت بدأ النقاش يتطور عندما ظهرت القاعدة، ولاحقاً انقسمت إلى جناحين، إلى داعش والنصرة، بقي النقاش في إسرائيل أيهما أفضل لنا ـ بتعبيرهم أقل سوءاً لنا ـ تصوروا أن إسرائيل، إسرائيل تعتبر تنظيم القاعدة في سورية وداعش والنصرة في سورية خياراً أفضل من بقاء نظام الرئيس بشار الأسد، وهذا قبل سنتين كانوا يقولونه إن هناك وجهات نظر. الآن هناك إجماع "إذا بدي أحكي اذا بدي احتاط أقول شبه إجماع" أنا متأكد أن هناك إجماعاً إسرائيلياً ـ وأنا أتابع ما يقوله الإسرائيليون، طبعا إخواني هم يحضّرون المادة، يلخصون ـ بإسرائيل أي خيار آخر غير بقاء نظام الرئيس بشار الأسد يمكن القبول به. الخيار الوحيد المرفوض إسرائيلياً وبالمطلق هو بقاء نظام الرئيس بشار الأسد. حسناً لمَ؟ هل هي قصة عداوة شخصية؟ في إسرائيل لا يوجد عداوة شخصية، هناك نظرة، لأنهم يعتبرون أن هذا النظام كان وما زال وسيبقى يشكل خطراً ـ من خلال موقعه في محور المقاومة ـ على المشروع الصهيوني وعلى مصالح إسرائيل في المنطقة، وكل الخيارات الأخرى لا ترقى إلى مستوى هذا الخطر، بالحد الأدنى. ولذلك هم من اليوم الأول كانوا جزءاً من المعركة على سوريا، استخبارياً ومعلوماتياً ولوجستياً وتسهيلات وحدود وحتى أمنياً وعسكرياً وأعمال قصف، وفتح حدود في أكثر من مكان وتسهيلات عبور في حدود ومناطق مجاورة، بلبنان أو بالأردن.
حسناً، وكانت إسرائيل من خلف الستار، لأنه هناك حرج على الحكومات العربية، أن تذهب وتحضر في مؤتمر أصدقاء سوريا يعني فضيحة، لكن توقعوا أن يأتي يوم وتحضر، يعني عندما تصبح حليف أهل السنة، كما يريد بعض حكام الخليج، نعم لماذا، يمكن أن تأتوا في يوم من الأيام لتروا نتانياهو أو يعلون مجتمعاً بمؤتمر أصدقاء سوريا، خلف الستار كل شيء كان يمكن أن يُعمل ضد سوريا سياسياً، دولياً، دبلومسياً، إعلامياً، شعبياً، تحريضياً، إسرائيل ساهمت فيه وبقوة.
هنا إسرائيل تلتقي بقوة مع السعودي ومع التركي، لن أتكلم عن الباقين لأنهم ملحقون، من هو فاعل الآن ـ كان وما يزال بقوة فاعلاً ـ بالحدث، بالمنطقة، على المستوى الإقليمي في المحور الآخر، هناك تركيا، هناك السعودية، هناك إسرائيل.
إسرائيل تتفق مع السعودية ومع تركيا على هذا الهدف، أنه لا ينبغي، لا يجب، لا يجوز أن يُسمح بأي حل يؤدي في نهاية المطاف إلى بقاء الرئيس الأسد ونظام الرئيس الأسد، حتى لو صار هناك تسوية ومصالحة وطنية سورية - سورية، حتى لو تم ضم المعارضة السورية المقبولة أو المعقولة في إطار حكومة وحدة وطنية، هذا الأمر مرفوض سعودياً وتركياً وإسرائيلياً، لأسباب ترتبط بالسعودية وبتركيا وبإسرائيل، ولذلك هم يعطلون المفاوضات، يعيقون ذهاب الوفود إلى المفاوضات، يضعون شروطاً مسبقة هم أعجز من أن يفرضوها ويرفعون الأسقف التي لم تعد مقبولة حتى أميركياً وأوروبياً.
وبالنسبة لهؤلاء أن يستمر القتال في سوريا وأن يستمر الحرب والدمار في سوريا لعشرات السنين ليس عندهم مشكلة، السعودي والتركي والإسرائيلي ليس عندهم مشكلة، المهم أنهم يعتبرون أن بقاء هذا النظام وهذا الرئيس وأي مصالحة وطنية تضمن بقاء هذا النظام وهذا الرئيس خطراً يرفضونه، وبالدرجة الأولى هو خطر على إسرائيل بالميزان الإسرائيلي.
حسناً، اليوم هناك شيء جديد عن الإسرائيليين بالأسابيع القليلة الماضية، الإسرئيليون في هذه المؤتمرات الأخيرة تقريباً سلموا بواقع أنه لا يمكن إسقاط النظام - وأنا سآتي لهذا بعد قليل - التركي، السعودي، الأميركي، الغربي، تقريباً يعني نحن الآن في وضع مختلف تماماً عن ما كنا عليه قبل سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات في سوريا.
حسناً، ماذا يبرز في هذه المؤتمرات الأخيرة والتقديرات، التوصيات الأخيرة للإسرائيليين، إسرائيل تدعو وبكل وقاحة إلى تقسيم سوريا، إلى تقسيم سوريا على أساس عرقي وعلى أساس طائفي، وسمّوا، قالوا، دولة سنية، دولة علوية، دولة درزية، دولة كردية، قال تقريباً أربع دول، واعتبروا هم أنه إذا تم تقسيم سوريا إلى دويلات فإن هذه الدويلات التي ستؤسس على حدود فلسطين المحتلة يمكن في يوم من الأيام التفاهم معها والتواصل معها وأن يأمنوا جانبها وصولاً إلى مرحلة التحالف والقبول وما شاكل.
هذا ما تتطلع إليه إسرائيل الآن، ولذلك هم يرفضون أن تحصل مصالحة وطنية سورية وتسوية سورية وطنية، ويعتبرون أن الأفضل لهم ولمصالحهم ولمشروعهم الصهيوني في المنطقة أن تقسم سوريا من أن تحصل تسوية سياسية في سوريا تبقي هذا النظام وتبقي هذا الرئيس.
حسناً، هذه من الزاوية الإسرائيلية. هذا الكلام ماذا يعني؟ هذا يضيء لنا ويجب أن يضيء للناس كلهم، الذين هم حقاً حريصون دائماً أن يدرسوا خياراتهم، يدرسوا الوقائع، يدرسوا التطورات والتهديدات والفرص والأهداف والمصالح الكبرى، ليس فقط أن يسيروا عمياناً، ماذا يمنع الواحد دائماً أن يراجع خياراته، أن هذا صح، هذا خطاً، مكان ما نحن ذاهبين هذا صح أو خطاً، ليس عيباً الواحد إذا اكتشف أنه على خطأ أن يقف أو يطلع أو ينسحب، أو يبدل موقفه، ليست مشكلة، ليست عيباً، هناك أناس كل يوم يبدلون موقفهم، ليست مشكلة إذا واحد بمفصل تاريخي وجد أنه والله نعم نحن تقييمنا خطأ وقراءتنا خطأ ونحن مخطئون، لنصلح موقفنا ويجد ألف مخرج، المصلحة الوطنية، المصلحة القومية، هذه سهلة عند السياسيين أن يجدوا لها.
هذه التطورات التي حصلت وهذه المواقف التي تعلن خصوصاً من قبل الإسرائيلي وغير الإسرائيلي هي يجب أن تضيء لنا جيداًعلى خياراتنا.
هذا يدخلني قليلاً للحديث عن سوريا اليوم. اليوم في سوريا نحن نقترب، يعني عندنا بعد تقريباً شهرين أو ثلاثة تكون سوريا قد أكملت عامها الخامس في مواجهة الحرب الكونية. في اللحظة الحالية إذا كنا نريد أن نعمل تقييماً للآخر، نستطيع أن نقول إن إسرائيل ـ التي هي شريك بالحرب على سوريا، كما ذكرت قبل قليل ـ فشلت في سوريا حتى الآن، لأن هدف إسرائيل في سوريا كان إسقاط النظام والرئيس وهذا لم يتحقق. وفشلت إسرائيل في أن تصل سوريا حتى هذه اللحظة أيضاً إلى مرحلة التقسيم، لأن الجيش السوري والقوى الشعبية ومن معهم من حلفاء عندما يقاتلون في اللاذقية وفي حماه وفي شمال حلب وفي جنوب درعا وفي دير الزور وفي الحسكة، يعني القرار الوطني في سوريا هو رفض التقسيم، وكل ما يقال من اتهامات إن القتال في سوريا قائم على قاعدة إيجاد دويلة معينة ذات طابع معين هو كذب وافتراء ودجل، وتكذّبه تضحيات ودماء السوريين من جيش وقوات شعبية وحلفائهم الذين يقاتلون على امتداد الأراضي السورية من أجل الحفاظ على وحدتها ومنع تقسيمها.
حسناً، هذا الإسرائيلي. القاعدة بجناحيها داعش والنصرة أيضاً، بعد خمس سنوات نستطيع اليوم أن نقول، هم طبعاً هناك نقاش، هناك طرح استراتيجي هم كتبوه الجماعة، ولماذا اختاروا سوريا؟ والأسباب والعوامل والعناصر وجاءوا بكل جماعتهم من كل الدنيا، وجيئ بجماعتهم أيضاً من كل الدنيا من أجل السيطرة على سوريا وإقامة دولتهم الجاهلية ليمتدوا منها إلى بقية دول المنطقة.
اليوم أيضاً، يجب أن نتكلم عن انجازات، اليوم أيضاً يجب أن نقول إن هذا المشروع، مشروع القاعدة بجناحيها داعش والنصرة أيضاً فشل في سوريا، فشل في أن يسيطر على سوريا ويقيم فيها دولة جاهلية متوحشة باسم الإسلام وليمتد منها إلى لبنان والأردن والعراق ودول أخرى في المنطقة.
تركيا، الآن أصبحنا مضطرين أن نحكي الأشياء بأسمائها، بالنسبة إلى تركيا أيضاً سقط مشروع الإمبراطورية العثمانية الحديثة والجديدة، سقطت في سوريا، ولو نجحت في سوريا كان يعد لها أن تمتد إلى لبنان والأردن والعراق ومصر وشمال أفريقيا ودول أخرى.
المشروع السعودي في سوريا سقط أيضاً ولم يجنِ إلا الخيبة، وهو يتجرع اليوم كأس أحقاده وفشله.
هذا الفشل، إنما نتحدث عن فشل، نحن هنا لا نتحدث عن هزيمة كاملة، نتحدث عن فشل الذي هوجم، الذي جيئ له بعشرات ألاف المقاتلين من كل أنحاء العالم. قبل عدة أيام، مسؤول المخابرات الأميركية يقول (تم إدخال) 32 ألف مقاتل، طبعاً بتسهيلات أميركية، فرنسية، أوروبية، عربية، تركية.
حسناً، لا نتحدث عن هزيمة كاملة، هم الذين جاءوا إلى سوريا ليقاتلوا، هدف سوريا ومن يقاتل في محورها هو أن تبقى، أن تصمد، أن لا تسقط دمشق، أن لا يسقط النظام، أن تذهب إلى حل سياسي يجمع السوريين، أما هم الذين جاءوا ليسقطوا وليسيطروا وليحتلوا، وهم فشلوا حتى الآن. وهذا الفشل لم يحصل بالحكي وبالخطابات، ولم يحصل نتيجة نقص في الدعم، وإنما قدم في هذا المشروع من قبل حماته الأميركيين والسعوديين والخليجيين والأتراك والأوربيين مليارات الدولارات وألاف الأطنان من السلاح والذخيرة ومكنة إعلامية، أضخم مكنة إعلامية عالمية وإقليمية ومحلية في التاريخ البشري، وحرب كونية حقيقية وعشرات آلاف المقاتلين وتحريض مذهبي وتحويل الصراع إلى صراع مذهبي وإلى صراع طائفي، كل المحرمات ارتكبت من أجل تحقيق هدفهم وفشلوا في تحقيق هدفهم، ومن خلفهم فشلت أميركا التي كانت تتطلع إلى سوريا أنه أينما تذهبين يأتيني خراجك، إذا ربحت تركيا يعني عند أميركا، وإذا ربحت السعودية يعني عند أميركا، وإذا ربحت إسرائيل يعني عند أميركا، واسمعوا مني، وإذا ربحت داعش يعني عند أميركا، بالنتيجة، بالتوظيف. هذا كله فشل. في المقابل لماذا؟ بسبب صمود وثبات وعزم وتضحيات وقوة القيادة السورية، الجيش السوري، القوى الشعبية السورية، البيئة الشعبية الحاضنة والكبيرة في سوريا لهذا الخيار وأيضاً دعم الحلفاء ولكن الأصل هو الأول، الحلفاء يأتون ويدعمون، ولكن إذا لم يكن هناك قيادة ولا يوجد جيش ولا يوجد سوريون، هم الذين ينتشرون في كل الميادين وفي كل الجبهات، يأتي الدعم يدعم، لا يمكن للداعم أن يحقق إنجازاً أو يحسم معركة.
اليوم هناك، إذاً نحن أمام انتصارات كبيرة في محورنا وفشل وخيبات كبيرة في المحور المقابل، لا أتحدث عن نصر نهائي وكامل ولا أتحدث عن خيبة كاملة وفشل نهائي وكامل، هناك تطورات ميدانية هائلة وضخمة جداً تحصل الآن في ريف اللاذقية تقريباً هناك بلدة أو بلدتين أو اكثر وتحسم المعركة في ريف الشمالي لللاذقية. في ريف حلب الشمالي انهيار هائل ومريع للجماعات المسلحة، بحيث أنه الآن في مقابل تقدم بعض القوى المحلية وفي بعض الأماكن الجيش السوري يدخلون إلى قرى ومدن فر منها المسلحون بلا قتال، هناك قرى وبلدات تسقط بلا قتال الآن في شمال حلب، طبعاً التطورات الأخيرة أيضاً في جنوب سوريا الخ.. كل هذا يدل أنه نعم، هناك وضع جديد وهناك مسار جديد موجود في سوريا وفي المنطقة، هذا فتح الباب أمام مستجد ـ وسنتحدث عنه لدقيقتين لأنه مهم، إذا حصل مهم وإذا لم يحصل مهم لانه بإنعكاسه على سوريا بل على المنطقة بل يكون له انعكاس على العالم ـ هذه التطورات، هذه الهزائم المتلاحقة للجماعات المسلحة دفعت بالسعودية وبتركيا ـ لكن بالسعودية بشكل وبصوت اعلى بكثير لانها تمتلك الفلوس وتستطيع أن تحضر من كولومبيا ومن أمريكا وشركات امنية والله اعلم وجنسيات ومرتزقة مئل الذين أحضرتهم إلى اليمن، للتفكير بتدخل بري سعودي وتركي في سوريا لمحاربة داعش وضمن الائتلاف الدولي وبقيادة الولايات المتحدة الأمركية.
الآن سوريا والمنطقة والعالم أمام احتمال من هذا النوع. طبعاً هذا تطور مهم جداً جداً، اذا حصل وإذا لم يحصل هو مهم جداً جداً، طبعاً يمكن أن يحصل أو لا يحصل. أنا لا أريد أن أجزم بشيء، لكن يمكن أن يتحدث الإنسان قليلا بالخلفيات أو بالنتائج. الآن السعودية وتركيا استفاقتا على داعش، على داعش في الرقة، على داعش في الميادين، على داعش في دير الزور والبوكمال وشمال حلب، الآن استفاقوا؟ استفاقوا الآن لأن الجماعات المسلحة المحسوبة على السعودية وتركيا تتلقى الهزائم المتتالية. تركيا والسعودية يمكنهم استلحاق أنفسهم. دعم الجماعات خلال خمس سنوات استنفذ، يعني (هل هناك) اكتر من أن الأمركان قاموا بفتح معسكرات في تركيا وانفقوا عليها حسب قولهم هم خمسمائة مليون دولار، التحق فيها خمسة وسبعون شخصاً، وبقي خمسة جاهزون للقتال؟ الأمريكان قالوا هذا.
إذا الرهان على الجماعات المسلحة وحتى المجيء بهم من الخارج ليس معلوماً أنه يؤتي أكله؟ حتى تستطيع أمثال السعودية وتركيا أن تكون حاضرة على طاولة المفاوضات ـ إذا كانوا يريدون مفاوضات ـ أو لتكون السعودية وتركيا ومن معهما قادرين على مواصلة الحرب والدمار والنزيف في سوريا، سواء للسبب الأول أو للسبب الثاني، يمكن أن يشعروا أنهم بحجة داعش هم معنيون أن يتواجدوا بشكل مباشر بعنوان تحالف دولي، أن تاتي قوات سعودية إماراتية سودانية أردنية كولمبية بلاووترية مرتزقية من كل انحاء الدنيا، ينتشرون وينشئون القواعد، هم إئتلاف دولي ويقولون ان هذا الخط لنا ونحن في هذه المنطقة وممنوع أن يقترب منها أحد، وبالتالي إذا أراد الجيش السوري وحلفاؤه أن يتقدموا باتجاهها ذلك يعني أنهم سيدخلون في معركة ستتطور إقليمياً، وقد تتطور دولياً.
من الممكن أن يشعروا هم أن هذا الخيار الأخير المتبقي لديهم حتى يبقوا أقوياء على طاولة المفاوضات، أو حتى يبقوا ينفخون النار ويسكبون البنزين على الحرب في سوريا.
اذاً الدافع ليس قتال داعش، وإنما البحث عن مكان بعد كل الفشل والإخفقات التي حصلت حتى الآن. وإلا تركيا ـ يا إخواني وأخواتي ـ إذا أرادت أن تتخلص من داعش يكفي أن تغلق الحدود وتقفل المعابر وتوقف بيع النفط الذي يدرّ الملايين من الدولارات، شريان الحياة لداعش عند الاتراك، عندما يضغطون عليه، فإن داعش تذبل من تلقاء نفسها.
السعودي يريد إقناعنا أنه يأتي من أجل قتال داعش، ولكن هو ماذا فعل في اليمن؟ المحافظات التي أخلاها الجيش اليمني واللجان الشعبية للحراك الجنوبي في المحافظات الجنوبية من الذي يسيطر على أغلبها الآن؟ القاعدة وداعش وبتسهيلات سعودية ورضى سعودي ودعم سعودي وحماية سعودية، القاعدة وداعش في عدن، في عاصمة المشروع السعودي الجديد، هؤلاء الذين يسلّمون جنوب اليمن لداعش يريدون أن يقاتلوا داعش في سوريا، من يصدّق هذه السوالف وهذا الكلام، لكن داعش هي حجة، هي يافطة، ويمكن أنا غير واضح عندي، إذا جاءوا، إذا جاءوا ـ ضعوا شحطتين تحت إذا جاءوا ـ يمكن أن يحصل تفاهم مع داعش، وداعش تبدل ثيابها وتبدل جلدها وتتحول إلى شيء آخر ويسجّل انتصار عسكري حازم وعازم وكبير وعظيم جداً، لا أعرف ما هي المسرحيات، هناك هكذا مسرحيات تحصل في بعض المناطق، لا أريد أن أضرب أمثلة حتى لا أفتح مشكلاً مع أحد.
في كل الأحوال، هم يريدون المجيء ليجدوا موطئ قدم لهم، وهذه الخلفية، العنوان هو داعش، ولكن لو جاءوا وبمعزل أن داعش أخلت لهم المكان أو قاتلتهم، وإذا قاتلتهم قد يصابون بالهزيمة وقد يغلبون، أيضاً كل الخيارات المفتوحة، ولكن هم يريدون، هدفهم أن يصبح لهم موطئ قدم في مواجهة المحور الآخر. هذا يعني بأن هؤلاء جاهزون أن يأخذوا المنطقة إلى حرب إقليمية، وإلى حرب عالمية، ولكنهم ليسوا جاهزين على الإطلاق أن يقبلوا بتسوية سياسية حقيقية ووطنية في سوريا. أنظروا إلى مستوى الحقد، أنظروا إلى مستوى الكراهية، أنظروا إلى أين أوصل العمى والجهل، في الوقت الذي (تبدو فيه) أبواب التسوية السياسية في سوريا مفتوحة.
في كل الاحوال، انا لا أريد أن استهلك بقية الوقت لأن ما زال لدي مقطع عن لبنان، وأدخل في تحليل قدومهم أو عدمه وصعوباتهم، لأن مواقعهم، وقراهم، ومدنهم في اليمن الآن تتهاوى أمام الجيش اليمني واللجان الشعبية، وهذا موثق بأفلام الفيديو، ويذاع على الفضائيات في العالم، وهم ليس لديهم أي مشكلة، وتقريباً حوالي السنة دمار، وقتل، ومجازر، وحصار وما زالوا عاجزين في حزمهم وفي عزمهم، وواضح أنهم أتوا بكل مرتزقة العالم ليقاتلوا في اليمن، هل هؤلاء جديرون بأن يأتوا ويقاتلوا في سوريا؟
أتريدون أن أقولها أنا من الآخر؟ إذا جاؤوا "منيح" وإذا لم يأتوا "منيح"، لا يوجد مشكلة ، إذا جاؤوا "منيح" وإذا لم يأتوا "منيح"، في حال لم يأتوا إن شاء الله "تخلص قصة سوريا" ولكن بحاجة إلى الوقت، وفي حال أتوا إن شاء الله "تخلص قصة المنطقة كلها" ولكن بحاجة إلى الوقت.
بناءً، أختم الشق السوري لأقول: المهم أن يعلم الجميع أن إرادة الصمود والمواجهة في سوريا انتصرت حتى الآن، وهي الأن بالرغم من نزيف السنوات الخمس قوية جداً، هذه الارادة على مستوى القيادة، والجيش، والقوى الشعبية، والحلفاء، والداعمين ولن يسمح ـ مثلما كنا نتكلم قبل خمس سنوات ـ لن يسمح لا لداعش، ولا للنصرة، ولا للقاعدة، ولا لأميركا، ولا للسعودية، ولا تركيا، ولا لكل الطواغيت والمستكبرين أن يسيطروا على سوريا، ولا إسرائيل أن تحقق أحلامها وأهدافها.
ستبقى سوريا لأهلها ولشعبها، هم وحدهم يقررون مصيرها، ونظامها، ودستورها، ورئيسها، وموقعها في المعادلة، وستبقى سوريا عامود المقاومة، عامود خيمة المقاومة في المنطقة، ونحن في حزب الله ـ ومن موقع الشراكة بالدم، والشهادة، ومن قوافل شهدائنا خلال السنوات الماضية، ومن موقع التضحيات بكل صراحة اليوم أقول لكم وبين يدي السيد عباس، والشيخ راغب، والحاج عماد، قادة هذه المقاومة ـ نحن في حزب الله، مجاهدونا، عوائل شهدائنا، جرحانا، أهلنا، جمهورنا، أحباؤنا، نفتخر أننا ساهمنا بمقدار جهدنا وطاقتنا في مواجهة هذه المشاريع الخطيرة على لبنان، وعلى سوريا، وعلى منطقتنا، وعلى أمتنا، وفي إفشالها، وفي قطع الطريق على تحقيقها.
إن شهداءنا الأطهار الذين قضوا في سوريا، وما زالوا يستشهدون هناك، والذين يقفون هناك، هم تماماً كشهداء المقاومة في حرب تموز التي أسقطت المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي ـ السعودي لـ "الشرق الأوسط الجديد"، هؤلاء الشهداء هم كأولئك الشهداء، والميدان هو نفسه الميدان، والأهداف هي نفسها الأهداف، والإنتصارات هي نفسها الإنتصارات.
اليوم نحن أقوى إيماناً بسلامة خيارنا، وأقوى عزماً على مواصلة الإلتزام بهذا الخيار، وكما كنا نقول وسنبقى نقول: "حيث يجب أن نكون على مدى السنوات الماضية، كنا نصنع ـ جنباً الى جنب مع الجيش السوري، وكل الشرفاء ـ الإنتصار تلو الإنتصار، وفي الأيام الآتية، والسنين الآتية، والعقود الآتية، وحتى القرون الآتية، سوف نبقى (على قاعدة) حيث يجب أن نكون سنكون، وسنصنع الإنتصارات بدماء الشهداء إن شاء الله."
العنوان الأخير: عنوان "التهديدات والأخطار" التي يتكلم عنها الإسرائيلي ـ لا يوجد وقت لأتكلم بموضوع إيران، ولا يوجد وقت لأتكلم بموضوع حركة المقاومة في فلسطين ـ سأكتفي بالكلام عن لبنان، بطبيعة المناسبة وقادة المقاومة في لبنان، بذكرى قادتها الشهداء.
خلال العام الماضي، أيضاً في الندوات وفي المؤتمرات، تحدث المسؤولون الاسرائيليون، هؤلاء سياسيون عسكريون خبراء طويلاً عن المقاومة في لبنان، عن حزب الله في التحديد، عن قدراته البشرية والمادية، عن تطور إمكاناته، عن تطور تجربته على ضوء الحرب السورية انه هو تجربته تجربة دفاعية والآن اكتسب تجربة هجومية، عن صواريخه، عن البر، عن البحر، عن الجو، عن المنظومات، عن الأنفاق، عن الجليل، عن أنه إذا حصلت حرب ما ماذا سيفعل حزب الله وماذا تستطيع أن تفعل المقاومة في لبنان، ووضعوا سيناريوات متعددة، وكيف سيقابل الإسرائيلي هذه السيناريوات، وماذا يمكن أن يكون هدفه في الحرب المقبلة، ووضعوا عنواناً اسمه حرب لبنان الثالثة، ويقدّموا توصيفاً بأن الخطر المركزي في هذه المرحلة هو حزب الله، أو بتعبير آخر هم استعملوه: التهديد العسكري الأساسي.
أنا لا أريد أن أعلق على الموضوع المتعلق بالصوايخ وعن الذي تكلموا عنه "إذا كان صح أو خطأ"، بحر، بر، جو، وعن الذي تحدثوا عنه بأننا نريد أن نعمل "كيت وكيت"، هل سنعمل أو لن نعمل؟ هذا عادة نحن لا نتكلم فيه. في المقدار المتكلم عنه في السنوات الماضية هو كافٍ.
لكن أنا أريد أن أدخل إلى الموضوع من زاوية أخرى لأقول: إذا كان واقعاً وهذا حقيقة ويوجد الآن إجماع في إسرائيل على هذا التوصيف للمقاومة في لبنان، يعني خطر على ماذا؟ يعني حزب الله فاتح جبهة الآن وذاهب مثلاً يريد أن يزيل إسرائيل من الوجود؟ الواقع الآن ليس هكذا، هو خطر على مشروع إسرائيل الاستيطاني، هو خطر على المشروع الصهيوني بكل عناوينه وتجلياته، هو خطر على أطماع إسرائيل، هو عائق في وجه مشاريع إسرائيل وطموحاتها وأطماعها في المنطقة، نعم.
عندما تشخص إسرائيل بأن هذه المقاومة هي هذا الخطر المركزي فهي ستعمل بشكل أو بآخر على إزالة هذا الخطر، هكذا تشتغل إسرائيل، هذا الأمر يأخذنا إلى المكان الذي أريد أن أتكلم به قليلاً.
لإزالة هذا الخطر يوجد طريقان أو طرق عديدة ولكن أهمها طريقان:
الطريق الأول هو أن تقوم إسرائيل بالحرب مع هؤلاء الجماعة وتمسحهم، تزيلهم من الوجود، هم "والذي يشد على مشدّهم" والذي يقبل بمنطقهم والذي يحضنهم والذي يدعمهم. هذا طريق، يعني الحرب الشاملة، هل إسرائيل تستطيع أن تلجأ الى هذا الخيار؟ يوجد نقاش حول هذا الأمر أعقّب عليه بعد قليل.
الطريق الثاني الذي عادةً تلجأ له كل الدول وكل العالم هو الطريق الطويل، بأنهم يضعوا هذا الخطر أمامهم، يعملوا على محاصرته سياسياً، شعبياً، إعلاميا، يعملوا على شيطنته، يحاصروه مالياً، يقطعون خطوط الإمداد الخاصة به، تجفيف مصادر التمويل مثلاً، قتل واغتيال قياداته، مفاصله الأساسية، اختراقه امنياً من خلال الجواسيس، اختراقه امنياً لكشف مقدراته واختراقه أمنياً لكشف مقدراته وإمكاناته وتشويه صورته في العالم، هذا الجسم يضعف من الداخل نتيجة الحصار ونتيجة العزل ويهترئ ويأخذ الناس بالشك ببعضهم، عرى القوة بداخله تبدأ بالتفكك والحاضنة الشعبية من حوله تبدأ بالانكفاء إلى أن يصبح ضعيفاً هزيلاً، يمكن قطفه في لحظة من اللحظات، ويأتي الخيار العسكري ـ أو قد لا يأتي ـ وينهي هذا الوجود. هذا الطريق الثاني.
حسناً، إسرائيل جرّبت مع المقاومة في لبنان الطريق الأول في حرب تموز، العالم كله يعرف أن الهدف كان هو القضاء على المقاومة وبتعبيرهم سحق حزب الله. هذا لم يحصل، وللأسباب التي دائما نحكي عنها بمناسبة حرب تموز بحضور الجميع ومشاركة الجميع، القيادة السياسية والجهادية والعسكرية إلخ.
الطريق الثانية هم ماضون بها و"مكمّلين". الآن تفهمون ما هو سبب التصعيد في الطريق الثاني كل الذين يعملون على شيطنة حزب الله، تحويل حزب الله من منظمة إرهابية إلى منظمة إجرامية. نحن أصبحنا تجار مخدرات، للأسف الشديد آخر مقالات تتهم الحاج عماد مغنية "أنه حتى وهو في دار الآخرة" تجار مخدرات، غسيل أموال، سرقات دولية، عدو، نحن مجرمون، نحن قتلة "طبعاً تُنسب إلينا أعمال غير صحيحة على الإطلاق" نحن نقتل الأطفال، نحن نغتصب النساء، نحن نحن نحن نحن، هذا كله مكنة إعلامية دولية وعربية وخليجية تعمل 24 /24 ساعة ، مواقع إلكترونية وجرائد وصحف ومجلات وإذاعات وتلفزيونات، كلهم يعرضون هذا الذي اسمه حزب الله بالشيطنة ، هذا جزء من حرب، هذا لمصلحة اسرائيل، هذا ليس لمصلحة أحد ولم يستفد أحد من هذا الموضوع. مصلحة المشروع الإسرائيلي النيل من حركة المقاومة، سواء في فلسطين أو في لبنان، وأي مقاومة، أي دولة مقاومة وأي نظام مقاوم عندما يتم النيل منه تقدم الخدمة عن وعي أو لا وعي بالمجان لإسرائيل، وإسرائيل شغّالة على هذا الموضوع .
وصولاً للحصار المالي والإجراءات الأخيرة، أنا قلت ليس لدينا فلوس لا بالبنوك ولا عندنا مشاريع، لكن يريدون ضرب ناسنا وشعبنا وبلدنا واقتصاد بلدنا، وصولاً إلى الحرب النفسية فيما يقال عن حرب لبنان الثالثة وأن اسرائيل بالحرب المقبلة سوف تفعل كذا وكذا وكذا وكذا..
الآن يبدو أن هذه الحرب النفسية لا تنفع كثيراً لأن الناس ليس لديهم وقت لقراءة ماذا يقول الإعلام الاسرائيلي ولا يعرفون ماذا عن الاسرائيليين الذين "يولولون" ومشغولين بملفاتهم الداخلية، وهذا لعله من البركات أحياناً أن أحداً لا يقرأ الإعلام الإسرائيلي، هذا ليس دائما سلبياً، يمكن أن يكون له فوائد أيضاً.
انا أود أن أعلّق في هذا الإطار بما يلي:
أولاً: الحرب النفسية لن تجدي معنا، يعني أن نخاف أو نتراجع ونستسلم ، ونفتش على قنوات اتصال مع الامريكان ومع الاسرائيليين، مع أحد في أوروبا، أنه يا جماعة "نحن عنا بدنا نطمئن الإسرائيلي ونريد أن نريحه" إلخ .. هذا لن يجدي نفعاً نحن لن نتراجع ولن نستسلم ولن نهون، ونحن سنواصل في موضوع جهوزيتنا وقدراتنا العسكرية والمادية والفنية والنوعية والكمية والبشرية، نحن مستمرون بهذا الموضوع، والحرب النفسية ليس لها نتيجة، وسأضرب مثلاً على الحرب النفسية الذي يعملها على حاله ..
ثانياً: نحن نواجه التشويه، طبعا لا ندّعي أننا نملك وحتى حلفاؤنا وأصدقاؤنا والمؤمنون بنا، لا يملكون إعلاماً بقوة ذاك الاعلام ، لكن نحن نواجه التشويه بمصداقيتنا وأخلاقيتنا وسلوكنا وتاريخنا وأدائنا وماضينا وحاضرنا. نحن نواجه التشويه بطهارة السيد عباس الموسوي، بزهد الشيخ راغب حرب، بطهارة وتواضع الحاج عماد مغنية، نواجه التشويه بما حققناه من إنجازات أهديناها إلى شعبنا ووطننا وأمتنا ولم نبحث عن مكاسب حزبية أو شخصية أو طائفية، نحن بهذه المصداقية وبهذا الصدق والوفاء نواجه التشويه، وبالإنجازات وبالانتصارات، نحن نواصل العمل أيضاً.
أما قصة الحرب الثالثة، أنا أحب أن أقول لكم إن البعض يكتب أحياناً ويحلّل أن الفرصة الإقليمية الآن متاحة، الآن أحسن فرصة لإسرائيل أن تخترع أي حجة وتشن حرباً على لبنان وتشن حرب لبنان الثالثة وتضرب المقاومة و"تطبّش" البلد وتعيده عشرين سنة مثل ما يهددونا، عشرين سنة ومئة سنة وخمسين سنة.
دائماً الظروف الإقليمية مساعدة، أحب أن أقول لكم إن إسرائيل لا تحتاج لظروف إقليمية، لما تكون مصلحتها أن تشنّ حرباً هي لا تحتاج لظروف إقليمية ولا لظروف دولية. دائماً تسخّر الظروف الدولية والإقليمية لمصلحة إسرائيل، لكن هذا ليس هماً، يعني لا نخاف نتيجة انه الآن الوضع بسوريا هكذا وبالعراق هكذا وبمصر هكذا، وبالأردن هكذا، الظروف الإقليمية سواء هي دائماً مساندة وليست عائقاً ولن تكون عائقاً، هناك شيء وحيد يمنع إسرائيل أن تشن حرباً.
الآن هذا أيضاً نحن مقتنعون بهذا، ولكن مع ذلك للنقاش الاستراتيجي مثل ما يقولوا في لبنان، هذا نقاش استراتيجي. هناك شيء واحد يمنع إسرائيل أن تشن حرباً، ماذا هو؟ إسرائيل بعد تجربة حرب لبنان الثانية ولجان فينوغراد وتجربة حرب لبنان الأولى والنتائج ولو بعد سنوات، عندهم عنوان مجمعون عليه أيضاً، هي تخرج إلى الحرب إذا كان النصر محسوماً، أو كان عندها شعور ـ إذا أردنا أن نتواضع قليلاً ـ أنها مطمئنة، نصر حاسم واضح، هكذا تعبيراتهم، بيّن، لا نقاش فيه، سريع، لأنه هم لا يتحملون أن تبقى تل أبيب تقصف على أشهر مثلاً، سريع وناجز ويؤدي الأهداف.
حسناً، إسرائيل هذه الحرب الجاهزة لتقوم بها، عندما نمنع في لبنان، أو ترى إسرائيل أن في لبنان من يمنعها من أن تدخل إلى حرب تنتصر فيها نصراً بيّنا سريعاً ناجزاً، فهي لن تخرج للحرب. بالمنطق، أحياناً بالجهل وبالحقد كل شيء وارد، أتكلم بالمنطق، بالاستراتيجية بالحسابات الدقيقة، بالوعي، "بعدم الهترنة"، لأنه هم أيضاً عندهم هكذا.
حسناً، بالمنطق وبالمبدأ الذي يمنع قيام حرب إسرائيلية، الذي يمنع قيام حرب ثالثة على لبنان هو وجود مقاومة وحضن لهذه المقاومة هو شعبها ومعها جيشها الوطني، مقاومة قادرة على أن تمنع هذا الانتصار، لا أريد أن أبالغ أكثر من هكذا، لا أريد أن أقول ماذا يمكن أن تفعل المقاومة ، وجود مقاومة تمنع هذا الانتصار، وأنا أقول لكم، من موقف الشيخ راغب، ومن جهد الحاج عماد مغنية، هذه وصية السيد عباس ناجزة، لديكم في لبنان مقاومة قوية ومقتدرة وذات عنفوان وحضور ومقدرات جديدة دفاعية وهجومية وهي قادرة إن شاء الله وبعونه ونصره أن تلحق الهزيمة بإسرائيل في أي حرب قادمة. عندما نحفظ هذه المقاومة، نمنع الحرب على لبنان. عندما نساند هذه المقاومة نمنع الحرب على لبنان. الإسرائيلي ماذا يقول؟ - أنا لا أريد أن أهوّل عليكم، ولكن حتى يصبح هناك مسؤولية وطنية - قال إنه تعلم من تجربة حرب لبنان الثانية عندما استهدف مناطق محددة في الحرب، في المرة القادمة سيستهدف كل المناطق وكل الدولة وكل البنية التحتية. إذاً في الحرب القادمة التي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبعد هذه الكأس المرة عن بلدنا وعن شعبنا، طبعاً يبعدها، أيضاً بإرادتنا وبفعلنا وبجهوزيتنا نستطيع أن نشكل هذا المانع وهذا الحاجز.
والإسرائيلي عندما يتحدث عن الحرب المقبلة بالسيناريوهات التي يمكن أن يفعلها حزب الله في البر وفي البحر وفي الجو وتل أبيب والكهرباء والمياه والموانئ و... تعرفون أنه يعمل ألف حساب قبل الذهاب إلى هذه الحرب.
هنا، هناك شيء أنا قلته لكم سابقاً، لكن أنقله عن الإسرائيلي، ثلاثة أسطر. أحد الخبراء الإسرائيليين يقول "ويخشى سكان حيفا..." - فقط لأستحضر مقدمة ، رئيس الأركان الحالي أزينكوت يتحدث دائماً عن عقيدة الضاحية التي طبّقها في غزة. ماذا تعني عقيدة الضاحية ؟ يقول "في أي حرب مقبلة نحن لازم نطلع ندمر" مثلاً لا نقصف حارة حريك وبعض النقاط في الضاحية، وإنما ندمر الضاحية". سمّوها "عقيدة الضاحية". أي يدمّر كل البنايات ويمسح الأرض على الناس. ضعوا عقيدة أزينكوت، عقيدة الضاحية في ذهنكم ولنرى ماذا يقول الإسرائيلي عن حيفا.
هذا مثل واحد، لأنه لا يوجد وقت لأتحدث في بقية العناوين.- "ويخشى سكان حيفا من هجوم قاتل - إذا حصلت حرب أو ما حصلت حرب ، هم على كل حال خائفون - ويخشى سكان حيفا من هجوم قاتل على حاويات - حاويات ضخمة جداً- من مادة الأمونيا - هذه موجودة في حيفا ولا تزال حتى الآن، نحن في حرب تموز تجنبنا أن نمد يدنا عليها- التي تحتوي على أكثر من 15 ألف طن من الغاز والتي ستؤدي إلى موت عشرات آلاف السكان.
الشعور هناك صعب جداً- هو ينتقد الحكومة الإسرائيلية أنهم يهملون 800 ألف شخص يعيشون ضمن مجال التعرض للإصابة وبدل نقل الحاويات يضيفون بنية تحتية إضافية خطيرة، هذا الأمر، يضيف هذا الخبير، هذا الأمر كالقنبلة النووية تماماً. يعني لبنان اليوم يمتلك قنبلة نووية. لا يوجد مبالغة في هذا الكلام. أبداً لا يوجد مبالغة. ليس لدينا قنبلة نووية، القنبلة النووية المقصودة بمعنى بضعة صواريخ من عندنا زائد حاويات الأمونيا في حيفا نتيجتهم، نتيجة قنبلة نووية. يقول لك إذا سقط بضعة صواريخ في هذه الحاويات في منطقة يسكنها 800 ألف نسمة يقتل منهم عشرات الآلاف.
إنت يا زنكوت حتى تستطيع أن تدمر الضاحية تحتاج إلى أقوى سلاح جو، وكم تحتاج إلى صواريخ وإمكانات وأيام، لكن نحن بعدد محدود من الصواريخ .. وهذا نموذج واحد موجود في حيفا، غير النماذج المتبقية.
كل المسؤولين الإسرائيليين يسلمون اليوم، بأن لدى المقاومة صواريخ تطال أي مكان في فلسطين المحتلة.
نحن يجب أن نحافظ على هذه القدرة ، ويجب أن نتمسك بها لأنها تمنع حرب لبنان الثالثة.
كما قلت لكم في ذكرى شهداء القنيطرة، نحن لا نسعى إلى الحرب ولا نريد الحرب وليست استراتيجيتنا في المقاومة هي هذا النوع من الحرب، ولكن يجب أن نكون جاهزين لها حتى نمنعها وإذا حصلت نكون قادرين على مواجهتها وإفشالها والانتصار فيها.
هذه وصية السيد عباس، هذا موقف الشيخ راغب، هذا جهد وعناء وتعب الحاج عماد. نحن اليوم في ذكرى شهادتهم، نعرف أن لإسرائيل نقاط ضعف كبيرة ونحن نعمل على نقاط الضعف. نحن جماعة نجلس وندرس ونفتش ونبحث ونتابع كل تطور وكل مستجد، وجديون في الدفاع عن بلدنا وعن منطقتنا ومواجهة المشروع الصهيوني وإن كنا مشغولين في سوريا وبغير سوريا.
اليوم في ذكرى شهدائنا القادة، نقول للشيخ راغب سوف يبقى الموقف سلاحاً، ونقول للسيد عباس بدمنا يا سيدنا وأستاذنا وقائدنا حفظنا الوصية وسنحفظ الوصية، ونقول للحاج عماد مغنية عشرات الآلاف من المقاتلين المجاهدين المدربين الذين جهّزت ودربت وأعددت هاهم بعدك يصنعون الانتصارات على مستوى المنطقة.
رحم الله شهداءنا القادة وكل شهدائنا وإلى أرواحهم ثواب الفاتحة والسلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.