كلمة لعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب نواف الموسوي خلال الاحتفال التكريمي الذي أقامه حزب الله لمناسبة مرور أسبوع على استشهاد الأخ المجاهد أحمد حسن حميّد في حسينية بلدة بيت ليف الجنوبية بحضور عضو كتلة التنمية والتحرير النائب عبد المجيد صالح وعدد من القيادات الحزبية ورجال دين وفعاليات وشخصيات وحشد من الأهالي، وقد جاء فيها:
إننا حين قاتلنا ونقاتل التكفيريين، فإننا كنّا بذلك السبّاقين إلى إدراك ضرورة مواجهة هذا الخطر من قبل أن تستيقظ الشعوب والإنسانية على وجوب مقاتلة التكفيريين والقضاء عليهم، ولكن وعلى الرغم من يقظة الشعوب والإنسانية بأسرها على أهمية مقاتلة الإرهاب التكفيري، إلاّ أن الحكومات الغربية حتى الآن ليست جدية في مقاتلة التكفيريين، بل لا زالت تستخدم المجموعات التكفيرية لتحقيق أغراضها السياسية، ولو أن الحكومات الغربية وبعض الأنظمة العربية أوقفت دعمها للمجموعات التكفيرية لكان تمّ القضاء عليها منذ أشهر إن لم يكن منذ سنوات، فمن يسمح للمجموعات التكفيرية بمواصلة القتال الآن هو الدعم الذي يقدّم بصورة رئيسية من النظام السعودي إلى التكفيريين في سوريا والعراق وفي كل مكان من العالم، والأدلّة على ذلك تأتي منهم ومن مصادرهم، فبالأمس نشرت صحيفة الواشنطن بوست، تقريراً تحدثت فيه: "كيف أن الإدارة الأميركية من قبل أن تتخذ قراراً بالتدخل المباشر في العراق كانت تستخدم الأموال السعودية لتمويل المجموعات التكفيرية في سوريا"، وذلك كما فعلت الإدارة الأميركية من قبل باستخدام الأموال السعودية لتمويل "الكونترا" التي هي عبارة عن مجموعات إرهابية كانت تقاتل النظام السنديني في نيكارغوا، وما اعتمد في نموذج نيكاراغوا عاد الأميركيون واعتمدوه من قبل أن يتّخذوا قرارهم بالتدخل المباشر والعلني في سوريا، فيما كانت القناة السعودية هي الأطر والقنوات لتمويل المجموعات التكفيرية ودعمها وتدريبها، وهذا موجود ويستطيع أياً كان قراءة هذا المقال ليرى التفاصيل بالأرقام حوله.
إن المشكلة اليوم هي أن من يرفع شعار مكافحة الإرهاب ليس جدّياً في مواجهة الإرهابيين ومكافحتهم، فهل يعقل أن تحالفاً من سبعين دولة لم يستطع توجيه ضربات ساحقة للمجموعات التكفيرية، في حين أننا نحن وحلفاؤنا وجّهنا في وقت أقلّ من هذا بكثير ضربات أدّت إلى تغييرات جوهرية في الميدان السوري والعراقي، وبالتالي فإنه لو كانت تلك الدول والأنظمة جدية في مواجهة التكفيريين، لكنا أنجزنا الكثير إن لم نكن قد تمكّنا من القضاء عليها، ولكن حتى هذه اللحظة لا زالت الإدارة الأميركية تستخدم المجموعات التكفيرية لتحقيق أغراضها، إن لم يكن في محاولة إسقاط النظام والدولة السورية -بعدما بات ذلك صعباً- لفرض شروطها على الحل السياسي، ودائماً تكون القناة والأداة هي النظام السعودي.
إن أصل البلاء في منطقتنا والعالم هو التدخل السعودي في شؤون الدول العربية والإسلامية والإفريقية، ففي كل مكان يتدخل فيه النظام السعودي عبر نشر المدارس الوهابية وبثّ الفكر الوهابي وشراء مفاصل النظام، نجد المجازر والجرائم ترتكب، ومنها ما يرتكب بصورة فاضحة كما في العدوان السعودي على اليمن الذي فاق الإجرام فيه الإجرام في أي حرب خيضت حتى الآن، فما يتسرب رغم قهر الإعلام العربي والغربي، يكشف عن فظاعة الجريمة التي يرتكبها النظام السعودي بحق الشعب اليمني الذي لا يزال رغم جراحه البليغة يقاوم المحاولات السعودية للسيطرة عليه.
إننا نسمع اليوم نغمة أساسها النظام السعودي ووسائل إعلامه اللبنانية والعربية والأجنبية تقول: "إنه يجب على إيران أن لا تتدخل في الشؤون العربية"، بل إن عنواناً لصحيفة من صحف النظام السعودي على صفحتها الأولى هو :"أن الحكومة السعودية تناقش مع وزير الخارجية الأميركي التدخل الإيراني"، وكأنّ الولايات المتحدة الأميركية باتت دولة عربية يناقش معها تدخل دولة أخرى، وهنا نسأل هل أن الشؤون العربية مسموح للولايات المتحدة الأميركية ولفرنسا ولبريطانيا ولألمانيا ولغيرها من الحكومات الغربية أن تتدخل فيها، إلاّ إيران ممنوع عليها أن تتدخل، بل إن النظام السعودي مدّ علاقاته مع الكيان الصهيوني، حيث بات هذا الكيان لا يتدخل في الشؤون الفلسطينية احتلالاً فحسب، بل يتدخل في الشؤون اليمنية قتلاً وتدميراً، فالداتا التي هي لائحة الأهداف التي قصفها الطيران بالإسم السعودي، والذي هو بالحقيقة طيران مرتزق اعتمدت على معطيات أميركية وإسرائيلية، كما أن جملة من الصواريخ التي قصف بها الشعب اليمني واستخدمها النظام السعودي كانت صواريخ وأسلحة إسرائيلية تُجرب للمرة الأولى في اليمن، ومنها صواريخ تخترق وصولاً إلى الأنفاق، ولذلك فإن النظام السعودي هو الذي فتح الباب أمام التدخلات الغربية والإسرائيلية في الشؤون العربية، وهنا نسأل من الذي أوكل إلى النظام السعودي مسؤولية ليكون الناطق باسم الدول العربية، وهو لطالما كان رأس حربة في طعن الموقف العربي، وهو الذي اخترع فكرة التناقض بين العروبة والإسلام سعياً منه إلى ضرب النهضة الناصرية، وهذا التناقض المفتعل الذي عملت سوريا قلب العروبة الناهض على نفيه حين قدمت نموذجاً مختلفاً في مواجهة العدوان الإسرائيلي، قام على المواءمة بين الذين ينتمون إلى الفكر الإسلامي والذين ينتمون إلى الفكر القومي العربي، بل ذهبت سوريا التي هي قلب العروبة النابض إلى تقديم نموذج كيف أن ثورة أخرجت إيران من دائرة الهيمنة الأميركية والتحالف مع العدو الصهيوني لتكون صديقاً للعرب وتقف إلى جانبهم في قضاياهم ولا سيما قضية الصراع مع العدو الصهيوني، وفي هذا الإطار فإننا نحن العرب وخصوصاً الذين هم في دول الطوق المجاورة للكيان الصهيوني لم نجد من يقف إلى جانبنا في مواجهة العدوان الصهيوني إلاّ جمهورية إيران الإسلامية، التي وقفت ولا زالت إلى جانب المقاومة الفلسطينية والمقاومة في لبنان، والتي تقف ولا زالت إلى جانب سوريا التي كانت وستبقى هي قلب العروبة النابض، فلا يمكن للنظام السعودي أن يمثّل الأمة أو المنظومة العربية، فضلاً عن أن النظام السعودي ليس مؤهلاً للحديث عن الأمة والعالم والمنظومة الإسلامية، لأن الفكر الوهابي الذي ينتمي إليه هذا النظام السعودي هو فكر بدعة معادٍ للمذاهب الإسلامية جميعاً وفي طليعتها مذاهب أهل السنة والجماعة قبل المذهب الشيعي أو الجعفري، وبالتالي فإن هذا النظام ليس مخولاً لأن ينطق باسم الأمة الإسلامية أو العالم والمنظومة الإسلامية.
إننا نرفض أي محاولة لاصطناع عدو جديد للعرب إسمه إيران، فعدو العرب الفعلي هو الكيان الصهيوني والهيمنة الأميركية، وإيران كانت وستبقى دولة صديقة وشقيقة، وأما الذي يشكل وهناً وضعفاً في الموقف العربي، فهو النظام السعودي الجائر الذي كان منذ تأسيسه إلى الآن الرمح الذي يضرب الاستعمار به صدور العرب والمسلمين، والآن يستخدم قدراته النفطية من أجل تخفيض سعر برميل النفط، والسبب والهدف من وراء ذلك هو توجيه ضربة إلى الاتحاد الروسي والدول التي تقف خارج الهيمنة الأميركية ، وأمّا على المستوى الدولي، فالنظام السعودي يشكل تهديداً لجميع الدول التي تقاوم الهيمنة الأميركية من خلال العمل على تخفيض سعر برميل النفط الذي من الممكن أن يصل إلى ال20 دولار، وسيجعل كثيراً من الدول على حافة الانهيار إن لم يكن في هاوية الانهيار، والعراق في طليعة تلك الدول.
إن أساس البلاء هو النظام السعودي، وقد قلناها ونقولها مجدداً، نحن في لبنان نرفض أن نكون ملحقين للنظام السعودي العدواني المغامر والطائش والمتهور، ونحن نعتبر أن الجهد الذي بذله وزير الخارجية اللبناني هو جهد مشكور، لأنه حاول الحفاظ على الحد الأدنى من الوفاق اللبناني، لأن البعض في لبنان ممن يتحالف مع النظام السعودي كان يريد موقفاً على مستوى السياسة الخارجية يؤدي إلى تصديع الوفاق بين اللبنانيين.
إن النظام السعودي بسياسته هو من يهدد الوحدة الوطنية اللبنانية، كما أن من يعطل المؤسسات الدستورية اليوم في لبنان هو السياسة السعودية القائمة على تأليب اللبنانيين على بعضهم البعض، ومن هنا نعود ونشدد على أهمية الوفاق بين اللبنانيين، ولطالما سعينا ولا زلنا نسعى لا إلى اتخاذ مواقف أحادية تؤدي إلى تعميق الاستقطابات، بل نسعى ما أمكن إلى تجسير الفجوات بين المواقف السياسية وصولاً إلى موقف لبناني يكون شاملاً وإجماعياً يخرج اللبنانيين من الأزمات التي تحيط بهم، فلولا المواقف الرشيدة والحكيمة التي يتسم بها فريقنا السياسي لكان النظام السعودي قد أدخل البلاد في حالة من الفوضى والاقتتال كما يجري في سوريا وغيرها من البلدان.
إننا لا زلنا صمّام الوحدة الوطنية والوفاق الوطني، وسنبقى نعمل على هذا الأساس، ولذلك اليوم حين يطرح مسألة المحكمة العسكرية من زاوية إصلاح القضاء كما يقولون، نتوقف لنسأل ما هي المناسبة للاستيقاظ على موضوع المحكمة العسكرية، فما يبعثهم إلى ذلك هو سياستهم المزاجية، فإذا كان هناك مؤسسة في لبنان تصرفت على نحو قانوني لكن خارج رغبات الفريق السعودي في لبنان، يقيم الدنيا ولا يقعدها، ويهدد بضرب هذه المؤسسة والقضاء عليها، فمن قبل حاولوا ضرب مؤسسة الجيش اللبناني، ونحن وفريقنا عملنا على حماية الجيش اللبناني وتحصينه، واللبنانيون جميعاً يتذكرون كيف كانت الأبواق تنطلق للنيل من الجيش اللبناني، ولكن نحن وفريقنا السياسي دافعنا عن الجيش اللبناني، فهم كانوا يريدون ضرب المؤسسة العسكرية لأنها لم تكن على مقياس مزاجهم، ومن ثم حاولوا السيطرة على المؤسسة العكسرية عبر ما قيل إنه الهبة السعودية، ثم رأينا أن هذه الهبة أصبحت في خبر كان وكأنها غير موجودة.
إذا كان هناك اليوم من حاجة لإصلاح في القضاء فهي الحاجة إلى إصلاح القضاء برمته، ونبدأ من فوق أي من القضاء العدلي إلى القضاء المدني والجزائي إلى آخره من قبل المحكمة العسكرية، فكم كان وما زال يشقّ على نفوسنا أن نرى عملاء للعدو الصهيوني أعطوه معلومات أدّت إلى قتل مدنيين لبنانيين، ويقضون بضع سنوات ثم يخرجون وكأنهم بريئون من ذنوبهم وعمالتهم، ولذلك فإن كان هناك حاجة لإصلاح القضاء فإنها تبدأ من خلال التشديد بالعقوبات على المتورطين في العمالة للعدو الصهيوني، ومن خلال تنفيذ أحكام الإعدام بعملاء إسرائيل الذين صدرت الأحكام بحقهم ولم تنفّذ حتى الآن، كما يجب أن تنفذ أحكام الإعدام بحق الإرهابيين الذين قتلوا وفجروا أبناءنا وأهلنا ونساءنا ولا زالوا يقيمون إماراتهم في السجون، وبالمقابل فإننا نحن الذين صبرنا وسكتنا ولم نثر الدنيا ولم نقمها على تصرفاتكم بالإفراج عن عملاء لإسرائيل، فيما كان يجب أن نرفع هذا الصوت من قبل، ولكن قلنا لا بأس ولا نريد أن نؤدي إلى توتر وفتنة بالبلد، ولكن "بات القتيل يرضى ولا يرضى القاتل"، فكان يجب أن نرى همّتكم في إصلاح القضاء بقضية الموقوفين الذين فجروا أهاليكم وأبناءكم، لأن الذين استشهدوا لم يكونوا من طائفة واحدة بل من كل الطوائف، ولذلك فإنه حين يطرح موضوع إصلاح القضاء العسكري اليوم نقول في وجه ذلك إننا نريد إصلاح القضاء بصورة عامة وبدءاً من القضاء المختص بمحاكمة عملاء العدو الصهيوني.