كلمة لعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب نواف الموسوي خلال الاحتفال التكريمي الذي أقامه حزب الله لمناسبة مرور أسبوع على استشهاد الأخ المجاهد محمد علي مرتضى (السيد أمير) في حسينية بلدة دير قانون رأس العين الجنوبية، بحضور عدد من العلماء والفعاليات والشخصيات، وحشد من الأهالي، وقد جاء في كلمته:
لقد سمعنا بالأمس عن تشكيل تحالف أطلق عليه تسمية تحالف إسلامي لمقاتلة الإرهاب، ولا يمكن لمن يسمع هذا الخبر إلا أن يطرح جملة نقاط.
هل إن النظام الذي أعلن عن تشكيل هذا التحالف مؤهل فكرياً لمواجهة الإرهاب التكفيري، فالجواب، أن الإرهاب التكفيري له هوية فكرية هي نفسها الهوية الفكرية للنظام الذي أعلن عن تشكيل التحالف، فكلاهما ينتميان إلى ثقافة التكفير والقتل والتدمير والذبح وقطع الرؤوس والسبي، وكيف لمن ينشر الفكر التكفيري وقد صرف عليه عشرات المليارات من الدولارات، أن يواجه التكفيريين الذين نشأوا في مدارسه ومساجده ومجمعاته، فكل متتبع للتكفيريين في أنحاء العالم يجد أنه عندما يستأصل تاريخهم ومن أين بدأ تجنيدهم فإن الخيط ينتهي في جميعهم إلى ذاك النظام الذي أعلن عن التحالف، حيث يتبين أنهم إما ذاهبين إلى هناك، أو قد تعرفوا على الإسلام في مسجد إمامه من تلك البلاد ومن ذاك الفكر، وإما عن طريق الواسطة وواسطة الواسطة لينتهي الأمر إلى ذاك النظام الذي أعلن عن تحالف لمقاتلة الإرهاب.
هناك تجربة خاضها هذا النظام الذي شنّ عدواناً على اليمن، وكانت النتيجة أن المناطق التي أخرج منها الجيش وقوات الشعب في اليمن، لم تسيطر عليها قوات تحالف ما يسمى عاصفة الحزم، بل سيطر عليها داعش والنصرة والقاعدة، فمن هنا نجد أن عدن والمكلّى ومعظم محافظات الجنوب اليمني هي ليست تحت سيطرة قوات التحالف الذي قاده النظام السعودي على الاطلاق، لذلك فإن تجربة النظام السعودي في اليمن دالّة على أن تدخله العسكري أدى إلى سيطرة المجموعات التكفيرية على المناطق التي قال إنها تحررت من سلطات الجيش اليمني وسيطرته.
لقد دلت التجربة في سوريا أن المنظمات الإرهابية والمصنّفة وفقاً لمعايير مختلفة تموّل جميعها من دول قيل إنها انضمت إلى هذا التحالف المزعوم إسلامياً لمقاتلة الإرهاب، وبالتالي فإن من يزوّد الإرهابيين التكفيريين بالسلاح والمال في سوريا هو من يدعي أنه أقام تحالفاً لمقاتلة الإرهاب، بالمقابل فإنه يكفي إذا كانت هناك نيّة للقضاء على الإرهاب التكفيري أن تتوقف هذه الدول وعلى رأسها النظام الذي أعلن التحالف عن دعم التكفيريين، في حين أنهم يباهون في إعلامهم أنهم قاموا كمثال فقط بتسليم صواريخ من نوع تاو للمجموعات التكفيرية الناشطة في سوريا، مع الإشارة هنا إلى أنه في عام 2013 ولأمر لم يفهمه آنذاك غير صاحب الخبرة، كان هذا النظام اشترى 15000 صاروخ تاو، وقد سلمت هذه الصواريخ للمجموعات التكفيرية التي تعمل تقتيلاً وتخريباً وتدميراً في هذا البلد الشقيق وتطيل أمد الأزمة فيه.
إن من أطلق عبارة مقاتلة الإرهاب لم يقدم تعريفاً للإرهاب، وهو يقوم بتمويل منظمات معروفة بإرهابها في سوريا، بينما يطلق على منظمات المقاومة وحركات التحرر الوطني إسم منظمات إرهابيـة، ومن هنا ينبغي التوقف عند أمر هذا التحالف أي أنه تحالف لمقاتلة الإرهاب أم لتحضير الأرضية لحروب أهلية في إطار الدول الإسلامية، وهل هذا هو الهدف الحقيقي من وراء ادعاء مقاتلة الإرهاب، وبالإضافة إلى كل ذلك فإن ما يسجل أيضاً هو المهزلة في طريقة تشكيل هذا التحالف، وكأنه مجموعة على برامج "الواتساب أو الفايسبوك" تضاف الدول فيها، حتى أن عدداً من هذه الدول ضم إسمها ووضع علمها من دون أن يكون لديها خبر في أنه جرى ضمها لهذا التحالف، كما أن هناك دول أخرى أدرج إسمها مجرد إجراء مكالمة هاتفية معها، ومن هنا نلفت إلى أنه من أسباب تفسير المهزلة في تشكيل التحالف أن هذه المسارعة للإعلان عنه إنما هي محاولة للتغطية على هزيمة التحالف العدواني في اليمن، فحاولوا أن ينشئوا موضوعاً آخر لتغطية الكلام عن موضوع هزيمتهم في اليمن، كما أن هناك سبب آخر يتمثل في أن الإدارة الأميركية تدفع الأنظمة الحليفة لها إلى تشكيل قوات من طائفة معينة بحجة مقاتلة الإرهاب بجنس طائفته، وما آخر كلام للرئيس الأميركي في البنتاغون عندما انتقد الدول التي سماها بين مزدوجين "الإسلامية" فيما تفعله لمواجهة الإرهاب إلا دليل على ما نقول، وعليه فإن هذه الأنظمة ستسارع فوراً لتلبية طلب سيدهم الأميركي، لإثبات أنهم يقومون بالتحالف في حين أن ما يفعلونه هو المهزلة.
أمام ذلك وللأسف نريد أن نسجل أنه في الوقت الذي تجري فيه هذه المهزلة، فإن النظام الذي دعا للتحالف قد قام باغتيال سيادة اللبنانيين وقرارهم، في الوقت الذي لا تجتمع فيه الحكومة في لبنان، فيقف هذا الأمير ويعلن ضم لبنان إلى هذا التحالف "الإسلامي" علماً أن اللبنانيين متفقون فيما بينهم على أن لبنانهم يحمل هويتهم جميعاً لا هوية طائفة دون أخرى، ففي زمن مضى وعندما كان يقال "دولة إسلامية" في لبنان، كانت جميع وسائل الإعلام تقول هذه "جمهورية إسلامية"، أما اليوم وبكلمة واحدة فإن هذا الأمير أعلنكم جمهورية إسلامية أيها اللبنانيون، وعليه فنحن نريد أن نعرف ما هو رأي حلفائه في لبنان وما هو تعليقهم، ومن الذي أخذ القرار بالانضمام إلى هذا التحالف، فأنا أميل للاعتقاد ان لا أحد في لبنان أخذ القرار بالانضمام له، وعندي ثقة أن القيادات السياسية الرسمية لديها قدر من الوعي أن لا ترتكب خطأ دستورياً وجوهرياً واستراتيجياً على المستوى السياسي أو العسكري من هذا النوع، لكن ما حصل هو أن النظام السعودي بات يتصرف على أن لبنان مزرعة من مزارعه وباستطاعته أن يقرر عن اللبنانيين ماذا يفعلون وماذا لا يفعلون، وهنا يجب أن يكون الكلام واضحاً بأن استقلال لبنان وتحريره هو أمر عزيز علينا، ومن أجله قدمنا ولا زلنا نقدم فلذات أكبادنا وشبابنا ليكون حراً، لا أن يكون تابعاً للنظام السعودي أو الاحتلال الإسرائيلي من قبل، ولذلك فمن غير المقبول على الاطلاق أن يقف أمير في أي مكان في العالم ويتخذ عن اللبنانيين قراراً بضمهم أو فصلهم أو ما إلى ذلك، فهم ليسوا ممن يستهان بهم أو يتم استضعافهم، لأن لديهم من القوة والكرامة والاعتداد بالإنتماء الوطني ما يجعلهم جميعاً في وقفة واحدة ضد هذا الاستسهال والاستغفال السعوديين.
لقد سمعنا السفير السعودي "يستغرب موقفنا مما حصل، ويدعي أن نظامه لم يمسّ سيادة الدولة اللبنانية"، فالرد عليه أنه أولاً بات واجباً على هذا السفير أن يكف عن مخاطبة أي جهة لبنانية، وأن يلتزم بالبروتوكول المعمول به، فهو لا يستطيع أن يخاطب اللبنانيين، فضلاً عن أي جهة لبنانية، ولا أن يتهمنا بشيء، فإذا كان لديه مشكلة فليقدمها لوزير الخارجية، وليس من شأنه أن يستخدم هذه المنصة، لأن اللبنانيين أدرى بشؤونهم، فهذا السلوك المتكرر من هذا السفير غير مقبول لأنه يخرج عن الأصول الدبلوماسية المعمول بها، أما سيادة الدولة فنحن من حفظناها يوم أطلقتم علينا إسم مغامرين، ونحن الذين كسرنا أنف العدوان الإسرائيلي وجعلنا بلدنا آمنا، فقبل أن تنشغلوا بنا انشغلوا بتحرير أرضكم، في الجزيرتين الاستراتيجيتين اللتين يسيطر عليهما الاحتلال الصهيوني منذ عام 1967.
أما في مقام النقاش حول ما أعلن عن انضمام لبنان للتحالف الإسلامي، فهناك آلية معروفة دستورياً لاتخاذ القرار تبدأ بالمادة 52 التي تقول إن رئيس الجمهورية هو الذي يتولى المفاوضة، أما التوقيع فيجب أن يذهب إلى الحكومة ويأخذ أكثرية الثلثين، ليحول بعدها إلى مجلس النواب ويقره، يعني تحتاج إلى ثلاثة محطات هي: رئيس جمهورية ومجلس وزراء ومجلس نواب، وعليه فإن هذا الموضوع منتهٍ، والإعلان عن انضمام لبنان إلى ذاك الحلف، هو إعلان لا محل له لا من التاريخ ولا من الجغرافيا ولا من الإعراب، بل كأنه لم يكن أبداً، ولذلك فإننا لن نناقش بهذه المهزلة، وإذا أراد أحد أن يقترح هذا التحالف بوقت من الأوقات في مجلس الوزراء أو في أي وقت آخر، فسنسأله عن الهبة السعودية، أي ماذا حصل بها، وأين هي، وماذا وصل منها للجيش اللبناني، وهل هي عبارة عن 47 صاروخ ميلان متخلفة ليس لها أي فعالية، فأين أصبحت هذه الهبة والتي بحسب ما تسرب عن مرجعيات عسكرية أنها تبخرت، ولقد سألنا في مجلس النواب عن هذا الموضوع بالجلسة التشريعية وقالوا لنا إنها ما تزال قائمة، وعندما يفتح هذا الموضوع أيضا سنذكر بالهبة الإيرانية المستعدة لتزويد الجيش اللبناني بما يريده.
إننا نريد لهذا البلد الذي نقدم الشهداء من أجل كرامته وحريته وسيادته أن يكون بلداً للجميع، ونحن سعداء بأن نعيش في مجتمع متنوع فيه من جميع الطوائف، وحرصاء أيضاً على تقديم نموذج في العيش الواحد بين أتباع الديانات المختلفة، ولأننا كذلك فنحن حريصون على بقاء التعددية في لبنان والتوازن الحقيقي الذي يقوم على المناصفة والنسبية كما نص الدستور فيه، وهذا ما يقتضي قانون انتخاب عادل يؤمن صحة التمثيل ودقته، من دون أن يغيب أو يستضعف أي مكون طائفي، وأن ينبثق من ذلك الحكومة القادرة على خدمة مصالح اللبنانيين وتلبية تطلعاتهم.