كلمة لعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب نواف الموسوي خلال احتفال تأبيني في حسينية بلدة شحور الجنوبية وقد جاء فيها:
لا زلنا نتابع مسيرة مواجهة العدويّن اللذين هما في الحقيقة عدو واحد، فالأول هو العدو الصهيوني الذي أسسنا في قبالته منظومة دفاع تحمي بلدنا من غائلة اجتياح عسكريٍّ مدمّر، والعدو الآخر الذي نواجهه هو العدو التكفيري الذي ليس بالحقيقة إلا الأداة الطيّعة للغزوة الأميركية الغربية وبعض الدول العربية التي تهدف للقضاء على أمتنا وجعلها مستسلمة أمام الإرادة الأميركية والغربية، وهذه الأداة كما في كل مرّة تنقلب على من يستخدمها، ولذلك رأينا جرائمها تنتشر من برج البراجنة إلى باريس مروراً بسيناء واللائحة لا تتوقف، ولذلك بات مطلوباً أن يظهر موقف إنساني جامع يتّفق على ضرورة استئصال الإرهاب التكفيري من جذوره الفكرية والقضاء على بنيته التنظيمية وتجريده من إمكاناته القتالية، ولكن حتى الآن لا زالت حكومات غربية وفي مقابل تحدثها عن نيّتها الجدّية في القضاء على الإرهاب التكفيري تقول إنه من أجل القضاء على هذا الخطر التكفيري لا بد من تسوية سياسية تحرم الإرهاب التكفيري من بيئته الحاضنة، ونحن في مواجهة هذه المقولة نقول، إنها مرّة أخرى تبرير للنقوص عن مواجهة الإرهابيين، لأن القول إن القضاء على الإرهاب التكفيري لا يكون إلا بعد تسوية سياسية هو استمرار في نهج دعم الإرهاب وإتاحة المجال له لينتشر ويتمادى، فالإرهاب التكفيري ليس ناشئاً عن حركة اعتراض سياسية، بل هو وليد ثلاثة عوامل وهي: العامل الأول هو نشر الفكر التكفيري الذي تمّ على أيدي أنظمة دفعت عشرات المليارات من الدولارات لبثّه في أنحاء العالم من آسيا إلى أفريقيا وأوروبا نفسها التي قامت بفتح أبوابها أمام الدعاة التكفيريين بهدف إزاحة الشباب المسلم عن ثورة الإمام الخميني، فوقعت في شرّ انتماء هؤلاء الشباب إلى الفكر التكفيري الذي حوّلهم إلى قنابل جاهزة لا تحتاج سوى إلى فتيل تفجير، والعامل الثاني هو الدعم اللوجستي والتسليحي والمالي الذي قُدّم للمجموعات التكفيرية التي جاءت من أقاصي الأرض إلى البلاد السورية، وهؤلاء كلّهم مرّوا بعواصم العالم، فالذين ارتكبوا المجزرة في باريس معروفون من أجهزة الأمن الفرنسية، وكان مسموحاً لهم مغادرة باريس إلى سوريا وممنوعاً عليهم المغادرة إلى غيرها، وقد عاد هؤلاء وانقلبوا وارتكبوا المجزرة في ساحات العاصمة الفرنسية، والعامل الثالث هو التوظيف السياسي للأعمال الإجرامية للمجموعات التكفيرية، فقد استخدمت الحكومات الغربية وبعض الأنظمة العربية هذه المجموعات التكفيرية لإحداث تغيير سياسي في سوريا يقوم على إسقاط الدولة وتغيير ولائها وإزاحتها عن موقعها في مواجهة العدو الصهيوني، ولذلك فإن من يحدّثنا عن تسوية سياسية لحرمان التكفير من بيئة حاضنة، عليه أن يتوقف عن هذه العوامل الثلاث، أي أوقفوا بث الفكر التكفيري، وثانياً توقفوا عن تقديم الدعم للتكفيريين، وثالثاً توقفوا عن التوظيف السياسي للأعمال التكفيرية، فإذا انتهى هذا الدعم الذي يقدم للتكفيريين، فإنه بالإمكان حينئذ هزيمة المجموعات التكفيرية في سوريا ولو احتاج الأمر إلى وقت، وقد بيّنت التجربة أن المزج بين القوة الجوية الروسية وقتال الجيش السوري وحلفائه، أدى إلى نتائج ميدانية مهمة، وعليه فإنه إذا توقف دعم التكفيريين من الخارج لا سيما من دول مجاورة لسوريا، فإنه بالإمكان القضاء على المجموعات الإرهابية التكفيرية، وبعد ذلك تأتي التسوية السياسية.
إننا مقتنعون أنه ما من مجال إلا لحلّ سياسي في سوريا لكن أن يأتي بعد القضاء على الإرهاب، وحينها بإمكان القوى السياسية السورية أن تحلّ أي أزمة كانت، سواء أزمة الحكم أو المشاركة في السلطة أو الديمقراطية أو حرية الرأي، وذلك من خلال الاحتكام العادل إلى الشعب السوري عبر انتخابات أو عبر التصويت على دستور جديد إذا كان هناك من حاجة إلى ذلك، ولكن تقديم التسوية السياسية على القضاء على الإرهاب التكفيري لن يؤدي سوى إلى زيادة الإرهاب التكفيري، وكذلك فإن التزامن بين التسوية السياسية والقضاء على الإرهاب التكفيري سيشتت الجهد ويتيح للمجموعات التكفيرية أن تتسلل بين الفروقات التي تباين مواقف الأطراف عن بعضها البعض، ولذلك فإن الحل الأنسب أن نقضي معاً على التكفيريين ثم ننتقل إلى الحل السياسي الذي يختاره الشعب السوري بإرادته الحرة بعيداً عن الضغوط الإرهابية التي تمارس عليه.
إننا في لبنان كانت قناعتنا على الدوام أن السبيل للخروج من أزماتنا يكون عبر الحوار الوطني وها هو ينعقد بصورة عامة برعاية دولة رئيس المجلس النيابي الأستاذ نبيه بري، كما أن ثمة حوارات تدور ثنائياً بين القوى السياسية، ونحن نعتقد أن أي حوار يجري يسهم في التقدم إلى الأمام نحو حلّ الأزمة اللبنانية المتمثلة حالياً بتعطيل المؤسسات الدستورية، أكانت الخلو في سدة رئاسة الجمهورية، أو تعطيل العمل الحكومي، أو المجلس النيابي، وفي هذا الإطار نجد أن الحوار من شأنه أن يقصّر الطريق من أجل التوصّل إلى حلّ، ولذلك فإننا كنا ولا نزال ندعم الحوارات أكانت جامعة عامّة أو ثنائية، ونحثّ الجميع على التوصل إلى تسوية سياسية دستورية شاملة، تشعر الأطراف جميعاً من خلالها أنها شريكة كاملة في تقرير المصير الوطني وفي صناعة القرار الوطني.
إننا نتوقف بإجلال وإكبار أمام تضحيات الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، فهو اليوم يخرج بفتيانه وفتياته من عمر 11 و13 سنة الذين يحملون ما تيسر لهم من أداة للمقاومة كالمقص أو السكين، ويضحي الواحد منهم بالنفس حتى يصل إلى جرح جندي إسرائيلي، والقيمة هنا ليست بالناتج أن الإسرائيلي يُقتل أم لا، ولكن هناك شعب يقول للعالم إنه قرر أن يعيش بكرامة وأنه يرفض الذل، فإذا استشهدت فتاة خرج شاب ليثأر لها، وكذلك فإن هذا الشعب يقوم بسابقة وهي أن والد الشهيد يخطب لابنه من والد الشهيدة ابنته ليزوجهم بحالة الشهادة، فما هو الدليل أكثر عن كرامة هذا الشعب وعزته، وهل لا زال أحد في العالم يحتاج إلى دليل على إرادة الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، ولكن للأسف فإن الهجمة الإسرائيلية وبعض العربية والغربية تجعل هذا الشعب الفلسطيني تقريباً يقاوم وحده، ولذلك فإن مسؤوليتنا التي ما توانينا عن حملها بوقت من الأوقات تقضي بأن نقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، ولقد سبق أن استشهد واعتقل منا في درب دعم المقاومة الفلسطينية وتعزيز مقاومة هذا الشعب، ومنهم الشهيد غالب عوالي وعلي صالح وفوزي أيوب والأسير محمد شهاب وثلاثة أسرى في الأردن والأسماء كثيرة، ونحن اليوم لن نتخلى كما لم نتخلّ في أي وقت عن نصرة الشعب الفلسطيني، ولكننا في الوقت نفسه ندعو الأمة وعلماءها أياً كانت اختلافاتها إلى إعلان هدنة في تقاتلها فيما بينها على أن نوجه جهدنا جميعاً ومعاً من أجل نصرة الشعب الفلسطيني، ولنعلن عن وقف إطلاق نار أو التقاء أو اجتماعات وما إلى ذلك، ولنركز الجهد على هذا الشعب، لأنه يحزّ بأنفسنا أن نرى فتياتنا مذبوحات بالشكل الذي نراه به، فنحن لا نستطيع النظر إلى صورة "هديل" ولا "أشرقت" وهن مذبوحات في الشارع، وبالمقابل فإن ما يجري يؤكد لنا صوابية النهج الذي انتهجناه منذ عام 1982، لأنه لولا حملنا البندقية في مواجهتنا للاحتلال لكانت فتياتنا الآن تذبح.