كلمة لعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب السيد نواف الموسوي خلال الاحتفال التكريمي الذي أقامه حزب الله للشهيد المجاهد جميل محمد مليجي في ملعب مركز الإمام الخميني (قده) في محلّة المساكن في مدينة صور، بحضور عدد من العلماء والفعاليات والشخصيات، وحشد من الأهالي، وقد جاء في كلمته:
إننا كنا وسنبقى على قدر التحدي بأن نقدم للإنسانية جمعاء نموذجاً مختلفاً عن نموذج الجريمة الوحشية البربرية التي يرتكبها التكفيريون، فبالأمس كان لدينا في الضاحية الجنوبية 41 شهيداً وشهيدة، قتلوا بصورة متعمّدة، واستهدفوا بذاتهم، ولم يقتلوا بشكل جانبي أثناء عملية عسكرية قتالية مشروعة، بل قتلوا لأنهم مستهدفون بالقتل، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على وحشية المخططين والممولين والمنفذين، فهل البطولة في أن تهاجم عزّلاً من السلاح وتفتك بهم، بل إن البطولة هي ما نفعله نحن وما فعلناه من قبل، والبطولة كانت عندما كان يذهب إخواننا المجاهدون إلى الموقع الصهيوني في أعلى تلة، وهم مكشوفون تحت الرصاص وتحت القصف، ثم يهاجمون الموقع المحصّن، ويدمرونه ويسيطرون عليه، فهذه هي البطولة، كما أن البطولة الآن هي أن نذهب إلى التكفيريين في عقر دارهم، وأن نقاتلهم هم، ولا نقتل نساءهم وأطفالهم، وإن المطلع على الوقائع يعرف كيف حمينا أطفال التكفيريين ونساءهم، لأن هذا ما علّمنا إياه الإمام علي (ع)، وأكثر من ذلك، فقد ذهل مسؤولو الأمم المتحدة حين عرفوا كيف تعاملنا مع جرحى من التكفيريين، وقالوا لم نر لهذا السلوك مثيلاً من قبل في العالم، فنحن نتصرف بمكارم الأخلاق التي بُعث لأجلها محمد (ص)، ونعمل بمكارم الأخلاق التي استشهد لأجلها الأئمة، وغاب لأجلها الإمام الثاني عشر (عج) من أئمة أهل البيت (ع).
إن اليد التي استهدفت أهلنا في برج البراجنة هي اليد التي فجرت الطائرة الروسية، ففي الضاحية كانت الحصيلة 41 شهيداً، وعلى متن الطائرة الروسية هناك أكثر من 200 شهيداً باليد التكفيرية نفسها، وبالأمس قامت هذه اليد التكفيرية المجرمة بقتل اكثر من 130 فرنسياً وجرح المئات بينهم 80 بحالة الخطر الشديد، وبعد هذه الجرائم التي ارتكبتها المجموعات التكفيرية، فإنه يجب على العالم أن يخرج بخلاصة موحدة، وهي ضرورة العمل الجماعي من أجل القضاء على المجموعات التكفيرية واستئصالها من جذورها، بعدما تبيّن من خلال العمليات الإرهابية الإجرامية التي قام بها التكفيريون، أن السياسة الغربية لا سيما السياسة الأميركية التي اعتمدت منذ أكثر من سنة للقضاء على داعش، أنها لم تؤدِ إلى القضاء عليها، بل أدّت إلى زيادة قوتها وجرائمها، ويعود السبب في ذلك، إلى أن الحكومات الغربية بما فيها حكومة الولايات المتحدة الأميركية لم تأخذ على عاتقها أن تواجه بجدية وفاعلية منظمة داعش أو المنظمات التكفيرية، بل تعاملت تلك الحكومات مع المجموعات التكفيرية كأداة تستخدم على نحو مباشر أو غير مباشر لإضعاف الدولة في العراق وفرض شروط أميركية عليها، وإسقاط الدولة في سوريا وتغييب صيغة النظام فيها.
أما آن الأوان أن تتغيّر السياسات الغربية حيال المجموعات التكفيرية، وأن يبدأ هذا التغيير من تغيير سياستها تجاه سوريا، ولكن ومع الأسف فإن ما سمعناه بعد قمّة "أنطاليا" التي ضمّت معظم قادة القوى الكبرى في العالم، لم نلمس فيه أن هناك توجهاً حقيقياً لمقاتلة التكفيريين والقضاء عليهم، بل لا زال بعض قادة تلك القوى الكبرى يضيّع الاهتمام بين ادعاء مواجهة التكفيريين، وبين العمل الحثيث لإسقاط النظام في سوريا، ومن هنا فإننا نقولها بوضوح إن اشتراط إسقاط النظام في سوريا للقضاء على المجموعات التكفيرية، يعني أن هذه المجموعات ستستمر على قيد البقاء، بل إنها ستنمو وتتعزز وتصبح أكثر وحشية وفتكاً، لذلك فإن المطلوب هو وجوب أن يجري انفكاك بين السياسة الغربية الهادفة إلى إسقاط النظام في سوريا، وبين الإستراتيجية الهادفة للقضاء على داعش والمجموعات التكفيرية، فإذا أبقينا الأمرين متعلقين ببعضهما البعض، فلن تحصل السياسات الغربية على أي منهما، لأن الذي سمح لداعش أن تصل إلى فرنسا، وسيناء ولندن والغرب، هو السياسة الغربية التي لا زالت معتمدة، والتي لا تزال تجعل من إسقاط النظام في سوريا أولوية تتقدم أو تتوازى مع القضاء على داعش، فهذا المسار السياسي لا يفيد، بل يجب أن يتفق الجميع على التخلّص من المجموعات التكفيرية، وهنا عندما نتحدث عن هذه المجموعات، فمن الخطأ التمييز بين داعش وغيرها من التكفيريين، لأن كلاهما من منهل واحد ينهلون، وكلاهما لهما أجندة سياسية تشترك في كثير من النقاط، لذلك يجب أن يكون هناك توافق دولي جامع على اجتثاث المجموعات التكفيرية، ثم يتابع الصراع السياسي حول الموضوعات الأخرى سواء النظام أو كيف يشكل نظام جديد أو ما إلى ذلك، وإلاّ فإن المدنية والإنسانية ستبقى عرضة لهذا السيف الوحشي الذي ينال من رقابها في أماكن أمنها.
لا بد من الإشارة هنا إلى أن قتالنا للمجموعات التكفيرية في سوريا قد قلّص عدد ضحايا العمليات الإرهابية التكفيرية، ولولا شهداؤنا الذين قاتلوا المجموعات التكفيرية في سوريا، لكان عدد شهداء العمليات الإرهابية في لبنان يمكن أن يصل إلى أكثر من 1000 في العملية الإرهابية الواحدة، وهنا ألفت إلى أن واحدة من الوسائل الإعلامية قالت إن وجود بعض الحرس الخاص للمؤسسات التجارية في باريس أدى إلى خفض عدد الإصابات من 1000 إلى حوالي 200، لذلك فإننا عندما نقول لولا يقظة المقاومين، وقتالهم لهؤلاء التكفيريين، كنّا الآن أمام مجازر مهولة، لأن هؤلاء لا يتوانون عن قتل ما يستطيعون من بشر، لذلك نعم، نحن اليوم مقتنعون أكثر من أي وقت آخر، أن قتالنا للتكفيريين هو ضرورة للحفاظ على الأمن والسلامة والاستقرار، وإذا كنّا قبل العمليات التفجيرية نقاتل هنا وهناك، فإننا بعد العمليات التفجيرية سنزيد من مساحات المواجهة، وندعو اللبنانيين جميعاً إلى اليقظة والتنبّه، لأن استهداف اللبنانيين ليس منحصراً بمذهب أو طائفة أو حزب، ففي فرنسا لا يوجد حزب الله، وكذلك على متن الطائرة الروسية فلا يوجد حزب الله، لكن هناك استهداف للإنسان بحد ذاته، من هنا إذ نثني على عمل الأجهزة الأمنية، فإننا نؤكد على ضرورة تكثيف عملها الاستباقي من خلال المداهمة والاعتقالات واتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع تكرار ما حصل في برج البراجنة.
أما في ما يتعلق بشأننا السياسي الداخلي، فينبغي أن نقول، إننا بالأمس وعلى لسان سماحة الأمين العام لحزب الله قمنا بإعطاء دفع معنوي وسياسي كبير للحوار الوطني في لبنان، وإن المبادرة التي أعلن عنها سماحة الأمين العام، هي نقطة فاصلة في المسار السياسي اللبناني، وما قبل هذه المبادرة لن يكون كما بعدها، ففي هذه المبادرة فرصة للقوى السياسية للشروع في بحث جدي للتوصل إلى تفاهمات تخرج الأزمة اللبنانية من قيودها الإقليمية، فلا يعود لبنان مرتبطاً بالحل في سوريا أو العراق أو اليمن، بل يمكن أن نصل إلى حلول في لبنان بمعزل عمّا يجري في تلك البلدان، وحين عرض سماحته هذه المبادرة، فإنه أشار إلى أن موضوعاتها هي موضوعات شاملة لكل المواضيع، وقد سمعت من قال إن البحث ينبغي أن يبدأ برئاسة الجمهورية، وبملء الشغور الذي حصل بفعل خلو سدة الرئاسة، فمن الطبيعي للعملية السياسية أن تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية، لكن على أن تكون عملية الانتخاب جزءاً من تفاهم كامل وشامل يطال الموضوعات جميعاً، فإذا كانت رئاسة الجمهورية مهمة، وهي كذلك، فإن الحكومة التي ينبغي أن تتشكل بعد انتخاب رئيس للجمهورية لا تقل أهمية عن انتخاب الرئيس إن لم تفقه أهمية، لأن السلطة التنفيذية باتت بفعل اتفاق الطائف منوطة بمجلس الوزراء مجتمعاً، وبالتالي إذا كان الانتخاب مهمّاً، فإن تشكيل الحكومة مهم أيضاً، وكما تشكيل الحكومة مهم، فإن الأهم من ذلك هو التوصل إلى قانون انتخاب يعكس الإرادة الحقيقية والتوازنات الدقيقة للناخب اللبناني، بحيث يعتمد النظام الانتخابي دوائر انتخاب تعبّر حقيقة وبدقة عن الخيارات السياسية للمواطن اللبناني، لا أن نأتي بقانون انتخاب يحسم سلفاً نتائج العملية الانتخابية، وإن أهمية قانون الانتخاب أنه منه تولد السلطة التشريعية التي هم أمّ المؤسسات في لبنان، فإذا قام في لبنان مجلس نيابي يعبّر عن اللبنانيين بشكل دقيق وحقيقي وسليم وصحيح، سيكون بالإمكان احتواء تداعيات المنازعات السياسية داخل المؤسسات الدستورية، فلا يعود عندنا شارع يضطرب أو يقفل، أو ما إلى ذلك من احتجاجات أو اصطدامات كنا نراها، فكل واحد لديه حجمه الذي يعبّر عنه بدقة في المجلس النيابي، والمجلس النيابي يضبط العملية السياسية، ويعطي الثقة للحكومة، برئيس الجمهورية، وبذلك يكون قد أصبح كل النزاع السياسي داخل المؤسسات، ولا يكون هناك خشية عند اللبنانيين من أن يتطور أي نزاع إلى حرب أهلية.
لولا الحكمة الكبيرة التي نتمتع بها، لما كان لبنان على ما عليه الآن، فنحن نريد للاستقرار الأمني أن يستند إلى استقرار سياسي متين، وهذا الاستقرار إنما ينشأ من التسوية السياسية الشاملة التي أعلنّا استعدادنا للدخول فيها، وبقي على شركائنا في الوطن أن يقابلوا إرادتنا المستقلة الحرّة في السعي لتسوية سياسية بتظهير إرادتهم المستقلة والحرة عن حلفائهم الإقليميين والدوليين، فنحن لدينا حلفاء، ونتصرف في لبنان على قاعدة ما نراه مناسباً من المصالح، ولكن نرجو أن يتمكن الفريق الآخر من أن يضع الأولويات اللبنانية في رأس جدول أعمال حلفائه الإقليميين والدوليين، لا أن يكون مضطراً للانصياع إلى أولوياتهم، وأجنداتهم السياسية، ومن هنا فإننا ندعو الجميع لإخراج لبنان من تعقيدات الصراعات الجارية في المنطقة، وأن نثق فيما بيننا كلبنانيين، ونؤمن استقرارنا الأمني والسياسي، بالأمس عندما حصلت الجريمة كم كان اللبنانيون سعداء حينما رأوا هذا الاجتماع الوطني العاطفي فيما بينهم في مواجهة التكفيريين القتلة، فنحن نريد لهذا المناخ التوافقي أن يكون مرتكزاً إلى أسس سياسية صلبة.