كلمة لعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب نواف الموسوي خلال الاحتفال التأبيني الذي أقيم للشهيدة المظلومة جنى عبد الله التي قضت في التفجير الإرهابي بمنطقة برج البراجنة، وذلك في حسينية بلدتها دير عامص، بحضور عدد من العلماء والفعاليات والشخصيات، وحشد من الأهالي، وقد جاء في كلمته:
إن ما تعرضنا له من اعتداء وحشي وبربري هو اعتداء على الإنسانية بأسرها، ففي نفس الوقت الذي حصلت فيه هذه المجزرة شهد العالم على الأقل مجزرتين، الأولى سبقت الاعتداء على أهلنا في برج البراجنة، وهي مجزرة الطائرة الروسية التي قضى فيها أكثر من مئتي مواطن روسي، وقد بات مؤكداً وفق ما أُعلن اليوم (أمس) أن الطائرة قد سقطت بفعل عمل إرهابي، إذ وضعت المجموعة التكفيرية على متنها قنبلة أدّت إلى سقوطها، أما الثانية فحصلت بعد اعتداء برج البراجنة، وهي المجزرة التي شهد العالم بأسره وقائعها في باريس وذهب ضحيتها أكثر من 130 قتيلاً و300 جريح من بينهم 80 في حالة الخطر الشديد، وانطلاقاً من هذا نرى أن مصابنا الذي حلّ بنا قد حلّ بالإنسانية كلّها، وبات قادة الدول يقرّون بأنّ مدنهم ليست آمنة، وأن ما حصل في سيناء وبيروت وباريس يمكن بأي لحظة أن يتكرر في أي عاصمة من عواصم العالم، ولذلك فإن الإنسانية تقف اليوم وقفة واحدة في وجه هذا الخطر التكفيري لما تتعرض له من إرهاب موصوف.
إن هذا الإرهاب التكفيري غير قابل للتبرير بأي حجة كانت، وأن كل محاولة لتبرير عمليات القتل للمدنيين هي مشاركة مباشرة في العمل الإرهابي، وأن أي صيغة يقدّمها أي أحد بعنوان تحليل أو إبداء رأي أو إعلان عن موقف يتضمن تبريراً للإرهاب، كما القول بأن هذا الإرهاب هو رد فعل على القتال هنا أو هناك، فهذه مشاركة في العمل الإرهابي من خلال محاولة آثمة لتبريره، ومن هنا فإنه يجب أن نتفق أنه من غير المقبول من أحد أن يقدّم لهذه العمليات الإرهابية تبريراً، خصوصاً وأنها ليست في إطار العمليات المقاومة التي تستهدف عسكريين في ساحات القتال كما كانت العمليات التي كان يخوضها مجاهدونا حين كانوا يرتقون إلى أعلى الروابي ليواجهوا العدو الإسرائيلي وهو في حصونه وقلاعه، بل إن تفجيرات اليوم هي عمليات جبانة وإرهابية تتقصد التوجّه إلى المدنيين العزل وقتلهم، وهذا العمل الإرهابي هو عمل خسيس وحقير وجبان ولا ينمّ عن أي بطولة، لأن الأبطال هم كما مجاهدونا الذين كانوا يهاجمون الدوريات العسكرية الإسرائيلية، وكما شهداؤنا الإستشهاديون الذين هاجموا مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي وبداخله جنود وضباط العدو، فهم لم يقوموا في أي وقت من الأوقات باستهداف المدنيين عمداً وبصورة متقصدة، وحتى أولئك التابعين لأعدائنا أيّاً كانت جنسياتهم، بينما نجد اليوم أن هذه المجموعات الإرهابية تجعل من استهداف المدنيين وسيلة وغاية لتحقيق أغراض سياسية، الأمر الذي يوجب علينا أن نتفق جميعاً على أن الإرهاب التكفيري ليس رد فعل أو نتيجة لأسباب سبقته، بل هو مشروع فكري وسياسي متكامل بمعزل عن الأسباب والمواقف والأوضاع القائمة، فهو له ثقافة موجودة منذ قرون .
إن الاستخبارات الغربية ولا سيما الأوروبية منها تعرف أن الذي أوجد بيئة حاضنة في بلدانها التي خرج منها الانتحاريون الذين يرتكبون المجازر، هو انتشار الفكر التكفيري، فهناك من فتح أبواب هذه الدول أمام دعاة نشر الفكر التكفيري في العالم، وبمجرد أخذ تأشيرة دخول إلى أي دولة أوروبية من قبل أي شخص عادي يواجه الصعوبات والمشقّات، فهذا يمكن دعاة الفكر التكفيري أن يدخلوا أيضا، وقد دخلوا منذ أكثر من عقدين إلى البلاد الأوروبية، ونشروا فيها أفكارهم التي خرّجت الانتحاريين والمقاتلين الذين أرسلوا لاحقاً إلى سوريا، ثم عادوا منها ليفجروا في البلدان التي انطلقوا منها، ولذلك فإن الإرهاب التكفيري هو مشروع فكري كما أنه مشروع استراتيجي - سياسي له برنامجه القائم بمعزل عن ردود الأفعال أو عن السياسات التي تتخذها الدول، وهذا يعني أنه سواء أكان هناك قتال في أفغانستان أو في العراق أو في سوريا أو في اليمن أم لا، فهذه المجموعات التكفيرية لديها رؤية استراتيجية للعالم بأسره، وأجندة سياسية تقوم بتنفيذها، ومن هنا فإنه من غير المقبول أن يقف أحد ليقول إن المجموعات التكفيرية هي رد فعل على القتال في سوريا أو في العراق، فهذا ليس صحيحاً، لأن هذه المجموعات ستقاتل وتهاجم إن لم تبدأها بقتال، وإذا اتفقنا على هذا الأمر، فهذا يعني أنه أصبح لزاماً على العالم أن يكون جدّياً في استئصال المجموعات التكفيرية، واليوم نحن نتحدث بعد 3 مجازر ارتكبتها إحدى المجموعات التكفيرية التي كانت أعلنت الحرب عليها منذ أكثر من سنة من قبل 40 دولة على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي فإننا نعتبر أن هذه المجازر والعمليات الإرهابية التي حصلت تشكّل فشلاً ذريعاً للاستراتيجية التي اعتمدت منذ أكثر من سنة للقضاء على داعش من قبل ما يسمى بالتحالف الدولي الذي أصبح اليوم مطالباً بإعادة النظر في استراتيجيته التي أدت إلى الفشل، والتي لم تتمكن خلال أكثر من سنة من توجيه ضربات قاسمة وموجعة لداعش، أو أن تخرجها من المناطق التي تسيطر عليها، مما يشير إلى أن الاستراتيجية الغربية للقضاء على داعش قد فشلت.
إن الدول الغربية وعلى رأسها الإدارة الأميركية لم تكن طوال الأشهر الماضية جدية في العمل للقضاء على داعش، وإنما كانت تستخدمها من أجل إضعاف الدولة في العراق لفرض شروط أميركية عليها من بينها إقامة قواعد عسكرية هناك أو من أجل إضعاف الدولة في سوريا في إطار السعي لإسقاط هذه الدولة، ولذلك فعلى الرأي العام الغربي أن يعلم أن حكوماته مسؤولة بشكل مباشرة عن الجرائم التي ترتكبها داعش بسبب سياساتها التي قامت على استخدام المجموعات التكفيرية لتنفيذ أغراض سياسية من بينها ما يسمى إسقاط النظام في سوريا أو الرئيس الأسد، واليوم إذا كان هناك من سعي جدي للقضاء على داعش، فيجب أن يبدأ بتغيير الاستراتيجية التي اعتمدت في الأشهر الماضية باتجاه واضح، وهو أن الأولوية التي تتقدم على ما عداها من أولويات سياسية واستراتيجية يجب أن تكون هي القضاء على داعش وعلى هذه المجموعات التكفيرية، وهذا لا يكفي فيه استخدام السلاح الجوي، لأنه من الواضح للمخططين العسكريين أن سلاح الجو من دون قوات برية لن يتمكن من القضاء على داعش، ومن هنا فإن الحكومات الغربية بين خيارين هما: إما أن ترسل قواتها البرية لمقاتلة داعش وهذا أمر يبدو أن المزاج الشعبي الأوروبي والغربي بعامة لا يستسيغه، لأنه ضد فكرة إرسال شبابه إلى القتال، وإما اعتماد القوات البرية التابعة للجيش السوري التي لا يبقى غيرها متوفراً للقضاء على داعش، ولذلك نقولها بكل وضوح، يجب أن تتغير الاستراتيجية الغربية ولا سيما الأميركية في مواجهة داعش، من خلال المزج بين فعاليات السلاح الجوي، وبين الفعاليات البرية التي يقوم بها الجيش السوري، وهذا خيار يوجد دليل على صوابيته وجدواه ، ففي غضون أسابيع قليلة تمكن سلاح الجو الروسي بالتنسيق مع الجيش السوري من دحر داعش والمجموعات التكفيرية على أكثر من محور، من ريف دمشق إلى ريف حلب إلى ريف حماه إلى ريف إدلب وصولاً إلى تدمر وريفها، والتنسيق الروسي السوري يقدم للعالم نموذجاً عن إمكانية القضاء على داعش، ولذلك فإن الإصرار الغربي على إسقاط الأسد ومن ثم العمل على القضاء على داعش، أو الموازاة بين إسقاط الأسد والقضاء على داعش، هي استراتيجية قد فشلت، وهي التي قد أدت إلى إسقاط الطائرة الروسية والاعتداء في برج البراجنة، وإلى الهجوم الذي حصل في إحدى ضواحي باريس، وبالتالي يجب أن يحصل هذا التغيير في الموقف الغربي، وبالمقابل فلندع الموضوع السياسي السوري متروكاً للشعب السوري، ولتكن الأولوية الآن هي القضاء على المجموعات التكفيرية، وإذا كانت هذه الأولوية لديهم هي بالقضاء على داعش فلتكن كذلك، ولكننا نسجل هنا أننا في تجربتنا وتجربة الغربيين نعلم أن لا فرق بين داعش والمجموعات الأخرى، لأنهما ينهلان من معين واحد وهو الفكر التكفيري، كما أن لديهما برنامج سياسي يشبه بعضه بعضاً، فاليوم داعش تنفذ عمليات إجرامية، ومن قبل ذلك كانت القاعدة تنفذ عمليات إجرامية من الولايات المتحدة إلى العراق، ولذلك وحسب رأينا فإن العمل يجب أن يكون ضد المجموعات التكفيرية كلها للقضاء عليها، ولاحقاً يتقرر ما هو الخيار أو النهج أو المصير السياسي الذي يقرره الشعب السوري بمعزل عن ضغط أو سيطرة المجموعات التكفيرية عليه، فهذه وجهة نظرنا، وهذا ما نعتقد أنه السبيل للقضاء على هذا الخطر الإرهابي، وبغير ذلك فإن العمليات الإرهابية ستستمر في هذه المدينة أو تلك من مدن العالم.
أما فيما يتعلق بنا في لبنان، فإن الشبكتين اللتين ارتكبتا المجازر في الضاحية، قد لاحقتهما المقاومة فرداً فرداً إلى حيث قواعدهم، وهم اليوم بغالبيتهم العظمى إما بين قتيل أو بين موقوف في أيدي الأجهزة اللبنانية، فالذي جعل عملية القلمون من قبل تقرّب على الأولويات الثانية هو تأمين أهلنا في الضاحية الجنوبية، فهاجمناهم ودمرنا المقرات التي كانوا يصنعون فيها السيارات المفخخة، وقضينا على المخططين والمحرّضين والممولين .
لقد قدم سماحة الأمين العام لحزب الله حفظه الله فرصة لإخراج لبنان من الأزمات التي تعصف بالمنطقة، وهذه المبادرة تقوم على أن يجد اللبنانيون عبر الحوار بينهم تسوية للأزمات والمشاكل التي يعاني منها هذا البلد، ونحن قد أعلنا عن إرادتنا وقدرتنا على التوصل إلى حلّ سياسي بمعزل عن القوى الإقليمية، وندعو شركاءنا في الوطن وفي الفريق الآخر لأن يبذلوا وسعهم لإقناع حلفائهم الإقليميين والدوليين بفك الأزمة اللبنانية عن الأزمة السورية والأزمة اليمنية، ونأمل أن يبذلوا هذا الجهد لدى حلفائهم، وأن يقنعوهم أنه لا ينبغي جعل اللبنانيين ينتظرون حلاً لمشكلاتهم إلى ما بعد حل المشكلة في سوريا واليمن، وبذلك نتمكن حينها نح اللبنانيون إذا ما امتلكنا إرادتنا المستقلة والحرة من التوصل إلى تفاهم سياسي، ولذلك فإن أملنا اليوم أن تلقى مبادرة سماحة الأمين العام الصدى اللازم لها، وهذا لا يكون بالتوقف عند بند واحد من بنود التسوية، بل إن الاستجابة لها تكون بالاستعداد لبحث الموضوعات جميعاً.