كلمة لعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب السيد نواف الموسوي خلال الاحتفال التكريمي الذي أقامه حزب الله لمناسبة مرور اسبوع على استشهاد الأخ المجاهد خليل نعمة ناصيف في حسينية بلدة المالكية الجنوبية بحضو عدد من العلماء والفعاليات والشخصيات، وحشد من الأهالي، وقد جاء في كلمته:
إننا حين نتحدث عن المواجهة مع العدو التكفيري يجب أن يكون واضحاً في حسباننا وبالنا، أننا في الحقيقة نتحدث عن المواجهة مع العدوان الأمريكي الغربي الإسرائيلي السعودي على شعوب المنطقة بأسرها، سيما بهذه المرحلة حيث يتركز على سوريا بالتحديد، لأنها دولة في موقع نصرة المقاومة، وفي موقع المقاومة، بالمقابل فإن العدو التكفيري يقدّم نفسه بمثابة أداة للعدو الصهيوني والاستكبار الأميركي والطغيان السعودي، فهو في الحقيقة أداة، لأنه لو مُنع التمويل والتدريب ونقل المقاتلين إلى المجموعات التكفيرية لكان بالإمكان القضاء على هذه المجموعات في وقت قصير وكلفة قليلة، إلا أن واقع الأمر يؤكد أن دولاً معروفة بالأسماء هي التي تموّل المجموعات التكفيرية في إطار مشروعها الهادف إلى إسقاط المقاومة من خلال إسقاط قاعدة رئيسية من قواعدها هي الدولة والشعب في سوريا، ولذلك فإن مدخل الحل إلى ما يسمى الأزمة السورية وإن كان ينبغي أن يمرَّ بعملية سياسية تمنح الشعب السوري وحده حق تقرير مستقبله، فإن العملية السياسية لا بد من أن تمرّ بالقضاء على الإرهاب التكفيري، ولا يجوز للعملية السياسية أن تعطي أي ميزة أو فائدة لهذه للمجموعات، بل إن الأولوية التي ينبغي أن يضطلع بها المعنيون بحل الأزمة السورية هي أولوية القضاء على الإرهاب التكفيري الذي وإن كان أداة في يد مستعمليه، إلا أنه سرعان ما ينقلب على من يستعمله كما حصل في عام 2001.
لقد بات هذا الإرهاب التكفيري اليوم ممزوجاً مع أزمة الهجرة غير المنتظمة إلى الغرب، يشكل خطورة أمنية، لذلك بات على حكومات العالم بأجمعها أيضاً أن تعمل على إزالة الإرهاب التكفيري، ولا يتم ذلك بمجرد أن ترفع أميركا والدول الأوروبية شعارات مكافحة الإرهاب، وتتحدث بعض الأنظمة العربية عن مواجهة الارهابيين والخوارج، بينما في الحقيقة هم يواصل دعم المجموعات المسلحة عبر المال والسلاح والعديد، حيث أن المقاتلين الذين يصلون من أصقاع الأرض إلى سوريا يمرّون عبر مطارات غربية وإقليمية ودول مجاورة لسوريا، ومن هنا فإن أبسط الأمور في السعي إلى حل الأزمة في سوريا، لا يكون في مجرد إعلان من بضعة بنود، بل يجب أن يقترن فعلاً بأن تتوقف الإدارة الأميركية والنظام السعودي عن تزويد التكفيريين بالأسلحة والرجال والمال، وهم صرّحوا بالأمس أنهم بصدد إعطاء أسلحة وأموال إلى ما يسمى المعارضة السورية المعتدلة أو بحسب التسمية الأميركية إلى القوات السورية الديمقراطية، ولكن هنا نسأل أنه هل بوسع أحد أن يدلّنا على ماهية هذه القوات السورية الديمقراطية، وهل باستطاعة أحد أن يسمّي لنا أسماء تلك المجموعات التي تصنّف على أنها معارضة سورية معتدلة، وإذا رجعنا إلى تصريحات مسؤولين أميركيين نجدهم قالوا إنهم أنفقوا حوالي 500 مليون دولار لتدريب 1500 معارض سوري، إلا أنهم لم يتمكنوا من الحصول سوى على 64 مقاتلاً، أو ليس هم من قال أن هؤلاء المقاتلين المعدودين حين دخلوا إلى سوريا لم يبقى منهم إلا خمسة، فمن أين أتى اليوم ما يسمى المعارضة المعتدلة، ومن هي، ومن أين أتت القوات الديمقراطية السورية، ومن هي، فلتسموا لنا أسماءها، لكن حقيقة الأمر أن كل هذه الأسماء ما أنزل الله بها من سلطان، وليس لها في الواقع من أثر، بل هي تسميات مفتعلة سعودية أميركية لإبقاء ذريعة تمويل المسلحين التكفيريين.
يجب أن يتوقف النفاق الأميركي السعودي فيما يتعلق بحل الأزمة السورية، فلا تستطيعون الذهاب إلى عملية سياسية، وفي الوقت نفسه تواصلون دعم مجموعات الإرهاب والقتل الخارجة على كل عرف وقانون، ومن هنا نشدد على أن الجدية في السعي إلى الحل في سوريا تكون عبر وقف كل أشكال الدعم التي تقدم إلى المسلحين السوريين الإرهابيين من جانب الإدارة الأميركية والنظام السعودي، ومع الأسف فإن بلاءنا في هذه المرحلة هو في هذا النظام السعودي الطاغوتي الذي يواصل حتى اليوم حصاره على الشعب اليمني، وعدوانه الإجرامي على الأطفال اليمنيين، فكم هي مروعة الصور المظهرة للحالة التي يعيشها أبناء اليمن بسبب هذا العدوان الطاغوتي السعودي عليه، ومن هنا فإن السؤال يبقى بأنه ألا ينبغي أن تتوقف هذه الأنظمة المعتدية وعلى رأسها النظام السعودي عن العدوان على اليمن، وألم تحن الفرصة للشروع في عملية سياسية تمكّن الشعب اليمني لوحده من تقرير مصيره، لا أن تقوم هذه الدولة أو تلك بمقام الوصي عليه، وفرض إرادتها في تشكيلته السياسية أو في نظامه السياسي.
من المؤسف أن هذا النظام السعودي ومنذ زمن قد امتدت يده إلى لبنان، فأعملت فيه فساداً، لذلك فإننا نستطيع القول بملء الفم وبالأدلة والوقائع، أن الفساد في لبنان استشرى وتشعّب وتجذّر حيثما امتد النفوذ السعودي فيه، فهذا النظام هو المسؤول عن تحويل الفساد الإداري والمالي والسياسي إلى منظومة معترف بها، كما أنه خرّب الإدارة العامة اللبنانية من خلال العمل على شراء مفاتيح فيها، وخرّب الإعلام اللبناني حين عمد إلى شراء مؤسسات بأسرها، وكتّاب إنما يمسكون قلمهم لأجل الدفاع عن آل سعود ومصالحهم، وأفسد النظام الانتخابي اللبناني من خلال إقرار نظام يؤمن الأكثرية المسبقة للمنظومة السياسية التي تقع تحت النفوذ السعودي، ولم يكتف بهذا الفساد، بل أراد أن يحول لبنان إلى مرتع لفساده الأخلاقي، وما الحالة التي ضُبطت بالأمس من خلال إلقاء القبض على الأمير السعودي إلا بعضاً من رأس جبل جليد الفساد الأخلاقي السعودي في لبنان، فهذا الأمير السعودي لا يمثّل جميع حالات الفساد الأخلاقي السعودي في لبنان بل هو رأس جبل الجليد، والجبل الباقي كلّه تحت المياه، ونحن إذ نحيّي الأجهزة الأمنية التي ألقت القبض على هذا الأمير، ونحيي القضاء الذي يقاوم الضغوط الهائلة لأجل إخراج هذا الأمير وكأن لا علاقة له بعملية التهريب.
إننا نذكّر أننا لم ننس هذه قضية توقيف الأمير السعودي ولن ننساها، وإذا كان هناك من يراهن على الوقت وتراكم الأحداث وتتاليها من أجل أن ينسى اللبنانيون هذه الحادثة ثم يعمدون إلى إيجاد تخريجة قانونية من قبيل أن تلصق التهمة بالمرافقين وأن الأمير لا علاقة له بما جرى، فإذا كان هناك من يراهن على ذلك فليعلم أننا لن ننسى وسنراقب ونتابع الأمر، لذلك فإن هيبة النظام القضائي وصدقية القضاة على المحك، بحيث أنه لو أطلق هذا الأمير بعملية احتيالية قانونية، فلن يبقى للنظام في لبنان هيبة، وبالتالي لن يستطيع أن يلاحق مرتكباً واحداً، لأن لسان حاله ولسان حال الناس سيكون إنكم لا تستقوون إلا على الضعيف، أما القوي فتخرجوه من دون ذريعة، ومن هنا فإننا نعود ونذكر القضاة الكرام الشجعان، بأن ما أبديتموه من صمود حتى الآن هو محل تقدير الشعب اللبناني الذي يراقب عن كثب الجهود التي تقومون بها، وهو يأمل منكم أن تكونوا على مستوى كرامة اللبنانيين وعزّتهم، وأن لا تسمحوا لهذا النظام السعودي الطاغوتي أن يسفح ما تبقى من كرامة للنظام في لبنان عبر اغتياله القضاء من أجل تحرير أميره الفاسد، وكم من أمير فاسد في منظومة الطغيان هذه.
نؤكد على أنه يجب على اللبنانيين أن يكونوا أصحاب إرادة مستقلة وأن لا يربطوا شؤونهم السياسية وغيرها بإرادات ملكية أو أميركية أو أميرية تصدر من هنا أو هناك، فالحوار الوطني وبحسب رأينا يمكن أن يصل إلى نتائج محققة، من خلال الإقرار بالصيغة التعددية اللبنانية ومن خلال الإيفاء بموجبات الميثاق الوطني اللبناني الذي يقتضي أن يكون رئيس الجمهورية صاحب قاعدة شعبية يعبّر عنها، وأن يعكس إرادة المسيحيين بالدرجة الأولى ليحقق ركائز العيش الواحد بين اللبنانيين، ثم ليتحول من بعد انتخابه إلى رمز للجمهورية أجمع، بالمقابل فإن الرئيس السنيورة كان يقول: "لأن رئيس الجمهورية يمثّل اللبنانيين، فإنه ينبغي أن يكون للبنانيين كلهم وليس فقط المسيحيين"، أعتقد أن هذا الكلام لا علاقة له بالدستور، فالنائب في لبنان ينتخب على أساس دائرته الانتخابية وتبعاً لانتمائه الطائفي، لكن الدستور يقول: "بعد انتخابه يصير نائباً عن الأمة واللبنانيين جميعاً"، وبالتالي إذا كان النائب كذلك فالأولى برئيس الجمهورية أن يعبّر عن قاعدته المارونية، وأن يكون صاحب أكثرية فيها ولدى المسيحيين، ليكون بعد ذلك رمزاً وطنياً.
نرى أن من يؤخر الانتخابات في لبنان هو النظام السعودي لأنه لا يريد في سدة الرئاسة الأولى إلّا موظفاً برتبة رئيس للجمهورية، يقف ويهتف بمناسبة أو غير مناسبة، كما هتف الرئيس السابق "عاشت المملكة العربية السعودية"، على هبة اسمها الثلاث مليارات، لم ولن يصل للبنان منها شيئاً، لأنها اعتبرت من قبل النظام السعودي الجديد بأنها منحة شخصية من الملك الراحل، وأن النظام الحالي ليس ملزماً بتسديدها، بل إن ذلك يقع على عاتق ورثة الملك الراحل، ومن هنا نسأل أنه إذا تبين أن هذه الهبة كاذبة، فيما الجيش اللبناني بحاجة للسلاح، فلماذا لا تعودون إلى قبول العرض الإيراني لتسليح الجيش اللبناني، وهو المحتاج إلى سلاح نوعي فعال في مواجهة المجموعات التكفيرية التي تهاجمه، والتي كان آخرها اليوم (الأمس) حيث سقط جرحى من الجيش اللبناني بعملية إرهابية استهدفتهم في عرسال، فلماذا لا تقوم الحكومة وبصورة عاجلة بالقبول بالعرض الإيراني، وقد تبين لوزير الدفاع الحالي أن هذا العرض جدي، ويمكن أن يرفع من جاهزية الجيش اللبناني إلى مستويات متقدمة.
إننا إذ كنا لا نرضى للنظام السعودي أن يملأ هذا البلد فساداً فنقول إن اللبنانيين لن يسمحوا بالوصاية السعودية على الإعلام اللبناني، وليكن واضحاً أن النظام السعودي طلب وقف بث قناة الميادين، ومع الأسف استجابت إدارة القمر الصناعي دون الآلية المعتمدة لذلك وأوقفت البث، كما أن النظام السعودي يمارس اليوم ضغوطا على المسؤولين اللبنانيين لإقفال قناة الميادين، فعلى الرغم من كل ما يملكه آل سعود من وسائل إعلامية، فهم لا يستطيعون تحمّل وسيلة إعلامية ليست تحت سيطرتهم، لذلك فإن لبنان اليوم أمام امتحان في ما يتعلق بالإعلام، فإما أن يكون تابعاً للنظام السعودي، وإما أن يكون حراً، وإذا كان لهذا النظام مشكلة لها طابع قانوني أو قضائي فليتفضل إلى الهيئات القضائية في لبنان ويقدم شكوى ولتأخذ طريقها الطبيعي، أما أن يمارس النظام السعودي ضغوطاً ثم تتلقاها كتلة المستقبل التي تخرج علينا في كل بيان لها، تارة توجه إنذاراً إلى اللبنانيين، وطوراً تهددهم بلقمة عيشهم في الخليج، فهذا مرفوض تماماً لأن لبنان ليس كما قال سائح أو عابر سبيل، فهو ليس شقة مفروشة يشتري أثاثها من هذه الدولة أو تلك، بل إن لبنان عندنا هو حرم قدسي نذود عنه بدم الوريد.