النص الكامل لمقابلة سماحة السيد حسن نصرالله مع قناة المنار ـــ الجمعة 25 أيلول 2015
النص الكامل لمقابلة سماحة السيد حسن نصرالله مع قناة المنار ـــ الجمعة 25 أيلول 2015
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عند كل لقاء مع سماحة السيد حسن نصرالله تتخلى اللغة عن كبريائها وتجاهر بانحيازها إليه، تحار من أين تبدأ وأين تنتهي عندما تكون في حضرته، كلما اقتربت منه اكتشفت صعوبة الإحاطة به، وكلما استفضت بالوصف شعرت بالنقص.
صحيح أن ظروف المنطقة الغارقة في بحور الدم والمياه، تجعل الفرح بعيد الأضحى هذا العام غير مكتمل النصاب، لكن إطلالة السيد نصرالله على اللبنانيين والعرب والمسلمين في هذا اليوم تحديداً، ستعوض على الكثيرين البهجة وستضخ في عروقهم أكياساً من مصل الأمل والطمأنينة.
من اليمن الصابر إلى لبنان المترنح مروراً بسوريا الملتهبة وفلسطين الصامدة والبحرين المتألمة سيمتد حوار العيد، بل هو عيد الحوار مع الأمين العام لحزب الله الذي استطاع أن ينتزع موقعاً بين اللاعبين الكبار في المنطقة، مشاركاً في صنع مصيرها ومستقبلها باللحم الحي، فيما اختار آخرون الجلوس على مقاعد الاحتياط أو المدرجات.
سماحة السيد أهلاً وسهلاً فيك.
سماحة السيد نصرالله: أهلاً وسهلاً فيك.
- ينعاد عليك، أضحى مبارك، وإن شاء الله دائماً تبقى بهذه الهمّة وهذه الهمّة المعدية التي تشمل الجميع. أريد أن أشكرك أنا على المستوى الشخصي لأنك منحتني هذا الشرف، شرف استضافتك في ثاني أيام العيد، وهذه أكبر عيدية أعتبرها لي وحتى لكل المشاهدين.
بما أنه نحن في ثاني أيام عيد الأضحى المبارك، السؤال كيف تعايد الجرحى، عائلات الشهداء، عموم اللبنانيين والعرب والمسلمين، وأكيد في طليعتهم المجاهدين.
سماحة السيد نصرالله: في أيام العيد عادة أقول لكل الأحباء والمسلمين ولكل اللبنانيين: كل عام وأنتم بخير وعيدكم مبارك وأضحى مجيد ومبارك، لكن للأسف الشديد، أولاً احداث وتطورات المنطقة منذ سنوات لا تسمح ببهجة العيد، وأيضاً ما جرى للأسف الشديد بالأمس في منى وما أصاب حجاج بيت الله الحرام كان مؤلما ومدمياً للقلوب ومثيراً للأحزان ويستحق التوقف عنده طويلاً، لكن بكل الأحوال تحولت المناسبة تبريكاً بالعيد وتعزية بالضحايا الذين خرجوا من بيوتهم وهاجروا إلى الله سبحانه وتعالى والتحقوا بالرفيق الأعلى. أنا اقول للجميع: كل عام وأنتم بخير، إن شاء الله مبارك لكم هذا العيد، بالتأكيد نخص عوائل الشهداء والجرحى وعوائلهم والمجاهدين وكل المدافعين عن لبنان وعن المنطقة وعن المقدسات وعن شعوب هذه المنطقة في مواجهة المشاريع التي تستهدف إذلالهم أو قتلهم أو إفناء وجودهم ـ لأن المشاريع تطورت في الآونة الأخيرة ـ أو تستهدف مقدساتهم أو تستهدف حياتهم، هؤلاء هم أولى أن نتوجه لهم بالتبريك. على كل حال مبارك للجميع إن شاء الله.
س: مأساة الحجاج الضحايا أرخت بظلالها القاتمة على عيد الأضحى، كيف كان وقع هذه الحادثة الأليمة عليكم؟؟
سماحة السيد نصرالله: أنا أعتقد أن وقعها على كل إنسان مسلماً كان أو غير مسلم من الناحية الإنسانية وقع كبير جداً. طبعاً على المسلمين أشد، نتيجة الرابط العقائدي والديني. ثانياً: إن هؤلاء كانوا في الديار المقدسة ويقومون بأحد الواجبات الإسلامية والدينية والعبادية المهمة. طبعاً عدد الضحايا أكثر من 700 وفاة و900 إصابة تقريباً إلى الآن، هناك أعداد من المفقودين غير معلوم إذا توفوا أو أصيبوا، من الأكيد أن هناك أناساً ضاعوا. الحادث حادث جلل ومؤلم ومحزن جداً...
س: هذا من حيث الجانب الإنساني، وبالنسبة إلى الجانب الإجرائي، ما هو المطلوب لعدم تكرار مثل هذه المآسي؟؟
سماحة السيد نصرالله: بالدرجة الأولى مثل أي حادث يحصل وإن كان هذا حادث كبير لا أحد يقدر أن يصغّر الموضوع ويعتبره مثلا مسألة محدودة، ممكن نتيجة الالتباسات الموجودة اليوم في منطقتنا وبالعالم الاسلامي والصراعات السياسية الإقليمية، يمكن أحد ما أن يخذه مباشرة على الصراع السياسي، وهنا قد يضيع حق الحجاج الذين قضوا والحجاج الذين أصيبوا وأوليائهم وأيضا حكوماتهم.
أنا أريد أن أقارب الموضوع بطريقة مختلفة، بمعزل عن الصراع السياسي الموجود بالمنطقة لأن اليوم السعودية هي جزء من الصراع القائم وهي تشن حروباً في اليمن مباشرة وغير مباشرة، في أماكن أخرى، في سوريا وغيرها.
من المنطقي جداً أن تتحمل الحكومة السعودية المسؤولية كاملة عن الحادثة لأنها هي التي تدير مناسك الحج وتتصدى لهذه المسؤولية وترفض أن يشاركها أحد في هذه المسؤولية، أنت تعرف، هذا نقاش له عقود من الزمن في العالم الإسلامي. إلقاء التبعات على الحجاج أنهم تدافعوا أو لم يلتزموا هو تبسيط للموضوع، لكن الأهم أنت لما تتكلم بالإدارة فسيؤخذ بعين الاعتبار تدافع الحجاج..
مثلاً 1990 وقع تدافع كبير في نفق بمنى وحينها لقي نحو 1426 حاجاً مصرعهم ومعظمهم قضى اختناقاً، في العام 2004 توفي 244 حاجاً في اليوم الأول لرمي الجمرات بعد تدافع وقع في منى، وهنا بالعام 2006 أدى تدافع الحجاج في ثاني أيام التشريق إلى وفاة 340 حاجاً، الإدارة أصلاً، ما هي الإدارة؟ أنه لما يحصل خلل ما تكتشف الخلل وتعالجه من خلال الخطط الجديدة، طيب لمّا يحصل بـ 1990 و 2004 و2006 وأمس صار هذا الشيء الضخم، هذا معناه أن هناك خللاً بالادارة وبالتخطيط وخللاً بالمقدمات وما يمكن أن يقول إن الحجاج يتدافعون، الإدارة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار العدد وتأخذ بعين الاعتبار تدافع الحجاج وتعمل كل الاجراءات حتى إذا حصل خلل من هذا النوع لا يؤدي الى هذه الكارثة، على كلِّ هم قالوا إنه سيجري تحقيق ولازم يكون لجنة تحقيق عليا. نحن ندعو بالحد الأدنى إلى أن يتم وأن تدخل مندوبين من الدول التي لحق رعاياها بهذه الكارثة وبالحد الأدنى بعض الدول التي عندها أعداد كبيرة مثلاً إيران، والمغرب ، وبعض الأرقام الثانية غير واضحة جنسياتها، بالحد الأدنى دولتين ثلاث أربع التي لها الحصة الأكبر من الضحايا والمصابين، يجب أن يكون عندهم مندوبون في لجنة التحقيق لكي يطمئنوا أن التحقيق متقدم بشكل واقعي وموضوعي. ليس للتغطية على المرتكبين أو المقصرين الحقيقيين..
أنا اعتقد أنه سيفتح النقاش "من أول وجديد" على مستوى منظمة التعاون الإسلامي أعتقد أن هناك دولاً إسلامية سوف تدعو إلى إعادة النظر في هذا الأمر.
وهناك بالحقيقة طرحان: إدارة لموسم الحج، وهذا طبعاً ما ترفضه السعودية، والطرح الثاني إشراف، يعني يمكن أن تبقى الإدارة بيد الحكومة السعودية، لكن تكون هناك هيئة إشراف من منظمة التعاون الاسلامي وتتمثل فيها الدول التي لديها أكبر عدد من الحجيج، مثلاً: إندونيسيا، إيران، تركيا، مصر.. معروفة الدول التي عندها أعداد كبيرة ولجنة الإشراف تطمئن، ترى الخطط، وتتأكد من الإجراءات والتدابير، ولأنها هي ترسل مواطنيها إلى موسم الحج.
في نهاية المطاف ترك هذا العبء الضخم يعني إصرار حكومة المملكة العربية السعودية على منع الدول الإسلامية الأخرى من المشاركة بشكل أو بآخر في الإشراف أو في الإدارة لم يعد له أي سبب أو منطق خصوصاً أمام تكرار الفشل الذي يؤدي إلى فجائع وإلى كوارث إنسانية..
س: سماحة السيد اسمح لي الآن أن ندخل إلى الملفات السياسية لكن أريد أن أمهّد لهذا الأمر بسؤال مفتاح، خصومكم، أعني الخصوم السياسيين لحزب الله، كانوا يتهمونه دائماً بأنه دولة ضمن الدولة، هذه المقولة الرائجة والمعروفة، كم نستطيع أن نقول الآن بعد اتساع دوركم وتمددكم إلى خارج الحدود اللبنانية أنكم أصبحتم أكبر من الدولة، يعني تطورت المعادلة من دولة ضمن دولة إلى حزب أكبر من الدولة. واستطراداً، إذا أردنا أن نعرّف حزب الله بخريف 2015، يعني بأيلول 2015 نريد أن نقدم تعريفاً لحزب الله، ماذا يمكننا أن نقول، نقول عنه حزب لبناني بأبعاد إقليمية أم قوة إقليمية ببعد لبناني؟
سماحة السيد نصرالله: حتى لا أدخل بالتصنيفات، دولة داخل دولة، لا أٌقبل هذه التوصيفات التي يطلقونها وهي غير صحيحة، أختصر بالإجابة وأقول، هو حزب لبناني له تأثير في الأوضاع الإقليمية، في الأحداث الإقليمية، الآن إذا كان أحد يريد أن يوصّفنا أكثر من ذلك، هذا شأنه، لكن نحن متواضعون ونحن حزب لبناني وتشكيلنا لبناني، ولكن بنتيجة توقيت المنطقة وأحداث المنطقة لدينا، بسبب تحالفاتنا وعلاقاتنا وصداقاتنا وقدرتنا على الحضور في بعض المساحات أو الميداين أو المجالات، يمكننا أن نقول: بات لنا نوع من التأثير الإقليمي.
- معروف عنك التواضع سماحة السيد. إذا أردنا أن نفصّل الآن بالمشهد السوري الذي هو محور الأحداث في المنطقة، يؤثر ويتأثر، كيف يمكن تظهير المشهد السوري سماحة السيد ربطاً بالتطورات الاستراتيجية التي طرأت عليه مؤخراً، من التدخل الروسي الواسع المدى في سوريا إلى التحولات في الموقف الأوروبي الذي كان يعتبر أن تنحي الرئيس بشار الأسد هو أولوية، فإذا بالأوروبيين الآن يقولون لا، يمكن أن يكون الرئيس الأسد شريكاً في الحل السياسي والمرحلة الانتقالية، وحتى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وصل إلى هذا المدى، رغم العداء المعروف بينه وبين الرئيس السوري، كيف تقرأ هذه التحولات في الخريطة السورية؟
سماحة السيد نصرالله: هذا الذي يحصل الآن هو نتيجة طبيعية متوقعة لأسباب عديدة: السبب الأول هو الصمود في سوريا، يعني اليوم نحن تجاوزنا 4 سنين ونيف، نحن قريبون على 5 سنين، يعني بعد عدة أشهر يكون مر على الأحداث في سوريا 5 سنين. حسناً، 5 سنين من الحرب الكونية، من دون مبالغة يعني، الحرب الكونية على سورية، والهدف كان هو إسقاط النظام والسيطرة على سوريا وعلى دمشق بالتحديد كعاصمة للدولة السورية.
الصمود الذي صار في سوريا، يعني صمود القيادة والنظام والجيش والشعب السوري وصمود حلفاء سوريا إلى جانبها وعدم تخلّيهم عنها رغم كل الضغوط التي تعرضوا لها خلال أيضاً قريب الخمس سنوات، أعتقد هذا العامل الرئيسي.
بعد ذلك، بدأت تداعيات الفشل في سوريا تظهر، يعني بدأت التداعيات والنتائج والآثار تبدو على أولئك الذين خاضوا هذه الحرب الكونية. يعني إذا أخذناعناوين سريعة مثلاً: واحد، فشل استراتيجية أوباما في مواجهة داعش والإرهاب، هو الآن يبشر بفشل استراتيجية بوتين، دع بوتين جانباً، أنت استراتيجيتك فشلت، والجنرال المتقاعد الذي عينته مسؤولاً ومنسقاً لحملة التحالف الدولي ضد داعش هو الآن، حسب وسائل الإعلام، قدّم استقالته، يمكن بشهر تشرين يغادر الرجل.
أتيتم باعترافكم 2000، درّبتم 2000 شخص من المعارضة المعتدلة لقتال داعش، الذي قبل أن يقاتل داعش من 2000، طبعاً صرفوا عليهم 50 مليون دولار، الذي قبل أن يقاتل داعش من 2000، 75، بقي منهم 5. يعني إذا كنا نريد أن نمزح، مثل "هذا الولد الذي قال لأبيه بالعيد أعطيني 100 قال له ما حاجتك بالـ100، هذه 50، 25 لك ولأخيك مثلاً". بقي من الـ75، 5، هذا دليل فشل ذريع.
أيضاً سلاح الجو، أنا أتذكر من سنة، أول ما صار موضوع داعش وحكي عن استراتيجية القصف الجوي، قلت إن هذه استراتيجية فاشلة، القصف الجوي لا يمكن أن يغيّر معادلة ولا أن يحسم معركة، بمعزل عن القوات البرية الميدانية.
إذاً فشل استراتيجية التحالف الدولي ضد الإرهاب أو ضد دعش وبالتحديد الاستراتيجية الأميركية.
عموماً فشل كل الخطوات التي قاموا فيها، كل المسلحين الذين جاءوا بهم من كل أنحاء العالم، الدعم الإعلامي، الدعم المالي، الدعم اللوجسيتي، غرف العمليات في دول الإقليم، هذا كله فشل.
- اسمح لي استطراداً أن الفصائل المسلحة في سوريا والمجموعات الإرهابية حققت مؤخراً إنجازات وصفت بأنها نوعية على الأرض، ألا يعد ذلك نجاحاً لهذا المحور؟
سماحة السيد نصرالله: لا، بالنهاية نتيجة المعركة، أنت يجب أن تأخذ المشهد العام، التقدم في مكان ما والتراجع في مكان ما، هذا يحصل بأي معركة بأي حرب، بشكل طبيعي جداً، بكل حروب التاريخ، والعالم الآن لا يحكم على مصير الحرب من خلال التقدم الجزئي هنا أو التراجع الجزئي هناك.
حسناً، من التداعيات التي أثرت على التبدل في الموقف الدولي هو عودة هؤلاء الذين جاءوا إلى سوريا، الإرهابيين، التكفيريين، إلى فرنسا، إلى ألمانيا، إلى بلجيكا، إلى بريطانيا. فإذاً ارتداد الإرهاب على الدول التي دعمت وهذا قيل منذ الأشهر الأولى لهذه الدول، أن هذا الإرهاب سيرتد عليكم.
الآن المستجد أيضاً هو موضوع المهاجرين واللاجئين، يعني لما بدأت هذه الحملة منذ أسابيع، عشرات الآلاف أو مئات الآلاف، هذا استحقاق أمام الأوروبيين، هم يتكلمون بحقوق الإنسان، هم لا يستطيعون أن يقفلوا حدودهم ويتركوا العالم تموت بالمحيط أو بالبحر، لأنه هم يدّعون أنهم دول ملتزمة بحقوق الإنسان ودول ديمقراطية وإلى آخره. هذه من تداعيات الحرب، هذا كيف يعالج، إما أن تستوعبوا هؤلاء المهاجرين عندكم، وإما أن تعالجوا السبب. علاج السبب هو أن تقبلوا بحل سياسي في سوريا، أن توقفوا الحرب في سوريا، وهذا هو العلاج الحقيقي.
إذاً هذه مجموعة عوامل، من أهم العوامل أيضاً، الاتفاق النووي الإيراني مع الخمس زائد واحد، يمكن خلال فترة المفاوضات كان الأميركيون أو الأوربيون يعتقدوا أن في سياق المفاوضات مع الإيرانيين يمكن أن تساوم إيران على مصير سوريا، وبالتالي نحن نأتي للإيراني، نعطيه ما يريد، أو الذي يرضيه في الملف النووي ونخرجه من معركة سوريا وبالتالي نبعد أحد حلفاء سوريا عن هذه المعركة، هذا أيضاً انتهى، وأنه كما صار واضحاً واعترف الأميركيون أنفسهم، أن كل المفاوضات النووية كانت فقط نووية، يعني لا يوجد شيء آخر، لا سوريا ولا لبنان ولا اليمن ولا أي شيء آخر.
أذاً هناك مجموعة عوامل، بالتأكيد من أهم العوامل أيضاً الجديدة هو التدخل، هذا التقدم في الموقف، التصعيد في الموقف الروسي، السياسي والعسكري أيضاً، جعل مثل ميركل ومثل هولاند ومثل بقية المسؤولين، بل جعل الأميركان أنفسهم، جعل الأتراك أنفسهم.
- أن يصبحوا واقعيين؟
سماحة السيد نصرالله: يعني أردوغان أين حكى هذا الكلام، حكاه في موسكو، هذا يجب أن تأخذه بعين الاعتبار، كان الكلام أيضاً، لأنه هناك بالتأكيد سمع كلاماً من الرئيس بوتين يدل على جديّة الروس في هذا الموقف المستجد أو المتطور في الموضوع السوري.
- سماحة السيد هذا الموقف الروسي المستجد يحتاج بالتأكيد إلى تشريح، وسماحتك لست فقط تجيد القراءة بين السطور، أنت تملك المعلومات، كيف يمكن فهم دوافع قرار فلاديمير بوتين بتوسيع التدخل أو الحضور العسكري الروسي في سوريا في هذا التوقيت بالذات، يعني ما هي الرسائل التي أراد إيصالها عبر البريد السوري السريع؟
سماحة السيد نصرالله: انظر هناك مقطعان، هناك المقطع الأول الذي هو الموقف العام، أن روسيا وقفت إلى جانب سوريا من بداية الأحداث، وقفت إلى جانبها في مجلس الأمن، كانت تضع فيتو على أي مشروع يستهدف سوريا، على المستوى السياسي، على المستوى الإعلامي، على مستوى فتح آفاق الحوار، على مستوى تنفيذ عقود السلاح والذخيرة وتقديم المشورة، هذا كان يسير طبيعياً جداً. لكن لم يتطور الموقف بالموضوع العسكري إلى حد أن يبعث هو مثلاً طائرات طياريها منه، يعني من الجيش الروسي، أو مثلاً سلاح مدفعية طاقمه روسي، يعني الوجود، دعني أقول، القتالي، ليس مستشارين يأتون ليقدموا استشارات. التطور كبير، هذا أدخله أنا في المقطع الثاني.
في المقطع الأول، طبيعي حسابات روسيا، يعني أولاً من مصلحتها السياسية الكبرى على المستوى الدولي، على المستوى الإقليمي، سوريا هي الحليفة الوحيدة المتبقية لروسيا في كل المنطقة يعني، في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وغرب آسيا، فإذا خسرت سوريا المواجهة صارت في روسيا، في مصالحها السياسية، موقعها الدولي، موقعها في التأثير بأوضاع المنطقة، مصالحها الاقتصادية، الاستراتيجية، كل هذا يفرض عليها إضافة إلى العلاقة التاريخية بين سوريا وروسيا أيام الاتحاد السوفياتي. حسناً، هذا يأتي في المقطع العام.
مع ذلك، كان هناك رهان خلال السنوات الماضية عند الأمريكيين وعند الأوروبيين، حتى عند بعض الدول العربية مثل السعودية، مثل قطر، مثل تركيا، أنها تستطيع أن تقنع موسكو أن تبتعد عن دمشق. وحصلت هذه الزيارات كما نلاحظ السنة الماضية أو هذه السنة، وجرى تقديم إغراءات هائلة لموسكو على مستوى شراء السلاح، على مستوى العلاقات التجارية، الاقتصادية، ضمان مصالح روسيا في سوريا وفي المنطقة، كلها كانت محاولات لإقناع الروس بأن: اخرجوا من هذا الموقف ونحن نضمن مصالحكم. هذا لم يؤدّ إلى نتيجة، في مكان ما إذا أريد أن أكمل الصورة، كان هناك ناس يعتقدون أن الروسي ليس حاسماً في موقفه إلى جانب الرئيس بشار الأسد، وكان ينقل كلمات أحياناً قد تفيد أنه يوجد هذا الالتباس.
الآن، المقطع الثاني، هناك مستجدات مهمة، موضوع أوكرانيا مهم وأداء الغرب عموماً والأمريكان مع الروس كان أداء قاسياً ومهيناً، هذا من جهة.
اثنين، يرجع أيضاً الاتفاق النووي الإيراني، إذا كنتم تذكرون قبل سنوات، جاء الأمريكان وأنشأوا شيئاً في أوروبا الشرقية، ببولندا بالتحديد، اسمه الدرع الصاروخية. موسكو اعتبرت أن هذا يستهدف روسيا وأمنها القومي، الأمريكان قالوا لهم لا، هذا الموضوع له علاقة بإيران، لأننا نحن نتهم إيران أنها تريد أن تصنع سلاحاً نووياً، ونحن نحتاج لهذه الدرع الصاروخية بسبب إيران.
لما صار الاتفاق النووي، إيران و5+1، قال الروس للأمريكان: حسناً، هذا الموضوع انتهى، لا يوجد سلاح نووي وهذا اتفاق وعولج الموضوع، تفضلوا انزعوا الدرع الصاروخية، ولكن الأمريكان لم ينزعوا الدرع. هذا زاد قلق الروس. "طحشة" الناتو في أوروبا الشرقية، الآن، الآن، هو على حدود روسيا، يعني لم يعد هناك فواصل بين الحدود الروسية وبين أماكن حضور الناتو بشكل مباشر، هذه عوامل يجب أن تأخذها الآن بعين الاعتبار.
حسناً، أيضاً، هناك شيء مهم جداً، الذي اسمه موضوع داعش والذي اسمه الإرهاب، هناك جزء كبير ممن يقاتل في سوريا، خصوصاً في شمال سوريا، هم من الشيشان، من داغستان ومن تلك المناطق، وتركيا أمّنت لهم المعبر الآمن، أصبح عندهم معسكرات وعندهم تشكيلات وعندهم قدرات ويخوضون معارك، هؤلاء غداً إلى أين سيعودون؟ إلى دول الاتحاد الروسي، وبالتالي سيهددون الأمن القومي.
فشل أميركا وفشل التحالف الدولي في الحاق الهزيمة بداعش كان أحد الأسباب التي دعت أو حفزت روسيا أن تأتي أيضاً وتحضر بشكل مباشر.
معلوماتي أنا، أن هذا الموضوع يناقش منذ عدة أشهر، روسيا دعت إلى تحالف جديد في مواجهة الإرهاب على أن يضم هذا التحالف إيران والعراق وسوريا، باعتبار أن التحالف الآخر موجودة فيه الدول المعروفة زائد السعودية وبعض دول الخليج، والعراق موجود لأنه عُمل من أجل العراق. إيران وسوريا خارج التحالف، وتركيا أيضاً كانت خارج التحالف. الروسي جاء وقال: يجب أن نقيم تحالفاً دولياً جديداً يضم إليه إيران وتركيا وسوريا.
- إلى جانب الولايات المتحدة والآخرين؟
سماحة السيد نصرالله: إلى جانب كل الدول. طبعاً أميركا لا تقبل، تعتبر مشكلتها مع النظام في سوريا، الآن بمعزل عن الموقف الإيراني، أنه يقبل أن يكون جزءاً من تحالف موجودة فيه الولايات المتحدة الأميركية وهو لا يقبل أن يقاتل في جبهة في العراق إذا كان الأمريكان لهم علاقة بهذه الجبهة، هذا بحث آخر.
طبعاً تركيا والسعودية لم تتجاوب، أولئك عندهم تحالفهم، فركب نواة، طبعاً ليس تحالفاً بمعنى تحالف في كل شيء، تحالف ضد داعش، في محاربة الإرهاب، روسي، عراقي، إيراني، سوري.
- حزب الله.
سماحة السيد نصرالله: لا، لا، نتكلم الآن دول.
وحصلت لقاءات بين قيادات كبيرة جداً، بين هذه الدول، لقاءات في طهران، في بغداد، في دمشق وفي موسكو، وهذا الأمر منذ عدة أشهر، طبعاً الأمريكان والغرب والسعوديون والأتراك ودول المنطقة تعرف بهذه اللقاءات، صحيح هي لم تُصور بالإعلام لكن أخبارها لم تبقَ مخفية. وكان هناك نقاش جدي لتشكيل حلف حقيقي وقوي على مستويات مختلفة ومواجهة مشتركة لكل حالات الإرهاب الموجودة في المنطقة. إذاً الموضوع يعدّ له من عدة أشهر، ليس "ابن ساعته الحالية".
لذلك نحن نعتبر أن الدخول الروسي الآن له هذه الأسباب المباشرة والأسباب العامة التي حكيتها بالمقطع الأول، وهذا ترجمة لشيء قلناه قبل عدة سنوات. لما صاروا يقولون إن دمشق تسقط وسوريا تسقط وقلنا إن سوريا قادرة أن تصمد وأن حلفاءها لن يتخلوا عنها، هذه الترجمة.
الجديد، يعني اليوم، بالعسكري هو هذا وأيضاً بالسياسة، أن الموقف الروسي في موضوع الرئيس بشار الأسد لم يعد هناك التباس، أنه والله بين الرئيس بوتين وبين الخارجية وبين المجلس وفلان قال ذلك، انتهى الموضوع.
حتى في الجمهورية الإسلامية كان الأمريكان يحاولون أنه مثلاً ممكن أن يجدوا أحداً في إيران يقبل معهم بفكرة البحث عن بديل أو خيارات بديلة أو ما شاكل. أنا أعتقد أنه في هذه اللحظة الحالية الموقف الروسي حاسم جداً، والموقف الإيراني حاسم جداً، وهذا تطورات الميدان أيضاً كان لها هذه الأحداث، التي قلناها قبل قليل، تركت تأثيرها على الموقف الدولي بشكل عام.
- إذا كنا نريد أن نتكلم سماحة السيد بالموقف، يعني الموقف الرسمي لحزب الله، ما هو موقف حزب الله، وباعتباره موجوداً أيضاً على الأرض السورية، وهو بالتالي شريك بكل هذه المعادلة، ما هو موقفه من هذا العنصر المستجد، من الدخول الروسي المباشر والواسع على خط الحرب؟
سماحة السيد نصرالله: نحن نرحب بأي قوة تدخل وتساهم وتساند هذه الجبهة، لأنها من خلال مشاركتها سوف تساهم في إبعاد الأخطار الكبرى التي تتهدد سوريا وتتهدد كل المنطقة. يعني بناءً على فهمنا لطبيعة المعركة القائمة في سوريا وأهدافها والمشروع الذي يعمل عليه والأخطار التي تمثلها بالنسبة لسوريا ولبنان وفلسطين والعراق وحتى منطقة الخليج وكل المحيط، نحن نعتبر دخول العامل الروسي أو أي عامل آخر نعتبره إيجابياً ومسانداً ومساهماً وتترتب عليه نتائج كبيرة جداً إن شاء الله.
طبعاً حاول بعض وسائل الإعلام، بعض الجهات، أن يقولوا أن هناك موقفاً سلبياً أو هناك "نقزة" أوهناك قلقاً، هذا غير صحيح، هذه الحركة الروسية كانت منسقة في إطار ـ بالحد الأدنى ـ الدول الأربعة التي تكلمت عنها قبل قليل.
- يعني ألا يأتي هذا الوجود أو الحضور الروسي الواسع في سوريا على حساب النفوذ الإيراني؟
سماحة السيد نصرالله: لا، أصلاً لا يوجد نفوذ إيراني في سوريا، يعني إيران ماذا تريد في سوريا، حتى نقول أن التواجد الروسي يزاحمها أو ينافسها. إيران كل ما تريده في سوريا أن تبقى سوريا في محور المقاومة وأن يصمد هذا النظام وأن لا يسيطر التكفيريون على سوريا، طبعاً هي تؤيد الإصلاحات في سوريا والتطوير السياسي والاجتماعي في سوريا، لا نقاش فيه، وإلا إيران لا في السابق ولا الآن تتدخل في أي شأن من الشؤون السورية الداخلية، طبعاً خلافاً لما يقوله بعض الإعلام الخليجي، يقول لك إن الحرس الثوري يحتل سوريا، هذا كلام فارغ، أو أن الإيرانيين هم يديرون ويقررون ويفعلون ما يشاؤون، أبداً، القيادة والإدارة في سوريا والقرار في سوريا هو سوري مئة بالمئة، الإيراني كل همه وغمه في سوريا هو عدم السماح بأن تسقط سوريا في يد هذه الموجات التكفيرية التي تهدد الجميع، يعني لا يوجد منافسة.
- هل لديكم أي معلومات حول حجم الانخراط العسكري الروسي في سوريا، يعني يحكى تارة عن قواعد جوية طوراً عن مستشارين بعدد كبير، ما هو شكل التطور في الحضور الروسي؟
سماحة السيد نصرالله: الآن دعنا لا نعطي أرقاماً، لأنه ما زال يكتمل، يعني لم يكتمل بعد، لكن هذا أصبح معروفاً أنا لا أكشف سراً أن هناك أعداداً معتد بها من الطائرات الحربية المتطورة جداً، يعني طائرات حربية، هليوكبتر أيضاً، صواريخ دقيقة الإصابة، مدافع أيضاً دقيقة الإصابة، إمكانات متطورة جداً جاءوا بها مع أطقم. الآن العدد والأطقم يبان كله لاحقاً. لكن هناك حضور ـ المقدار الذي نعرفه حتى الآن ـ بالتأكيد سيكون مؤثراً في مسار المعركة القائمة.
- وهل هذا التدخل الروسي قابل للتطور في المدى الأطول، بمعنى هل يمكن أن نرى يوماً ما قوات روسية برية تقاتل إلى جانب الجيش السوري؟
سماحة السيد نصرالله: ممكن، هم أعلنوا ذلك، هم قالوا إذا طلبت منا دمشق أن نرسل قوات نحن جاهزون، لكن حتى الآن هذا الطلب السوري لم يحصل، وهذا يمكن أن يحصل في أي وقت.
- ماذا عن الموقف الأميركي ـ سماحة السيد ـ من التدخل الروسي في سوريا، أيضاً كأن الأميركيين عندهم بعض الإرباك، ساعة تسمع أن هناك تفهّم، مرة أخرى تسمع أن هناك انتقاداً وقلقاً، وفق فهمك للأمور ما هي حقيقة الموقف الأميركي؟
سماحة السيد نصرالله: أنا أعتقد أن الروس فرضوا أنفسهم، الأميركان ليسوا من النوع الذين يفتحوا مجالات للضعاف، يعني إذا كنت تتكلم مع الأميركان كعاقل وتطلب أن يكون لك دور وأن يعطوك مساحة أو هامش، لا هم لا يعملون هكذا، يعني هم "بدفشوا تدفيش" الأميركان، عقل الهيمنة والاستكبار والتسلط هو الحاسم والزنود عند الأميركان.
الروس استفادوا من هذا التطور، هم يقرأون جيداً، عرفوا أن الموقف الأوروبي يتحول ويتبدل، رأوا الفشل الأميركي والدولي في مواجهة داعش، هذا الخطر يكبر، جاءوا وفرضوا أنفسهم على المعادلة. هنا الأميركي تلبك، طبعاً الأميركي برغماتي، لما يفرض عليه أمر واقع يعبر عن قلقه، عن استيائه، عن انزعاجه، عن مخاوفه، ولكن يتعايش معه ويحاول أن يقلل الخسائر ويوظف هذا الواقع الجديد بما يخدم رؤيته أو مشروعه. ولذلك ترى الموقف الأميركي ملتبساً ومرتبكاً.
لكن فكرة أن الذي قيل ببعض وسائل الإعلام أن الروس والأمريكان متفقون على كل شيء له علاقة بسوريا وله علاقة بالمنطقة وفي هذا السياق جاءت القوة الروسية إلى سوريا، هذا لا نوافق عليه، هذا كلام، تحليل ليس له أي معطيات.
- هل تؤيدون في هذه المرحلة تحديداً توسيع الشراكة في محاربة داعش بحيث تضم، مثل ما كنت تقول قبل قليل، الروس والإيرانيين والعراقيين وحزب الله إلى جانب الأميركيين وحلفائهم؟
سماحة السيد نصرالله: الآن هناك فرق بين الأمريكان وحلفائهم، يعني والله مثلاً إذا دخلت الدول الإقليمية في مواجهة الإرهاب، هذا ممتاز جداً. يعني مثلاً، تركيا، أصلاً تركيا ليس هناك داع أن تدخل في مواجهة الإرهاب، يكفي أن تقفل الحدود على الإرهابيين الذين يأتون من كل أنحاء العالم وهي تسهل دخولهم إلى سوريا، ويكفي أن تقطع عنهم المال والسلاح والمدد، ويكفي أن توقف بيع النفط الذي يدر المال على داعش وعلى غير داعش، هذه أكبر خدمة تقدمها تركيا في مواجهة الإرهاب. أيضاً بقية الدول العربية التي تقدم المال والسلاح وتفتح الحدود وتسهل خروج المقاتلين وإعلامها أيضاً يدعم، يعني أنا أتهم بعض الفضائيات العربية المعروفة، أنه لا هي داعش، هي تدعم داعش بشكل غير مباشر، من خلال طريقتها في تقديم الأخبار والتحاليل وإلى آخره.
على كل حال، أما الأميركان، لا الموضوع مختلف، نحن لا نثق بالأميركيين في محاربة الإرهاب أبداً، نحن نعتبر أن الأميركيين أولاً هم إرهاب، الإدارة الأميركية يعني، ليس الشعب الأميركي، هي رأس الإرهاب، هي دولة إرهابية وإدارة إرهابية وهي غير مؤهلة لا أخلاقياً ولا إنسانياً ولا سياسياً لمحاربة الإرهاب. ثانياً، أن هي غير جادة في محاربة الإرهاب الموجود الآن فعلاً، داعش والنصرة وغيرها، بل هي توظف هذه الحالات لخدمة مشروعها، هي ليست جادة، وهذا طبعاً بالآراء واضح ومبان.
- سماحة السيد بالانتقال إلى الوضع الميداني السوري، الزبداني تتصدر الواجهة والمواجهة، لماذا الزبداني، يعني هذا السؤال الذي يخطر على البال تلقائياً، لماذا ذهب حزب الله إلى الزبداني، كان حسب معرفتنا وحسب ما أنتم كنتم تعملون على الأرض، كان هناك معركة مفتوحة في جرود القلمون وعرسال، كنا نواكبكم، فجأة فتحت معركة الزبداني، حتى قبل أن تنتهي معركة الجرود، لماذا؟
سماحة السيد نصرالله: هناك شيء له علاقة بغير المساعدة داخل سوريا، هناك شيء نحن اعتبرناه من بداية التدخل في الوضع السوري أن هذا له أهداف مشتركة، لبنانية ـ سورية، بدءاً من معركة القصير وصولاً إلى القلمون، وصولاً إلى جرود عرسال، طبعاً كان من جهة الشمال حسمت المعركة. نحن بالحد الأدنى، نحن نطمح إلى أن تكون كل الحدود اللبنانية ـ السورية ممسوكة، وإبعاد الجماعات المسلحة عن الحدود اللبنانية السورية، وهذا طبعاً يحمي لبنان ويحمي اللبنانيين ويحمي كل البلدات والمدن اللبنانية ويخفف العبء على الجيش اللبناني الذي هو معني بالتواجد بشكل أساسي على الحدود.
حسناً، بعد إنجاز القصير جاءت القلمون، عندها لماذا القلمون ليس مكان آخر، لأن القلمون كانت مصدر السيارات المفخخة إلى الداخل اللبناني. انتهينا من القلمون الأولى نسميها، جاءوا إلى الجرود، ذهبنا إلى المرحلة التي بعدها على جرود القلمون وجرود عرسال، نحن في الحقيقة ـ تتذكرون ـ عندما تكلمنا عن هذه المعركة، أنا في التلفاز قلت ليس عندنا سقف مكاني، ليس عندنا سقف زماني، لكن نحن نعلم إلى أين نريد أن نصل، نريد أن نصل إلى المكان الذي وصلنا إليه بالتحديد. طبعاً، يبقى الهدف أن يأتي يوم من الأيام يحيث لا يكون هناك مسلح أو إرهابي في جرود عرسال أو في رأس بعلبك، هذا محسوم، هذا كهدف نهائي. لكن هدف العمليات التي قمنا بها، كان السيطرة على كل ما سيطرنا عليه وخصوصاً الجبال العليا والتلال العليا لأن هذا يؤدي إلى محاصرة بقية المسلحين في بقية الجرود وتخفيف مخاطرهم إلى الحد الأدنى الأدنى.
حسناً، بقي عندنا من المصنع لتسير مع الحدود اللبنانية السوري للبحر، بقي عندنا ما هو بأزاء الزبداني والزبداني. الزبداني باتت في الآونة الأخيرة تشكل تجمع لكل المسلحين الهاربين من المنطقة، تبقى تشكل أيضاً عبئاً على الحدود اللبنانية السورية والأهم تستطيع أن تشكل تهديداً وبدأت تشكل تهديداً على طريق المصنع - دمشق، هذا طريق دولي، بالنسبة لدمشق هذا موضوع مهم جداً، وبالنسبة للبنان هذا مهم جداً. فكانت معركة الزبداني أيضاً بحيثيات لبنانية سورية، يعني ليست بحيثيات لبنانية محضة، ولا بحيثيات سورية محضة، يمكن أن تقول إن معركة الزبداني بحيثياتها وملكاتها ومبانيها قريبة إلى معركة القصير، قريبة لمعركة القلمون. فصار النقاش والاتفاق أن الجيش السوري وأيضاً هناك قوات دفاع شعبي من أطر مختلفة، وهناك قوات من المقاومة، وضعت الخطة وشكلت غرفة عمليات مشتركة وبدأت المعركة.
- السؤال التالي، لماذا تعذر او تأخر الحسم العسكري في الزبداني التي بدت عصية عليكم كما قال بعض السياسيين والإعلاميين في لبنان، هل يعود الأمر إلى مقاومة شرسة أبدتها المجموعات المسلحة أم إلى حسابات واعتبارات خاصة بحزب الله والجيش السوري؟
سماحة السيد نصرالله: وأضف عليهم بعض الخبراء الاستراتيجيين أيضاً.
العملية - أنا أتيت بالتاريخ هنا معي - بدأت بالزبداني 1-7-2015، وبعد أقل من أسبوعين من بدء العملية، أصبح وضع المسلحين صعباً جداً، المعركة بدأت في مساحة واسعة جداً، صار هناك سيطرة على كل السهول والتلال المجاورة والدخول إلى المدينة بشكل تدريجي وأغلب المساحات تمت السيطرة عليها من قبل الجيش السوري والمقاومة. أصبح وضع المسلحين صعباً جداً، بدأوا بالاستغاثة.
حسناً، بطبيعة الحال التواجد الأساسي بمنطقة الزبداني وجوارها هو لجهتين، تنظيم اسمه حركة أحرار الشام وجبهة النصرة، هؤلاء لهم تواجد بمنطقة إدلب، محافظة إدلب، ماذا يوجد في محافظة إدلب؟ تقريباً المحافظة أغلبها فيها هذه الجماعات المسلحة باستثناء بلدتين سوريتين ما زالتا، يعني هم مواليتان للنظام، ما زالتا صامدتين، اسمهما الفوعة وكفريا. لما بدأ المسلحون يستغيثون، قيادتهم هناك اعتبرت أن المكان الذي يستطيعون أن يضغطوا فيه على الجيش والمقاومة بالزبداني هو الضغط على الفوعة وكفريا، وطرحوا معادلة الفوعة ـ كفريا ـ الزبداني، هذا حصل في 15-7، يعني بعد 14 يوماً تقريباً من بدء المعركة، لما بدأت الاستغاثات وصار أفق الزبداني واضحاً بأنها آيلة إلى السقوط العسكري.
أنا أحب أن أؤكد لك في البداية، قبل أن أدخل إلى المعادلة، أؤكد لك أنه كان يمكن للزبداني أن تنتهي عسكرياً منذ وقت طويل، يعني بـ16،17،18/7. لكن لما أتت هذه المعادلة، نحن عندما تناقشنا نحن وإخواننا السوريين وبالتنسيق معهم، اعتبرنا أن هذه فرصة، هذا ليس تهديداً، اعتبرناه فرصة والآن أشرح كيف. حسناً، معنى ذلك أنه لم يعد ضرورياً أن ننهي الزبداني بسرعة، يجب أن نطيل (مدة سقوط) الزبداني لنستفيد من فرصة الزبداني لحل مشكلة الفوعة، كفريا، التي أدخلوها هم على المعادلة.
يعني، دعني هنا آتي قليلاً على الفوعة وكفريا ومن ثم أعود للزبداني. فوعة – كفريا هما محاصرتان منذ أكثر من 7 أشهر 8 أشهر، طبعاً هم حصارهم قديم، لكن كان عندهم خط طريق على مدينة إدلب، عندما سقطت مدينة إدلب أصبحوا هم في حصار تام. الجماعات المسلحة دائماً هي تهاجم الفوعة – كفريا، يعني هي لم تهاجمها بسبب معركة الزبداني، دائماً كانت تهاجم الفوعة ـ كفريا وتقصف الفوعة كفريا وتحاول أن تجتاح البلدتين، وهناك مخطوفون وأسرى من أهل الفوهة ـ كفريا لدى الجماعات المسلحة. فهم اعتبروا هنا أنهم يستطيعون أن يضغطوا، حسناً، هناك مسؤولية عند النظام، مسؤولية النظام بالدرجة الأولى بسوريا، وأيضاً طبعاً له أيضاً عند حلفائه، أنه يجب أن نجد حلاً لمشكلة الفوعة ـ كفريا. الحل الذي كان دائماً يتم التفكير فيه والذي هو منطقي، هو إيجاد معالجة معينة لإخراج، لتسهيل خروج أهل الفوعة ـ كفريا إلى خارج المنطقة، لأن بقاءهم في المنطقة (يستدعي) إما أن يقبلوا بحكومة المسلحين، إذا قبل المسلحون أصلاً ببقائهم، وإما أن يخرجوا والأفضل لهم والآمن لهم أن يخرجوا من هذه المنطقة بعد سقوطها، الآن لاحقاً الأمور تعالج مثل كل الملفات في سوريا.
فكان هذا الموضوع يناقش، أن هذا كيف يمكن أن يتحقق، لما هم ربطوا الفوعة ـ كفريا بالزبداني، هنا قلت أنا، اعتبرنا التهديد، اعتبرناه ماذا؟ فرصة.
حسناً، صار يقال، إذا سقطت الزبداني نحن سنهجم ونأخذ الفوعة ـ كفريا، إذاً لما "نطوّل بالنا" على الزبداني نكون نحمي الفوعة ـ كفريا، فـ "نطوّل بالنا" على الزبداني مع استمرار الضغط من أجل التفاوض. مع ذلك، نحن كنا نضغط بالزبداني بحدود أن لا تسقط الزبداني، يعني القرار كان أن لا تسقط الزبداني قبل الوصول إلى اتفاق حول الفوعة ـ كفريا.
- إذاً كان قرار حزب الله ودمشق.
سماحة السيد نصرالله: دمشق وحزب الله.
طبعاً التفاوض والاتفاق يمكن أن يُنهي معركة الزبداني دون الحاجة إلى معركة عسكرية. هنا ذهبنا إلى التفاوض، إذاً الزبداني لم تكن عصية على الجيش السوري والمقاومة، الزبداني كانت في معرض السقوط المبكر، الاستغاثات كانت مبكرة جداً في الزبداني، لكن ولو فتح الطريق، يعني أساساً بالعسكر نحكي القليل من العسكر. في القصير المعركة كانت أخذت وقتاً قليلاً، لكن لما هم أيقنوا أنه لم يعد هناك أفق بالقصير هم فاوضونا وفاوضوا الجيش السوري، قالوا لنا افتحوا لنا طريقاً لننسحب، فتحنا لهم طريقاً فانسحبوا، هكذا سقطت القصير، الجزء الثاني من القصير.
بالقلمون، أصلاً بالدنيا كلها، بالعسكر، لما يحصل حرب، القوة المهاجمة التي تريد السيطرة على مدينة، أول شيء "تعمل حصار" لضرب إرادة القتال ومعنويات المقاتلين داخل المدينة، لكن إذا هدفها المدينة، فهي تفتح منفذاً لخروج المسلحين. هذا المنفذ لم يفتح للمسلحين وكان يمكن أن يفتح في أي وقت وتسقط الزبداني، لم يفتح لتبقى الزبداني فرصة لمعالجة موضوع الفوعة ـ كفريا طالما أنهم هم أوجدوا وقبلوا بهذه المعادلة وذهبوا إلى التفاوض.
- سماحة السيد نريد أن نقف مع فاصل أول، أريد أن أخبر المشاهدين أنه بعد الفاصل سيكشف سماحة السيد عن التفاصيل المتعلقة بالاتفاق الذي تم لإنهاء ملف الزبداني، كفريا والفوعة برعاية الأمم المتحدة، كل التفاصيل والأسرار المتعلقة بهذا الاتفاق بعد الفاصل.
المحور الثاني
- العودة مشاهدينا الكرام إلى متابعة هذا الحوار مع سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. سماحة السيد ما هي حقيقة الاتفاق الذي قيل إنه تم التوصل إليه برعاية الأمم المتحدة مع الفصائل المسلحة لترتيب وضع الزبداني في ريف دمشق وكفريا والفوعة في ريف إدلب؟ بداية حتى نمنهج الأمور، من كان يقود المفاوضات فعلاً، هل صحيح أن الإيراني كان يفاوض؟
سماحة السيد نصرالله: أنظر، بداية التفاوض كان، يعني القصة الكاملة إذا صح التعبير، السيد ديميستورا مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في الملف السوري كان في زيارة إلى طهران، تكلم مع المسؤولين الإيرانيين، قال إن هذه الجهات المعنية في المعارضة السورية المسلحة طلبت منا أن نتكلم معكم من أجل أن نقوم بوساطة ترتبط بالفوعة ـ كفريا ـ الزبداني، والفكرة كانت بالبداية فكرة بسيطة، وهي وقف القصف على الفوعة وكفريا مقابل وقف القصف على الزبداني، هم كانوا يقصفوا الفوعة ـ كفريا، فقالوا إنهم يوقفون قصف الفوعة ـ كفريا وأنتم أوقفوا قصف الزبداني، بدأت من هنا.
الإيراني هنا دوره وسيط فقط، هو لا يتخذ أي قرار وليس مفوضاً حتى من حليفه السوري باتخاذ القرار، لنكن واضحين، الإيرانيون اتصلوا بالأخوة السوريين، قالوا لهم هناك فكرة بهذا العرض. بعد التداول، طبعاً نحن طرف بالمشورة أيضاً، بعد التداول قيل إنه فلنطور الفكرة، يعني طالما هم يتكلمون عن معادلة من هذا النوع، ونحن إذا هناك فرصة أن موضوع الزبداني ينتهي وموضوع الفوعة ـ كفريا يتعالج مع حقن دماء من دون خسائر ومن خلال التفاوض فليكن، لماذا لا.
الإيرانيون حكوا هم والأمم المتحدة، فلنقل هنا مندوب الأمم المتحدة، أن النظام جاهز للتفاوض بالواسطة، يعني النظام لا يتفاوض مباشرة.
حول كل هذا الملف، الطرف الثاني قبل، صار هناك لقاء بتركيا بين الوسيط الإيراني ـ أعود وأؤكد هنا أن الإيراني وسيط لم يكن جهة مفوضة أن تأخذ قراراً ـ والأمم المتحدة ومندوبين عن الجماعات المسلحة. وخلال التفاوض، مراحل التفاوض المختلفة، كل ما كان يقدم في تلك الطاولة من أفكار ومن اقتراحات كان الوسيط الإيراني هو الذي كان معنياً بالاتصال بالنظام، ليست الأمم المتحدة، والأمم المتحدة معنية بأن تتصل بالمسلحين، يعني الإيراني لم يكن يتكلم مع المسلحين بشكل مباشر إلا على الطاولة، لكن خارج الطاولة لما يكون هناك تبادل آراء أو تبادل أجوبة أو أسئلة، كان الإيراني هو وسيط بين النظام وبين مندوب الأمم المتحدة، ومندوب الأمم المتحدة هو وسيط مع الجماعات المسلحة.
هكذا بدأ التفاوض، لذلك ما قيل في وسائل الإعلام وقتها إن هناك إشرافاً إيرانياً تركياً هو غير صحيح، التركي كان خارج الموضوع والموضوع كان يتابع مع الأمم المتحدة ومندوب الأمم المتحدة الموجود بتركيا. نعم بالآونة الأخيرة، والأتراك لم يكن لهم أي دور في عملية التفاوض، يمكن من خلف الستار يمكن كان لهم دور سلبي، الله أعلم، لأنه أحياناً كان يحصل اتفاق على مجموعة مبادئ أو أفكار، بعد ذلك الطرف الآخر يعدل فيها أو يعيد النظر فيها بحجة أن بقية الأطراف المعارضة لم توافق. لاحقاً قيل لنا إنه يمكن أن يكون هذا الموضوع عند التركي. بالآونة الأخيرة بهذا الاتفاق الأخير صار هناك اتصال مع الأتراك أيضاً من قبل الإيرانيين وتمني على الأتراك أن يعطوا دعماً إيجابياً أو توجيهاً إيجابياً لأطراف في المعارضة المسلحة، والجماعة قالوا نحن جاهزون أن ندفع الأمور بهذا الاتجاه الإيجابي. إذاً هذه أطراف التفاوض.
- في ما خص المضمون سماحة السيد، يعني ما هي بنود هذا الاتفاق؟ هل يلبي الاتفاق شروط المقاومة والجيش السوري، أم أنه ينطوي على تنازلات متبادلة؟
سماحة السيد نصرالله: هو يلبي شروط ويحل المشاكل عند الطرفين، مثلاً لو لم تكن معركة الزبداني لن تقبل المعارضة المسلحة بحل مسألة الفوعة ـ كفريا كما هي الآن، وأنما سيكون الحل عند الجماعات المسلحة الفوعة ـ كفريا هي أن يستسلم المسلحون مثلاً، من دون قتل، يستسلم المسلحون ويسلّمون أسلحتهم، ويقبلون بهذه السلطة، هذا إذا حكينا إنسانياً. وإذا على الذي شاهدناه في سوريا والذي شاهدناه أيضاً عن بعض الفيديوهات عن بعض مشايخ التيار التكفيري، الذي يحكي عن القتل والذبح وسبي النساء وتوزيع الغنائم وما شاكل، واضح ما هو الأفق الذي كانوا يفكرون فيه، وهناك خطابات لبعض القادة الكبار الذين خرجوا ليحكوا عن هذا الاتفاق، كان يهدد ويرعد بذبح أهل الفوعة ـ كفريا وبسبي نسائهم وبكذا وبكذا.
إذاً التفكير عندهم للفوعة - كفريا هو كان هكذا، معركة الزبداني - طبعاً هذا لا يعني أن النظام وحلفاءه ليس عندهم خيارات كان تحضر أو يفكر فيها أو تدرس لموضوع الفوعة - كفريا - هنا بين هلالين أنا أحب أن أوجه رسالة لأهلنا في الفوعة - كفريا أنه ولا لحظة من اللحظات وارد عند القيادة السورية وعند الحلفاء أن يتخلوا عن أهل الفوعة وكفريا، على الإطلاق، وهذا هم كما هو هم أي بلدة سورية قد تكون محاصرة أو تتعرض بذات الشيء الذي له علاقة بنبل والزهراء، ذات الشيء له علاقة بالحسكة، ذات الشيء له علاقة بالقامشلي، بكل الأماكن التي قد تتعرض لحصار ضيق أو حصار واسع، ممكن أن لا يكون حصاراً ضيقاً، لكن الطريق البري مقطوع عليه.
فهذا الموضوع لم يكن متروكاً، إذا موقعة الزبداني فتحت باباً أو فرضت على الطرف الآخر أنه بالنهاية عنده أعداد كبيرة من المسلحين إذا لم يقبل بحل، هؤلاء سيتعرضون جميعاً من خلال المعركة إما للقتل أو للأسر، مع العلم أنه أخلاقياً وأدبياً بهذه الجبهة لا يوجد شيء اسمه لا سبي نساء ولا سبايا نساء، بالعكس موضوع المدنيين وموضوع النساء والأموال كل هذا له احترامه الشرعي الكامل، المشكلة هي فقط مع المسلحين الذين يحملون السلاح ويقاتلون في إطار هذا المشروع.
حسناً، لما جاء هذا الاتفاق، هم عندهم مشكلة أن مسلحيهم بالزبداني محاصرون ولم يعودوا قادرين على الصمود، يعني إما أن يسلموا أنفسهم للجيش، وهذا لا يناسبهم، وإما أن يقتلوا في المعركة، وطريق الخروج غير مفتوح. جاء الحل، ماذا يفعل؟ أولاً، يعني لأقول من هنا ماذا سيحصل وهنا ماذا سيحصل؟ هذا النهائي، الآن "شو بدي" من سياق التفاوض، لأن هذا يحتاج للوقت وشرح طويل. لكن بسياق التفاوض أنا أحب أن أقول ملاحظة عامة، الأداء الميداني في الزبداني كان يراعي إعطاء فرصة للتفاوض أن تنجح. ثانياً، أنا أيضاً أريد أن أشهد، أن القيادة السورية كانت إيجابية بدرجة عالية في كل ما يمكن أن يؤدي إلى النجاح بهذا التفاوض. إذا كان يحصل أحياناً تعقيد بسبب الشروط غير المنطقية، ليس أنه غير منطقي، لا يمكن تنفيذها، يعني مثلاً بقي التفاوض معقد بمرحلة طويلة على أنهم يريدون بإطار المرحلة الأولى ألف معتقل من النساء والأطفال، لا يوجد ألف معتقل، من أين آتي له بألف معتقل؟! حتى أحد القادة يعني أحد المسؤولين السوريين الكبار قال ماذا يريدون أنزل على الشارع وأقبض على نساء وأطفال لأقول له هؤلاء ألف معتقل، يعني لا يوجد ألف معتقل، ليس أنه شرط يمكن تحقيقه والنظام هو لا يحققه، لا.
على كلّ، المحصلة الآن. من الزبداني ضمن الاتفاق، الاتفاق على مرحلتين، المرحلة الأولى تشمل ما يلي:
المرحلة الأولى تشمل، أولاً خروج المسلحين والجرحى من الزبداني. عفواً داخل المرحلة الأولى فيه دور إجرائي، هذا ليس لنا عمل فيه الآن. كل المسلحين يخرجون، يعني لن يبقى مسلح في الزبداني، وبالتالي الجيش سيدخل إلى هذا الكيلومتر مربع الذي بعده، يعني ليس الزبداني، الآن الجيش السوري في كل الزبداني، باستثناء كيلومتر مربع. فالزبداني ومحيط الزبداني وسهل الزبداني كل هذا يصبح تحت سيطرة الجيش السوري.
الجرحى أيضاً يخرجون، المسلحون والجرحى يخرجون إلى منطقة إدلب، طبعاً هذه إلى أين يخرجون؟ أيضاً أخذ جدلاً طويلاً، أنه على القنيطرة أو على درعا، فحسم باتجاه منطقة إدلب.
المدنيون في الزبداني، وإن كان بهذا الكيلومتر مربع الباقي يمكن هناك عدد ضئيل جداً من المدنيين، إذا كان هناك بعد مدنيين. لأنه ببداية العركة أُعطيت فرصة للمدنيين أن يخرجوا من المدينة، يعني هليكوبتر وزعت مناشير وحصل اتصال بالناس وخرج المدنيون. لكن بالزبداني، الموجودون في محيط الزبداني أو بمضايا أو ببلودان أو بريف دمشق، من يريد أن يخرج مع المسلحين إلى منطقة إدلب يؤمن له هذا الخروج. لكن النظام ليس عنده شرط اسمه يجب خروج المدنيين، لا، المدني بإرادته، يحب أن يبقى في الزبداني بالمنطقة يبقى يحب أن يغادر ليس هناك مشكلة. ولذلك هذه الادعاءات حول التغيير الديمغرافي هذا كلام ظلم، ليس له أي أساس.
ثانياً، هذا من هذه الناحية، إذاً الجرحى والمقاتلون هؤلاء قطعاً يخرجون جميعاً وعائلاتهم، من يرغب من العائلات بالخروج فليخرج. هناك بعض عائلات المسلحين بالزبداني التي دخلت إلى لبنان، صار هناك تعهد أنه نحن نريد أن نتابع مع الحكومة اللبنانية من أجل تأمين عودتهم أيضاً، وهذا ليس بمشكلة لأنه ينسجم مع سياسة الحكومة اللبنانية بأن يعودوا إلى بلدهم، هذا ليس بمشكلة، هو أنهم دخلوا خلاف القانون، يحصل تسوية.
بالمقابل، بهذه المرحلة الأولى، يخرج عشرة آلاف مدني من الفوعة - كفريا، يعني النساء من مختلف الأعمار، من الذكور ما دون 18 وما فوق 50، زائد الجرحى، الآن، هناك تفصيل بموضوع الجرحى، هؤلاء يخرجون أيضاً بشكل متقابل في المرحلة الأولى.
- إلى أين يذهبون؟
سماحة السيد نصرالله: إلى حيث يحبون، المهم يأتون إلى مناطق سيطرة الدولة السورية، هذا أصبح شأنهم، ناس ممكن أن يذهبوا على حمص، ناس على دمشق، ناس عند أقربائهم، يعني هناك ترتيب معين لهذا الموضوع،، هناك جهات معنية بترتيب هذا الموضوع.
وقف إطلاق نار خلال المرحلة الأولى، بعد تنفيذ المرحلة الأولى يحصل هناك هدنة لمدة ستة أشهر تشمل ـ طبعاً الزبداني تصبح منتفية لأنه لم يعد هناك مسلحون ـ بقين، سرغايا، مضايا، بمنطقة الزبداني، وبمنطقة إدلب، إذا تأخذ على الخريطة الفوعة - كفريا، البلدات المحيطة بها، مثلا ًإدلب، بنش، تفتناز، إلى آخره، الأسماء موجودة في الاتفاق. في هاتين المنطقتين يصبح هناك هدوء، يعني هدنة لمدة ستة أشهر.
الآن هناك تفاصيل أخرى، مثلاً على سبيل المثال، أنه يفتح الطريق للإغاثة، يعني الناس الباقون بالفوعة - كفريا، يجب أن يصل إليهم الأكل والشرب والدواء والمازوت والبنزين وكذا، ليس بالهليكوبتر مثل ما يحصل الآن، وإنما من الطرق العادية، لأنه بالاتفاق هناك تعهد بأن لا يقطع الطريق على الامدادات الغذائية والطبية وهذا ذات الشيء سيحصل على مضايا وسرغايا.
- بالنسبة للمسلحين الموجودين في الفوعة وكفريا، ماذا يحصل فيهم؟
سماحة السيد نصرالله: بالمرحلة الأولى هم موجودون بداخل الفوعة - كفريا، هناك تفاصيل أخرى، الآن ليس هناك داع أن نأخذ الوقت فيها، لكن هذا الشيء الجوهري والأساسي.
- هذا الاتفاق بضمانة الأمم المتحدة، يعني من يضمن التنفيذ؟
سماحة السيد نصرالله: الأمم المتحدة، ضمانة الأمم المتحدة.
بالنهاية، عمل جدول فيه تكافؤ، يعني جدول وهناك مراحل داخلة المرحلة الأولى بحيث أنه كلا الطرفين معنيان أن يكونوا جديين، والمناخ واضح، يعني أنا بحسب متابعتي التفصيلية، المناخ إيجابي.
- لكن بعض رموز الجماعات المسلحة المعنية بهذا الأمر أوحت من خلال إطلالات إعلامية وكأن هذا الاتفاق هو إنجاز لها؟
سماحة السيد نصرالله: فليتكلموا بالذي يريدونه، وكل واحد يستطيع أن يقدم الموضوع الذي يريده، نحن الذي يهمنا كنتيجة، هناك مشكلة إنسانية كبيرة اسمها الفوعة - كفريا، جزء منها يعالج بالمرحلة الأولى والجزء بالمرحلة الثانية على طريق الحل، الزبداني تعود إلى سيطرة الدولة، طريق المصنع دمشق يصبح آمناً، استكمال أمن الحدود اللبنانية - السورية، هذا كله يكون تحقق بالنتيجة من خلال هذا الموضوع.
المرحلة الثانية، تبدأ عند انتهاء المرحلة الأولى، تعود العالم وتتفاوض. بالمرحلة الثانية هناك نقاش له علاقة ببقية الفوعة كفريا الموجودين فيها، له علاقة بوضع مضايا وبقية المنطقة بالزبداني، هناك موضوع المعتقلين في المعارضة أو هم عندهم معتقلون عند النظام، أيضاً هم عندهم معتقلون للنظام، ضباط وجنود وأهالي، مدنيون موجودون عند الجماعات المسلحة، هذه من الموضوعات التي ستتم معالجتها بالمرحلة الثانية أيضاً من خلال التفاوض، ولذلك عندما عملت الهدنة هي لإعطاء فرصة لأن هذه المرحلة الثانية ستأخذ القليل من الوقت، يعني عندما تتكلم بالجداول وتتكلم بالأسماء، يجب أن تتثبت إن كان هؤلاء موجودين أو غير موجودين، ممكن أن يأخذ الموضوع القليل من الوقت.
- سماحة السيد بصراحة وشفافية وحضرتك معروف فيهم، هل كانت الكلفة البشرية لمعركة الزبداني باهظة على حزب الله وبالتالي هل سيخرج الحزب من هذه المعركة متعباً ومنهكاً أم لا؟
سماحة السيد نصرالله: أولاً الأرقام التي تتداول في وسائل الإعلام هي غير صحيحة، أقول لك نكتة من أربعة أيام، كان صار لها الهدنة بالزبداني، وقف إطلاق النار كان صار له يومين، يعني لم يكن هناك أي طلقة نار، لا بالزبداني ولا بالفوعة - كفريا، تلفزيون لبناني الحرف الأول من اسمه المستقبل، يقول كلفة غالية على حزب الله اليوم قتل له 17 مقاتل، هو أصلاً لا يوجد إطلاق نار بالزبداني، يعني أصلاً لا يوجد قتال بالزبداني، منذ أيام وضعوا لنا بالحسبة 17 مقاتل".
هناك ادعاءات غير صحيحة. ثانياً، لا هذه الكلفة هي كلفة متوقعة، بل هي أقل من المتوقع، لأن عدد المقاتلين داخل المدنية عدد كبير وهو كان تجميع لمقاتلي الزبداني ولأغلب المقاتلين، يعني عندما حصلت معركة القلمون الأولى والثانية إلى أين هرب هؤلاء المقاتلين، إما إلى الزبداني أو إلى بقية جرود عرسال. لا هذه معركة طبيعية وكلفتها طبيعية، وأنا أحب هنا فقط، إذا ما زال عندك شيء بهذا الملف، لأقول جملة في موضوع الزبداني.
- هناك نقطة أيضاً أثيرت في إحدى الصحف وانطلاقاً منها سأبني السؤال، ما مدى دقة الكلام عن أنه أنتم أبلغتم القيادة السورية بأن موقعة الزبداني ستكون الأخيرة بالمعنى الهجومي وأنه من الآن وصاعداً ستكتفون بالدفاع عن المواقع التي تتواجدون فيها؟
سماحة السيد نصرالله: غير صحيح، ليس له أي أًصل، نحن ما زلنا مثل ما نحن. حيث يجب أن نكون سنكون، في الدفاع أو الهجوم، لأن هذه المعركة لا تتجزأ، يعني هي الزبداني جزء من معركة كبيرة موجودة في سوريا والمنطقة، نعم لها خصوصية أنها قريبة من الحدود اللبنانية، نتكلم عليها بهذه الخصوصية. لكن المبدأ الذي انطلقنا منه سنكون حيث يجب أن نكون في هذه المعركة، هذا لا يوجد تخلّ عنه.
- ألا يمكن تعميم نموذج اتفاق الزبداني على جرود عرسال والقلمون؟
سماحة السيد نصرالله: ممكن إذا يفتحون هم، يعني مثلاً في مرحلة من المراحل كان صار هناك تفاوض من هذا النوع. انظر نحن ليس همّنا أن هؤلاء المسلحين نريد أن نتخلص منهم بأي ثمن، هناك موضوع الجغرافيا، هناك موضوع الأمن، هناك موضوع مجمل المعركة، هذا أساسي وحساس. حسناً، بالقصير، نحن كنا نستطيع، نحن كنا محاصرين القصير، كنا نستطيع أن نبقى محاصرين لها ومن بقي فيها نبقى نقاتله حتى نقضي عليهم جميعاً، لكن نحن فتحنا لهم طريق وخرجوا، وبعد ذلك هناك أماكن عندما وصلوا إليها وكان معهم جرحى وكنا نتفاوض، يعني حتى على الجرحى أن نجد لهم علاج بلبنان أو بسوريا أو ما شاكل. وبعد أن خرجوا إلى القرى الأخرى الني سقطت لاحقاً بيد النظام ولم يستطيعوا أن ينقلوا الجرحى نحن إسعافاتنا هي التي نقلت جرحى مقاتلي القصير وجاءت بهم إلى لبنان، طبعاً بالتنسيق مع الدولة اللبنانية، الذين نحن كنا نقاتلهم.
فلا، نحن منفتحون، والنظام بهذا الموضوع يتجاوب بدرجة كبيرة جداً بالأماكن التي نحن متواجدون فيها بشكل أساسي.
أحببت ملاحظة الزبداني التي أريد أن أختم فيها أقول، أن الذين قاتلوا في الزبداني إلى أول أسبوعين هم يقاتلون للأهداف التي ذكرتها قبل قليل، تحرير الزبداني من المسلحين، تأمين الحدود اللبنانية السورية، تأمين طريق المصنع - دمشق، وهذا جزء من المعركة الكبيرة التي في المنطقة. لكن بعد الأسبوعين، عندما اتخذ قرار أنه نريد أن ندير معركة الزبداني الميدانية بما يتناسب مع فرصة المفاوضات لمعالجة قضية الفوعة - كفريا، هنا طبعاً إدارة مختلفة للمعركة، الذين استشهدوا من الجيش السوري والقوات الشعبية ومن المقاومة، هم شهداء تحقيق الأهداف الأولى، وهم شهداء تحرير أهل الفوعة وكفريا، يعني هذا يجب أن يكون واضحاً. والشيء الثاني الذي يجب أن يكون واضحاً، أنه أيضاً هذه النتيجة ما كنا لنصل إليها لولا صمود أهل الفوعة - كفريا، صمود المدنيين الأسطوري، وصمود المقاتلين، لأن المفاوضات الأولى فشلت، المفاوضات الثانية فشلت، الذي أنجح المفاوضات الثالثة يا أستاذ عماد هو فشل هجومين كبيرين على الفوعة وكفريا، يوم الجمعة الذي مضى، مثل اليوم، ويوم السبت. يوم الجمعة آلاف مؤلفة من المسلحين هاجمت الفوعة - كفريا من كل الجهات، سبع حاملات جند مفخخة، انتحاريون حاولوا أن يكسروا الخطوط، حصلت معركة طاحنة جداً، وتجددت أيضاً يوم السبت. عندما فشل الهجومان، يعني صمود الفوعة - كفريا والثبات في معركة الزبداني وباب التفاوض الذي يأخذ ويعطي، هو الذي أوصل إلى هذه النتيجة التي نحرص عليها.
- سماحة السيد أريد أن أختم هذا المحور بسؤال استراتيجي لو سمحت، هل يخوض حزب الله الحرب في سوريا بالقناعة واليقين اللتين كان يتسلح بهما في مواجهة ولا يزال يتسلح بهما في مواجهة إسرائيل، أم أن التجربة السورية مغايرة كون العدو هنا ولو نظرياً يحمل، نظرياً، هوية عربية وإسلامية، أتكلم معك هكذا بالمستوى النفسي يعني للمعركة، ذات الشعور؟
سماحة السيد نصرالله: لا، أكيد، أكيد، أكيد، يعني عندما تقاتل الإسرائيلي شعورك مختلف، نحن عندما نقاتل في مواجهة إسرائيل نقاتل بفرح، هنا نحن نقاتل بحزن، هنا نتمنى لو لم تكن هذه المعركة، نتمنى لو لم تكن هذه الحرب على سوريا، نتمنى لو لم يتم استخدام هؤلاء الشباب الذين جيئ بهم من كل أنحاء العالم لخدمة مشروع هم لا يعرفون أنهم يخدمونه، كنا نتمنى لو يتم الاستفادة من هذه الأعداد الهائلة من المقاتلين لتحرير الأقصى وفلسطين والمقدسات. لا، هنا هذا قتال نحن مجبرون عليه بغصّة، أما مع الإسرائيلي لا، نقاتل عدواً مكشوفاً بفرح، لا يوجد أي تردد.
- لو عاد الزمن إلى الوراء، هل يتخذ حزب الله القرار ذاته بالتدخل العسكري في سوريا؟
سماحة السيد نصرالله: بالتأكيد، ولو عاد الزمن إلى الوراء لكان حزب الله عجّل، ولم يتأخر، يعني الآن يتضح أكثر من أي وقت مضى، أن الخيارات هذه، هذا المسار كان صحيحاً، وكل ما قيل في السنة الأولى، الآن العالم يعود إليه، الغرب والدول وشعوب المنطقة. ما هو سبب التحول اليوم، حتى بالعالم العربي، بالرأي العام العربي، بالدول العربية، هناك الكثير من التحول بالموقف اتجاه الأحداث بسوريا، لأن الأمور تقدمت بالسنة الأولى، في الأشهر الأولى، بطريقة غير صحيحة، وبطريقة مضللة، لكن مع الوقت أصبحت الأمور واضحة جداً.
- على كل حال من باب المزح والجد، البعض يقول هذه الأيام إن الروس على خطى حزب الله، أنهم بدأوا قليلاً قليلاً، والآن تمددوا في سوريا بنفس طريقة التدحرج التي حصلت مع حزب الله.
سماحة السيد نصرالله: ليس هناك مشكلة.
- سماحة السيد ننتقل إلى الجانب الإٍسرائيلي من كل ما يجري في المنطقة، هل هذه المعادلات الجديدة التي ترتسم في الشرق الأوسط من البوابة السورية تحديداً، تلحق الضرر بالمصالح الاستراتيجية الإسرائيلية على المديين المتوسط والطويل، أم أن تل أبيب هي المستفيد الأول والأكبر ممّا يجري في الإقليم، حتى نكون واقعيين، يعني هي ماذا تريد أفضل من ذلك التي تراه الآن، الناس كلها متداخلة في بعضها، كل أعدائها يتقاتلون؟
سماحة السيد نصرالله: هي المستفيد الأول وما زالت، لكن مسار الأمور كيف سيذهب، هذا يؤثر. يعني، ليس هناك شك، أنا تابعت الإسرائيلي وأتابعه عادة، الإسرائيليون بموضوع سوريا بالبداية لم يكن عندهم (رأي واحد)، يعني كان عندهم تناقض في الرأي أو تشتت أو عدم وضوح، بعد ذلك هم استقروا على رؤية تقول ما يلي، وهذه الخلاصة الرسمية الإسرائيلية، إن إسرائيل ما هي مصلحتها في سوريا؟ قالوا نحن لدينا خياران: الخيار الأول، أن ينتصر النظام ويبقى الرئيس بشار الأسد ويبقى الجيش السوري وبالتالي هذا انتصار لمحور المقاومة، حتى ولو كان هذا يعني أن سوريا ضعفت بطبيعة الحال، شهداء وجرحى وخراب ودمار واستنزاف للجيش السوري ووو.. واستنزاف أيضاً للمقاومة، لكن هذا كله يمكن أن يتم ترميمه وهذا يعني أيضاً إذا خرجت سوريا من هذه المعركة منتصرة فهذا يعني مزيداً من القوة لمحور المقاومة، هذا تهديد استراتيجي لإسرائيل.
الخيار الثاني، أن تنتصر الجماعات المسلحة الأخرى. الرؤية الإسرائيلية ماذا تقول، وهي رؤية واقعية، حتى لو كانوا الإسرائيليين، هم أيضاً يفهمون، لا بأس بهم، أن سوريا إذا سقط فيها النظام وانتصرت الجماعات المسلحة لن تقوم لسوريا قائمة لتشكل تهديداً لإسرائيل، لأنها ستبقى في تقاتل داخلي، كما هو الحال في ليبيا وفي غير ليبيا، وكما هو الحال في مناطق المعارضة المسلحة.
حسناً، هؤلاء المهاجرون، اللاجئون من سوريا، الأغلبية ليسوا من مناطق النظام، الأغلبية مهاجرون من مناطق المعارضة المسلحة، لأنه في مناطق النظام هناك جيش وهناك قضاء وهناك أمن وشرطة ودولة وهناك إدارات، هناك ما تريد، لكن بمناطق المسلحين هناك قتال دامي، بين الفصائل وبين التنظيمات المسلحة. فيقول لك إذا هؤلاء تقاتلوا بين بعضهم، فسوريا "خلاص لم يعد لها شغل معنا"، أولويتهم ستكون كل فريق كيف سوف يسيطر ويمحو الطرف الآخر. ولاحقاً إذا جاءوا ليهاجمونا، فإمكانية ضرب هؤلاء سهلة، وهؤلاء لن يكونوا حلفاء حزب الله الذي يشكل أيضاً عموداً فقرياً أساسياً في حركة المقاومة بالمنطقة، لذلك الإسرئيلي ضمناً هو مع الخيار الثاني، ليس مع الخيار الأول. يعني هو مع سقوط الرئيس الأسد، مع سقوط النظام، مع تفتت سوريا وتمزقها ودخولها في ظلام قتال الجماعات المسلحة فيما بينها.
حسناً، المسار الجديد، الذي بدأت الأمور الآن تأخذه، تحول بالموقف الدولي، بالموقف الإقليمي، مجيء الروسي إلى سوريا، هذا إذا كان يعني بقاء النظام، وهو يعني ذلك، لأنه الآن بالسياسة بدأ الحدث عن بقاء الرئيس الأسد، وعن حكومة وحدة وطنية، لم يعد هناك حديث عن مجلس انتقالي، لكن الآن سينزلون قليلاً قليلاً، يعني بالأول كان يقول لك شرط مسبق، الآن يقول لك ليس هناك مشكلة، يبقى في المرحلة الانتقالية لكن بروتوكولي، أيضاً هذه انتهت، يكون جزءاً من الحل ولكن في المرحلة الانتقالية،لاحقاً هذا يُعالج.
الإسرائيلي بالتأكيد لن تسعده هذه النتيجة، لأن بقاء النظام في سوريا، بقاء الرئيس الأسد في سوريا بالنسبة للإسرائيلي هو انتصار لمحور المقاومة الذي يشكل تهديداً استراتيجياً له.
- في هذا السياق ماذا تعني زيارة رئيس وزراء العدو بنيامين نتانياهو إلى موسكو في هذا التوقيت بالذات، وهل تعتقد أنه نجح في جعل الاندفاعة العسكرية الروسية في سوريا تراعي الأجندة الإسرائيلية؟
سماحة السيد نصرالله: الآن أنا ليس عندي معلومات خاصة، إنما الشيء الذي حكى الإسرئيليون أنفسهم عنه علناً، طبعاً أنا أعتقد أنه أولاً هو راح ليرى ما هو الأفق؟ يعني إلى أين يريد أن يصل الرئيس بوتين في سوريا؟ هذا واحد، يعني أولاً استطلاع عن قرب، ولذلك أخذ معه القيادات الأمنية والعسكرية المعنية.
اثنين، على ما قالوا في وسائل الإعلام، إن هناك موضوعاً يريد أن يأخذ ضمانة فيه، أن هذا السلاح الروسي الذي جاء إلى سوريا، أن لا يصل إلى يد حزب الله، هذا الحضور الإقليمي يعني، الإسرائيلي ذهب إلى موسكو ليطمئن على أن هذه الأسلحة الروسية التي جاءت إلى سوريا لا تصل إلى حزب الله.
- لكن هي وصلت، يمكن؟
سماحة السيد نصرالله: الآن، إذا وصلت أو لم تصل، لن أقول لك.
الشيء الثالث الذي يريد هو أن يناقش فيه، هو الوجود الروسي في سوريا والدفاعات الجوية وسلاح الجو، هذا كم سيمنع أو سيحد من هامش الحركة عند سلاح الجو الإٍسرائيلي. هذه الأهداف المعلنة للزيارة وهذا منطقي. لكن ما هي النتيجة التي وصلوا إليها، أنا الآن ليس عندي معلومات.
- يعني هل تتوقع أن تكون قدرة تل أبيب على التحرك ضد أهداف لحزب الله والنظام في الداخل السوري قد أصبحت محدودة قياساً إلى الماضي بعد تمدد المظلة الروسية فوق سوريا؟
سماحة السيد نصرالله: يعني بالحد الأدنى، القدر المتيقن لن تكون كما كانت، لكن هل ستنتفي أم كم سيكون هامشها، غير واضح عندي.
- قواعد الاشتباك التي حضرتك أرسيتها بعد الاعتداءات التي صارت على حزب الله في سوريا ما تزال سارية المفعول؟
سماحة السيد نصرالله: كل شيء ما زال قائماً.
- جبهة واحدة؟
سماحة السيد نصرالله: نحن على ما نحن عليه، ليس عندنا أي شيء جديد.
- بما أننا نتكلم عن ممارسات العدو الإٍسرائيلي لا بد أن نسألك عن رأيك في تمادي الانتهاكات للمسجد الأقصى في القدس المحتلة؟ أيضاً إلى أي حد تعتقد بأن إسرائيل تستفيد من هذا التشتت في العالم العربي كي تتمادى في انتهاكاتها للمقدسات والمحرمات من دون أن تخشى أي رد فعل؟
سماحة السيد نصرالله: واضح هي مستفيدة، ليس فقط بموضوع المسجد الأقصى، بكل الملف الفلسطيني، إسرائيل مستفيدة من التشتت العربي لتثبيت الاستيطان، الهيمنة، السيطرة، تهويد القدس، بل تهويد الضفة الغربية أيضاً، معاناة المعتقلين واضحة، الأفق واضح أن الإسرائيلي لا يعتبر أن هناك شيئاً اسمه عالم عربي. بل أنا بافتتاح المؤتمر العلمائي لما قلت إن الحكومات العربية باعوا فلسطين للإسرائيليين، خرج الإسرائيليون ليقولوا صحيح، الحكومات العربية باعتنا فسلطين وانتهى هذا الموضوع.
فليس هناك شك أنهم مستفيدين.
- ما هي الخيارات المتاحة لحماية المسجد الأقصى؟
سماحة السيد نصرالله: في موضوع المسجد الأقصى هم يعملون اختبارات، يعني هذا الذي يحصل هو اختبار، نحن نحكي من سنوات أن المسجد الأقصى في دائرة التهديد ، لكن الإسرئيلي يحاول أن يستغل ظروفاً معينة، معطيات معينة، يعمل اختبارات ليحقق مشروعه، حتى موضوع الاستيطان، لا يذهب مباشرة على المناطق الحساسة، يبدأ بالقضم، يقتحم اقتحاماً.
الآن مثلاً، الخطر الذي نتوقعه للمسجد الأقصى على المدى المتوسط أو البعيد هو الهدم، هم يريدون أن يهدموا أي أثر، أي مقدس إسلامي في هذه البقعة ويقيموا ما يسمونه الهيكل مثلاً. لكن هم يعرفون أن هذا الموضوع الآن صعب ومكلف، لذلك يذهب قليلاً قليلاً، يكسر حرمة المسجد، يكسر هيبته، يتعود الناس أن الإسرائيليين يستطيعون أن يفعلوا ما يريدون، وصولاً إلى ما يسمى الآن بالتقسيم الزماني والمكاني، يعني مثل ما فعلوا بالحرم الإبراهيمي مثلاً.
نعم هذا خطر جدي، الآن الخيارات المتاحة، موقف الفلسطينيين، المرابطين في داخل المسجد الأقصى، المقدسيين، الموقف ممتاز. صلاة العيد، عندما يأتون من كل الضفة كي يصلوا في المسجد الأقصى رغم المخاطر والتهديدات، هذا في الحقيقة ليس فقط صلاة، هي شكل من أشكال المقاومة والدفاع عن المسجد الأقصى. الإسرائيلي يعرف أنه إذا ذهبت الأمور على تهديد جدي للمسجد الأقصى قد تحصل تطورات في فلسطين وفي محيط فلسطين غير معلوم إذا كان يستطيع أن يتحملها في المرحلة الحالية، الآن لا يمكننا أن نفصل بهذا الموضوع، لكن إذا سألتني الآن بالسياسة ما الذي يمنع؟ الذي يمنع واضح، أن هذه الدول العربية والدول الإسلامية تستطيع أن تتكلم مع الأميركان، تتكلم مع الأوروبيين، أنه اعملوا معروف احكوا مع هؤلاء الجماعة "يقعدوا عاقلين: لأن هذا الموضوع لا يُلعب به، هذا ممكن أن يفجر العالم العربي والإسلامي كله في وجه إسرائيل، وفي وجه من يحمي إسرائيل أيضاً.
- يعني في حال تطورت الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية للمسجد الأقصى وذهبنا إلى أسوأ الاحتمالات مثل ما حضرتك متخوف، الهدم، بهذه اللحظ يعتبر نفسه حزب الله أنه معني مباشرة بالموضوع، معني بالمعنى العملي؟
سماحة السيد نصرالله: نحن جزء من المعنيين في المنطقة وفي هذه الأمة بهذا المقدس، وبالتالي في مواجهة التهديد الجدي أو لحظات الخطر نحن سنكون جزءاً من أي حراك حقيقي يعمل معادلة تحمي هذا المسجد، كيف بالتحديد، هذا ليس وقته أن نحكيه.
- سماحة السيد روجت مؤخراً بعض الأوساط العسكرية والإعلامية الإسرائيلية بأن الحرب مع لبنان وحزب الله آتية آتية، وقيل ـ أكثر من ذلك ـ إن الاستعدادات التي تقومون بها أنتم أيضاً هي تحت الرصد، هل فعلاً هذه الحرب حتمية وأوانها يقترب؟
سماحة السيد نصرالله: لا أحد يستطيع أن يقول إنها حتمية، حتى عندما يحكي الإسرائيلي عن حتميتها، يمكن أن يكون هذا جزءاً من الحرب النفسية، أو جزءاً من التحريض الداخلي، من أجل جهوزية الجيش ومن أجل الموازنة التي فيها مشكلة داخل الحكومة الإسرئيلية، موازنة الجيش.
الحرب ممكنة؟ نعم، هي ممكنة في أي وقت وممكنة في أي ظرف، لأن هذه هي إسرائيل وهذه طبيعتها العدوانية. فأنا لا أستطيع أن أتحدث عن حتمية الحرب ولكن أتحدث عن إمكانية الحرب، نعم هذه حرب ممكنة، لا أحد يستطيع أن يقول هي ليست ممكنة، ويمكن أن تحصل في أي وقت بسبب وبدون سبب، يعني الإسرائيلي والأميركاني عندما يركب عنده مشروع هو لا يحتاج إلى سبب، هو يستطيع أن يخترع السبب الذي يريده، وهذا يتطلب بالمقابل منا نحن، للدفاع عن بلدنا وعن شعبنا وعن أهلنا، أن لا نكون محكومين للتحليل السياسي، يجب أن نبني دائماً على أسوأ الاحتمالات. يعني أنا لا يمكنني أن اجلس هكذا والمقاومة تجلس وتقول الآن نظراً لأوضاع المنطقة والترتيبات وانشغال الأميركان ومصلحة اسرائيل، العالم متداخلة ببعضها وحزب الله يقاتل في سوريا إذاً حيث وحيث وحيث إذاً لا يوجد شيء، اذهبوا يا شباب أريحوا أعصابكم وناموا. ممكن أن يكون هذا التحليل صحيحاً، أنا لا أنفي.
- لكن لا تبني عليه؟
سماحة السيد نصرالله: لا نبني عليه ولا لحظة من اللحظات. في المقاومة البناء هو أن أي عدوان إسرائيلي، أي حرب إسرائيلية يمكن أن تحصل في أي لحظة من اللحظات بدون سبب أو لأي سبب من الأسباب التافهة، علينا أن نكون مستعدين وعلينا أن نكون جاهزين لنحمي بلدنا وشعبنا وأهلنا، وهذا هو مسار وعمل المقاومة في لبنان.
- هل لا تزال المقاومة بهذا المعنى تعمل على تعزيز ترسانتها العسكرية أم يمكننا القول إنكم وصلتم إلى مرحلة الاكتفاء والاشباع؟
سماحة السيد نصرالله: في مواجهة إسرائيل أنا لا أعتقد أن هناك مرحلة اسمها اكتفاء وإشباع، أنت تتكلم عن مواجهة عدو مسلح من رأسه إلى أخمص قدميه، أي سلاح، أي إمكانية، أي تطوير مادي أو بشري أو بالخبرة أو بنوع السلاح ممكن أن تحصل عليه المقاومة تفعل ذلك وتسعى لذلك، ولا يجوز أن تكتفي بسقف من الأسقف على الإطلاق.
- سماحة السيد نحن اقتربنا إلى نصل إلى نهاية القسم الثاني من الحلقة، أريد أن أسألك عن اليمن، اليمن أيضاً، بعد مرور ستة أشهر تقريباً على هذه الحرب، يبدو متأرجحاً بين كل الاحتمالات، ما هي توقعاتك بالنسبة إلى مستقبل الأحداث في اليمن في ضوء العدوان السعودي المستمر، وهل من أفق لحل سياسي أم يبدو أن هذا الأفق مسدود؟
سماحة السيد نصرالله: هناك اعتقد كبير الآن سائد بين المتابعين بضرورة انتظار معركة مأرب، فمعركة مأرب واضح الاندفاع فيها، اندفاعة كبيرة جداً، السعوديون لهم حضور مباشر، الإماراتيون، بعض الدول الخليجية الأخرى، البحرين أرسلت قوات، قطر أرسلت قوات. أنا معلوماتي أنه طبعاً استقدم، قد لا تكون قوات رسمية، قد تكون قوات رسمية لا أعرف، لكن من جنسيات متعددة، يعني مثل ما بعثوا إلى سوريا، الآن على أرض اليمن هناك من جنسيات متنوعة ومتعددة الآن تقاتل في اليمن وفي مأرب.
هناك كلام، هناك تقدير يقول إن هذه المعركة قد ترسم الاتجاه، صمود الجيش اليمني واللجان الشعبية في هذه المنطقة، وفشل الهجوم الذي حتى الآن فشل، يعني فشل وكانت خسائره ضخمة جداً، وخسائره بالقوات، الجيوش المشاركة، المرتزقة لم يظهروا بالاحصائيات، هؤلاء عادة لا يحسبونهم. حتى الآن الهجوم فشل، فإذا فشل هذا الهجوم ولم يعد له أفق، لم يعد عنده أمل، هذا قد يفتح الباب بشكل كبير أمام الحل السياسي.
طبعاً الميدان هو ميدان معقد، مثلاً الآن أنت ترى بحركة الجيش واللجان الشعبية، يعني يجب أن تأخذ المشهد ككل، البعض يأتي ويقدم لك موضوع عدن، أن هذا إنجاز وحسم المعركة، لا هذا لم يحسم المعركة، نعم هذا إنجاز، يعني نحن يجب أن نكون موضوعيين وواقعيين. وكان عبء المعركة في عدن عبئاً ضخم، أنت يجب أن تفترض ستة أشهر هناك الجيش اليمني واللجان الشعبية والقوى السياسية المؤيدة هي تحت الحصار منذ ستة أشهر، في البر والبحر والجو، وهناك جيوش وتكنولوجيا عالمية وتحالف يقاتل هؤلاء المحاصرين وحتى الآن هؤلاء ما زالوا صامدين. القوات المقابلة حققت إنجازات في الميدان، ولكن بالمقابل أيضاً الجيش واللجان الشعبية الآن هي في داخل الأراضي السعودية، بالسابق كانوا يأخذون مواقع وينسحبون منها، الآن على امتداد الحدود هناك مواقع دخلوها، ما زالوا فيها، هناك مدينة سيطروا عليها، هناك دخول في العمق السعودي، وأنا هنا طبعاً أستغرب أن المشاهد التي صار لنا من أشهر نشاهدها، تضعها تلفزيون المسيرة وتنقلها العديد من الفضائيات، أنه أي جيش في الدنيا، هذا الذي يترك هذه الدبابات والملالات والآليات والمواقع ويهرب، يعني هذا الجيش كيف يمكن تقييمه؟ على كل حال هذا يؤكد أن هذا الجيش قوته قوة جوية، لأن اليمنيين ليس عندهم القدرة الكافية لمواجهة سلاح الجو، لكن بالميدان واضح أن اليد العليا هي لليمنيين بشكل مباشر.
إذاً، هناك انجازات كبيرة، الآن القتال يختلف عن المرحلة التي مضت، في المحافظات الجنوبية، مثلاً هم خرجوا من عدن، بعض المحافظات اتفقوا هم والحراك الجنوبي، سلموهم إياها، انسحبوا منها، الآن الجيش واللجان الشعبية تقاتل في ظروف أفضل، جغرافياً، بالمساحة، بالديموغرافيا، بالبيئة الحاضنة، بمعرفة الأرض، بدوافع القتال بحجم تورط القوات المحتلة والغازية، بالمأزق الذي بدأ يبان في الجنوب، حيث خرج الجيش واللجان الشعبية الآن ومحاولة القاعدة وداعش وقوى أخرى السيطرة على تلك المناطق، التعقيد الميداني كبير جداً. طبعاً المعركة مستمرة الآن، ولذلك أنا أعتقد أن أفق الحل السياسي يكبر لكن هو مرهون بنتائج المعركة القريبة. حتى المجتمع الدولي، هو تحمّل وسكت وصمت وأيّد للأسف الشديد، يعين الاستباحة السعودية لليمن ولشعب اليمن ولكل شيء في اليمن، مسجد ومدرسة وجامعة وآثار تاريخية وأطفال ونساء وكبار وأسواق، لا يوجد مشكلة، يعني اليوم بعد الخسائر (التي تعرض لها المحتلون) في منطقة صافر، جاء وقصف البيوت بصنعاء، يعني انتقم من النساء والأطفال، لأنه هناك فشل، كان عنده فشل ذريع.
الحل السياسي مفتوح الباب إليه، والذي يعطل الآن الحل السياسي هو فقط السعودية، لأنها تريد شروطاً أفضل للتفاوض.
- سماحة السيد هناك سؤال يراود بعض اللبنانيين ومفاده، أنه إذا كان حزب الله يرى أن هناك ضرورات وجودية واستراتيجية تحتم عليه التدخل في سوريا التي تشكل عمقاً حيوياً له، فلماذا في المقابل تعتبرون أنفسكم معنيين إلى هذا الحد بما يجري في اليمن الذي يبعد آلاف الأميال عن لبنان، ولماذا ذهبتم بعيداً في معاداة السعودية، وربما أبعد من ما ذهبت إليه إيران حتى؟
سماحة السيد نصرالله: معركة اليمن معركة مختلفة، في اليمن من البداية هناك ظلم كبير جداً ناجم عن أن الجماعة في اليمن لم يقولوا نحن لا نريد علاقة مع السعودية، ولا نريد علاقة مع دول الجوار ولا نريد حلاً سياسياً، بالعكس قالوا نحن نريد حلاً سياسياً، ومن البداية قالوا نحن لا نريد كل السلطة، نحن نريد شراكة وطنية في اليمن. إنما كانت الحرب على هؤلاء في اليمن نتيجة خطهم السياسي، الذي له علاقة بالموقف من إسرائيل، له علاقة بالموقف من أميركا، من المشروع الأميركي في المنطقة، من الحضور الأميركي والإسرائيلي في المنطقة، وتأييدهم للمقاومة ولمحور المقاومة، ولذلك ماذا كان عنوان الحرب؟ أن إيران تبسط نفوذها في اليمن، وهذا غير صحيح وهذا كذب وافتراء، لكن هذا يبين لك الوجه الحقيقي، أنه أنتم، لأن خياركم السياسي وخطكم السياسي هو خارج المشروع الأميركي والانصياع للشروط الاسرائيلية ووو... الذي يمثلها ما يسمى اليوم بالاعتدال العربي، نحن لا نسمح لكم أن تكونوا موجودين باليمن، ليست المعركة منع مثلاً أنصار الله أو قوى وطنية وإسلامية أخرى في اليمن من أن تشارك في السلطة، هم لا يريدوا أن يكونوا موجودين أصلاً.
- يعني هذا الذي دفع حزب الله إلى اتخاذ هذا الموقف المبدئي؟
سماحة السيد نصرالله: بالتأكيد نحن نعتبر أن المعركة باليمن مختلفة عن المعركة في ليبيا، المعركة في ليبيا جزء منها حرب داخلية بين الليبيين وصراع محاور، ليس لها علاقة بالموضوع الإسرائيلي لا من قريب ولا من بعيد، حرب اليمن لها علاقة بإسرائيل.
- سماحة السيد حتى نختم المحور الإقليمي، وأنا أعرف تأخرنا قليلاً عن الفاصل، لكن حتى ننظم الحلقة أفضل أن ننهي المحور الإقليمي الآن. البحرين، أيضاً إلى أين تتجه الأمور في البحرين وهل حجب غبار الحروب في المنطقة ما يجري في البحرين؟
سماحة السيد نصرالله: هو من مظلومية البحرين وشعب البحرين أنه من البداية، لما بدأ التحرك الشعبي أو انتفاضة الثورة الشعبية، سمّيها ما شئت، كان هناك أحداث كبيرة تحدث في المنطقة، هذا أكيد حجب (الحراك البحريني). ثانياً، هو الاتهام المباشر لهذا الحراك، يعني توصيفه طائفياً، أصبح كثر يعتبرون أنه أخذ خانة محددة ومحدودة. كان هناك رهان أن الشعب البحريني بالنهاية سيتعب، نعتقل قادته ورموزه وعلماءه وشبابه ونساءه، نقيلهم من الوظائف، نحرمهم من الجنسية، هذا كله يحصل، نقتلهم بالطرقات، نمنعهم أن يذهبوا منح طلابية، نحرمهم من المنح الطلابية، نفرض ضغطاً اجتماعياً، ضغطاً أمنياً وضغطاً نفسياً، وفي النهاية سيستسلمون. يعني في يوم من الأيام لما كان يحصل نوع من النقاش، وهذا أنا حكينه في واحدة من المقابلات، بزمن الأمير نايف مع أحد المسؤولين الإيرانيين، الأمير نايف هو يطرح حلاً لموضوع البحرين، ماذا الحل؟ أن ترجع الناس إلى بيوتها. مثلاً بسوريا، حتى النظام بسوريا هو لا يتبنى حلاً أن ترجع الناس إلى بيوتها أو حلفاء سوريا، بالعكس الكل يقول فليحصل حوار سوري - سوري، يحصل إًصلاحات، ويصبح هناك حكومة وحدة وطنية والمعارضة تشارك، طبعاً المعارضة غير التكفيرية.
لكن الحل المطروح للبحرين عند النظام بالسعودية والنظام بالبحرين أن ترجع الناس إلى بيوتها، وطبعاً المساجين يبقون في السجن، والذين سحبوا جنسياتهم انقطعت جنسياتهم، شيء غير منطقي على الإطلاق.
هذا الرهان طبعاً لم ينجح، الشعب البحريني يكمل، وسيكمل وأنا أقول لك، أنا أعرف جيداً إرادتهم ونَفَسهم الطويل وصبرهم وهمّتهم العالية، علماؤهم وشبابهم ونساؤهم وتوصيات قادتهم ورموزهم وعلماؤهم في السجون ـ المفترض أن الذين بالسجن يهبطون العزائم، بينما الذين في السجن هم الذين يعطون معنويات، أن أكملوا هذا الطريق وواصلوا العمل.
طبعاً سوف يأتي وقت بالنهاية، هذا النظام عنده مأزق حقيقي، يعني الآن مثلاً لما يصل النظام لأن يقول إنه يريد أن يشكّل حكومة مصغرة، بالمناسبة رئيس الحكومة يمكن أًصبح له 43 سنة رئيس حكومة، يعني أقدم رئيس حكومة في العالم، وحتى الملك نفسه لا يستطيع أن يقترب منه، معروف بالبحرين. فلماذا يريدون أن يشكلوا حكومة مصغرة؟ لمواجهة الأزمة المالية، هذا ليس له علاقة فقط بهبوط أسعار النفط، منذ متى البحرين معتمدة، كم هو تصدير نفطها. لكن في نهاية المطاف لما تكون البحرين مأزومة داخلياً وأمنياً وشعبياً واجتماعياً سيؤثر هذا على كل وضعها الاقتصادي والمالي.
بنهاية المطاف، النظام سيجد نفسه أمام واقع حقيقي، أنه لا بد من الحوار الوطني والتفاهم مع شعبه والوصول إلى معالجات تحقق مطالب هذا الشعب المحقة. أما الرهان على تعب هؤلاء الناس، وعلى مللهم وعلى تراجعهم هو رهان خاسر. مثلاً قبل أيام سماحة الشيخ علي سلمان الذي بالمناسبة محاكمته شكلية صورية، تصور محاكمة ممنوع أن يدافع عن نفسه، حسناً، لا يريد أن يتكلم يا أخي، ممنوع أن يتكلم، محامو الدفاع ممنوعون من أن يفتحوا فمهم ويتكلموا، يعني لا يوجد محاكمة مماثلة بالدنيا ، وأنا أعتقد السابقين الذين دخلوا إلى السجون وحوكموا من رموز وقادة تعرضوا لمحاكمات شكلية من هذا النوع.
الرسائل الذي بعثها (الشيخ علي السلمان) للشعب البحريني، طبعاً بقية العلماء والقادة والرموز، النفس العام هو نفس تداوم واستمرار، وبالنهاية هذا سيوصل لنتيجة على قاعدة المعروف، الشعر الذي يحكيه الجميع في المنطقة العربية "إذا الشعب يوماً أراد الحياة"، هؤلاء يريدون الحياة وبكرامة ويتحملون التضحيات والسجون والشهادة والظلم والمظلومية من القريب والبعيد ولكنهم سيفرضون خيارهم في نهاية المطاف.
- سماحة السيد نريد أن نريحك قليلاً ونتوقف مع فاصل آخر، مشاهدينا الكرام نتوقف مع فاصل نعود من بعده لمابعة الحوار، بالجزء الثاني سنغوص في المحور اللبناني، وسماحة السيد سيضع النقاط على حروف طاولة الحوار والرئاسة الجمهوية وغيرها من الملفات وسيقول كلاماً واضحاً وجريئاً في موضوع اعتماد مبدأ النسبية في الانتخابات النيابية والحراك الشعبي، انتظرونا.
المحور الثالث
- عودة مشاهدينا الكرام إلى متابعة هذا الحوار مع سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.
سماحة السيد بما أن الملف اللبناني يتأثر بما يجري في سوريا عضوياً، أحب أن أدخل إلى لبنان من البوابة السورية أيضاً، في ضوء كل الشروحات والتطورات التي تحدثنا عنها في الجزء الأول من الحلقة، هل تتوقع حلاً سياسياً قريباً في سوريا؟ واستطراداً، هل من معادلات جديدة تنتج الآن في الشرق الأوسط تحمل بصمة روسيا "made in Russia"؟
سماحة السيد نصرالله: هذان سؤالان.
السؤال الأول نستطيع أن نقول الآن أن فرص الحل السياسي تكبر في سوريا، يعني اليأس من تحقيق حسم عسكري للمحور الآخر، أمر مؤثر جداً. إذا شاهدت المشهد كله في سوريا، مثلاً درعا كم قالوا ستسقط درعا، ستسقط، (أطلقوا) عاصفة الجنوب، أُعلن عن فشل عاصفة الجنوب، طبعاً كانت كارثة بالنسبة للمعارضة المسلحة. الآن الثبات في الميادين المختلفة بأكثر من محافظة وبأكثر من منطقة واضح وكبير جداً.
على ضوء التطور الجديد العسكري أيضاً، من المفترض أن الأوضاع العسكرية في داخل سوريا ستتحسن لمصلحة النظام وليس لمصلحة الطرف الآخر، هذا سيعزز ويرفع من فرص الحل السياسي مع التحول، لأنه، للإنصاف، المشكلة الحقيقية التي كانت تمنع الحل السياسي هي الإرادة الخارجية.
بالنسبة للسوريين، أنا أعرف، حتى داخل المعارضة السورية، هناك الكثير من الناس يريدون حلاً. فقط بين هلالين، لما يحصل وقف إطلاق نار في الزبداني، الناس تتكلم مع بعضها، المقاتلون من هنا وهنا، فالناس كناس وحتى المعارضة، حتى الجماعات المسلحة الذين هم سوريين، ليس الذين أتوا من الخارج، السوري بنهاية المطاف وصل إلى محل أنه ما هو الأفق؟ الذي أتى من الخارج لديه مشروع مختلف.
أنا أعتقد أن الاستعداد السوري الداخلي للحوار والوصول إلى حل سياسي هو عالٍ جداً، الذي كان يمنع ذلك هو الجهات الخارجية، السعودية، قطر، تركيا، أميركا، فرنسا مثلاً بموقف حاد كان بهذا الموضوع، لأن هذه الدول لديها حساباتها في سوريا. الآن لما يبدأ الموضوع يتراجع، يعني هذه الدول تغير موقفها، تعيد النظر، تقرأ بواقعية أكثر، حتى بعض الدول العربية، السعودية مثلاً أولويتها ليس سوريا مثلما أولويتها اليمن، يعني التي كانت تدفع لهم الأموال من أجل أن يقاتلوا في سوريا، الآن إلى أين تأخذهم؟ إلى اليمن. السلاح الذي كانت تشتريه حتى تأتي به إلى سوريا، الآن ستأخذ جزءاً كبيراً منه على اليمن. يعني الآن الجيش واللجان الشعبية في اليمن هم يحملون عبئاً عن سوريا في الحقيقة، هي جبهات متكاملة.
على كل، فرص الحل السياسي أنا برأيي ترتفع.
- الشرق الأوسط يتغير؟
سماحة السيد نصرالله: نعم بالتأكيد. اليوم، مثلاً أنا آخذ شاهداً واحداً، ميركل ماذا تقول، ميركل لم تكن تتكلم هكذا قبلاً ، ألمانيا ليست شيئاً عادياً اليوم بالاتحاد الأوروبي وبالمجتمع الدولي، تقول: من أجل حل مسألة سوريا، يجب أن نتكلم مع روسيا ونواكبها، لا يكفي أن نتكلم مع الأميركان، ويجب أن تحضر قوى إقليمية في الحل مثل إيران والسعودية. أريد أن أٌقول قصة: إن هذه المنطقة هي ميدان تلعب فيه أميركا كما تحب وكما تشاء هي وحلفاؤها وأدواتها، سميهم ما شئت، وتركّب مشاريع وتضع بدائل للمشاريع وتفرض شروطاً وتفرض خيارات، هذا انتهى. اليوم لا أحد يستطيع أن ينكر التأثير الأميركي في المنطقة، لكن اليوم الروسي موجود، كان منكفئاً، الإيراني موجود، هناك قوى إقليمية موجودة مؤثرة وفاعلة، وهي لا تتلقى الأوامر وإنما تشارك في صنع الحاضر والمستقل، هذا المشهد الجديد. يعني خرجنا من القطب الواحد إلى تعدد الأقطاب.
- في ظل هذا المشهد الإقليمي والدولي سماحة السيد، هل من فرص واقعية لنجاح طاولة الحوار في لبنان أم لا؟ يعني اللبنانيون سوف يبقون عاجزين وسوف يبقون دون سن الرشد رغم أن دولتهم أصبح عمرها 72 سنة؟
سماحة السيد نصرالله: أن هناك أملاً، هناك فرصة، نعم، تحتاج بعض العمل.
- لكن هناك؟
سماحة السيد نصرالله: هناك أمل، نعم.
- يعني ليست طاولة لتقطيع الوقت؟
سماحة السيد نصرالله: ليس بكل الملفات، يعني هناك بعض الملفات ممكن أن نتوصل فيها لنتائج معينة. لكن بشكل عام، لا، الطاولة لها هدف وهناك جدية عند الرئيس بري والقوى المشاركة ونستطيع أن نصل لحلول معينة، ليس في كل الملفات، ببعض الملفات، وهذه الفرصة متاحة، أنا برأيي متاحة.
- بأي ملف تحديداً؟
سماحة السيد نصرالله: بكل الملفات متاحة، لكن طبعاً تحتاج إلى "زحزحة".
- حتى في ملف رئاسة الجمهورية؟
سماحة السيد نصرالله: نعم، حتى في ملف رئيس الجمهورية.
- سماحة السيد هناك من يقول إن لبنان الآن ليس أولوية لا سعودية ولا إيرانية، يعني هو موضوع على الرف أو بالبراد، وبالتالي في هذا الوقت الضائع والميت لا إمكانية إلا لمحاولة الحفاظ على الاستاتيكو الحالي ومنع اهتزازه إلى حين نضوج التسويات الإقليمية وتلقفها في لبنان، وكأن وظيفة طاولة الحوار هي هذه فقط لا غير، هل توافق على هذا التحليل؟
سماحة السيد نصرالله: لما عملت طاولة الحوار لم تعمل لهذه الوظيفة، يعني أنا أعرف خلفية دولة الرئيس نبيه بري، الذي هو المبادر الحقيقي في الدعوة.
- لستم أنتم من اقترحتم الفكرة؟
سماحة السيد نصرالله: لا، تعرف بعض الأطراف السياسية في لبنان يحبون، أن هذه الفكرة هي فكرة حزب الله طرحها على الأستاذ نبيه، لا غير صحيح، هذه فكرته، هو استشارنا مثل ما استشار بقية الجهات ونحن كنا مشجعين وكنا مؤيدين لهذه الفكرة. الرئيس بري، عندما طرح الموضوع، هو جاد وهو يأمل، ونحن عندما شجعنا أيضاً من موقع الجدية والأمل وليس من موقع تقطيع الوقت. لكن أقول لك إن طاولة الحوار تستطيع أن تصل إلى نتائج كبيرة؟ يعني هذا يمكن أن يكون فيه مبالغة.
الآن مثلاً بالتعبير التي تفضلت فيه جنابك، أنه ليس أولوية سعودية ولا أولوية إيرانية، دعني أجاوب على الأولوية الإيرانية. موضوع إيران ليس فيه مشكلة، سواء كان أولوية أو لم يكن أولوية، إيران من البداية إلى اليوم وستبقى هكذا، إيران لا تتدخل في أي شيء له علاقة بلبنان، لا تتدخل.
- البعض لا يصدق هذا الكلام؟
سماحة السيد نصرالله: "يصطفلوا".
حسناً، لما ذهب الفرنسيون إلى طهران، قالوا لهم تحدثوا مع الجماعة في لبنان، الفاتيكان مع طهران، تحدثوا مع الجماعة في لبنان، أي طرف يتكلم مع طهران بالموضوع اللبناني، (يكون الجواب) نحن ليس عندنا مشكلة فيما يتفق عليه اللبنانيون وانظروا الجماعة في لبنان. الإيراني لم يضع فيتو على شيء في لبنان، نحن حلفاء إيران، نحن نقرر بلبنان لبنانياً، يمكن أحياناً لا نستشيرهم، يمكن أحيانيً لا نعطيهم علماً، هم ليس عندهم مشكلة، يعني هم أصلاً عندهم من المشاغل ومن الهموم ما يكفيهم، ليس العلاقة علاقة أنه لم تخبرونا ولم تسألونا ولم تستشيرونا ولم تقولوا لنا، حتى هذا غير موجود. فلذلك لا يوجد مانع إيراني، الإيراني يثق بحلفائه هم يأخذوا القرار الي يريدونه.
يعني بكل صراحة أنا اليوم أنا أقول لك، في حزب الله مثلاً، تجتمع شورى حزب الله هي التي تقرر، لمن تصوت لرئاسة الجمهورية، هل تذهب إلى مجلس النواب أو تقاطع جلسة مجلس النواب، ما هو قانون الانتخاب التي تقبل فيه، من رئيس الحكومة التي تقبل به، مع من تتحالف، تنزل إلى الشارع أو لا، هذا الموضوع نحن معنيون به، لا أحد يتدخل فيه على الإطلاق من الطرف الإيراني.
الموضوع عند السعودي مختلف.
- كيف؟ أين الاختلاف؟
سماحة السيد نصرالله: يعني السعوديون يتابعوا التفاصيل ويتدخلوا بالتفاصيل، وحتى جماعتهم هنا يدخلونهم بالتفاصيل، يعني يسألونهم، يراجعونهم، يقولون لهم نعم، يقولون لهم لا، ولذلك بموضوع الرئاسة، واضح أين كانت العقدة.
- السعودية؟
سماحة السيد نصرالله: أنا على ذمتي أنا أعرف أنه في مكان ما، وهذا قلته سابقاً، أن الرئيس سعد الحريري كان هناك جو أنه يقبل بالعماد ميشال عون رئيساً جمهورية، هو من الممكن أن يقول لا، أنا لم أكن كذلك، طبعاً عنده مشكلة إذا قال أنا لم أكن هكذا، لأن الوقت الذي قضاه بالحوار مع العماد ميشال عون والتفاصيل التي دخلوا عليها توحي بالجدية. لكن المشكلة أن السعودي سابقاً وحالياً يتدخل، حتى لما كان السوري هو المقرر بالدرجة الأولى، كان السعودي شريكاً، وغير صحيح أنه لم يكن له علاقة بالموضوع الرئاسي.
- يردون عليكم سماحة السيد ويقولون، إذا كان السعودي يعطل الانتخابات الرئاسية في لبنان، عطلوا له التعطيل، انزلوا إلى المجلس، أنتم تقاطعون، يعني حزب الله والتيار الوطني الحر هو الذي يقاطع جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، يعني أفشلوا المؤامرة السعودية وانزلوا إلى مجلس النواب ودعوا العملية الانتخابية تأخذ مداها الديمقراطي، وهكذا ننتخب رئيساً
سماحة السيد نصرالله: هذا يستبطن إهانة لموقع رئيس الجمهورية، والاستهانة بالموقع، أنه أي رئيس، أي رئيس تتفقون عليه ماشي الحال، هذه إهانة لرئاسة الجمهورية، لموقع رئاسة الجمهورية، ببلد جزء من منطقة فيها تداعيات وتطورات وتحولات كبيرة جداً وخطيرة جداً، تقبل أن تأتي برئيس جمهورية أياً كان وكيف ما كان، يعني هكذا النواب يكونوا مؤتمنين؟ الأمانة الذي أعطاهم إياها الشعب اللبناني، أن يأتوا برئيس جمهورية، ممكن أن تقول لي أياً كان وكيف ما كان، يعني يُباع، يعني يُشترى، يعني يغيّر خطّه السياسي مثلاً برشوة معنية، أو إذا هدده أحد أو ضغط عليه أحد، في الوقت الذي يعاني فيه لبنان اليوم من أزمات داخلية خطيرة وفي وضع إقليمي صعب. لا، نحن بحاجة إلى رئيس جمهورية، يعني مرة نأتي نحن ونقول نريد العماد عون أو ندعم العماد عون، هو التعبير الثاني صح، ندعم العماد عون رئيساً للجمهورية، ونأتي ونركب المواصفات التي تنطبق على العماد عون، ليس هكذا، نحن هناك مجموعة مواصفات تنطبق على العماد عون. وحتى إذا يوم من الأيام فرضاً جاء العماد عون وقال أنا لم أعد أريد أن أكون رئيساً وأنا أقترح زيد من الناس، فيجب أن نرى هذه المواصفات هل تنطبق على هذا الزيد أو لا تنطبق، يمكن أن نتفق أو لا نتفق على البديل. طبعاً، هذا الآن غير مطروح، هذا الموضوع قراره عند العماد عون بالتحديد.
نحن نعتقد في هذه المرحلة، نعم لبنان بحاجة إلى رئيس، يكون جدياً رئيس قوي، شخصيته قوية، أصيل، متين، لا يباع ولا يشترى، لا يخاف من التهديدات الموجودة في المنطقة، لا يخضع، يأخذ ويعطي، وطني، المصالح الوطنية عنده مقدمة، عنده تمثيل حقيقي.
- ممكن أن يقول لك أحد ما سماحة السيد هذه المواصفات ألا تنطبق إلا على العماد ميشال عون؟
سماحة السيد نصرالله: لماذا، ممكن أن تنطبق على شخص آخر، ولكن الآن الأقوى تمثيلاً والأقوى حضوراً والمنطقي جداً والطبيعي جداً هو العماد عون.
- اسمح لي هنا أيضاً بسؤال افتراضي، إذا سلمنا أن العماد عون وصل إلى رئاسة الجمهورية، هل يمكن أن يعطي حزب الله لميشال عون الرئيس ما لا يعطيه لأي مرشح آخر، تحديداً في ما خص سلاح المقاومة والاستراتيجية الدفاعية؟
سماحة السيد نصرالله: هذه المواضيع ليس فيها مشكلة، لأنه نحن بالتفاهم الذي حصل بين حزب الله والتيار الوطني الحر قاربنا هذا الموضوع ووجهات نظرنا متقاربة، وهو الآن ليس رئيس جمهورية، يعني العماد عون الزعيم الوطني أو رئيس التيار الوطني تفاهمنا معه بموضوع الاستراتيجية الدفاعية وأخذ منا وأعطيناه وأعطانا ما ينسجم مع قناعات الطرفين وليس لها علاقة بموضوع رئاسة الجمهورية، هذا الموضوع ليس فيه مشكة على الإطلاق.
- لكن بمعزل عن العواطف والقناعات الشخصية سماحة السيد، بصراحة هل هناك فرص موضوعية وواقعية للعماد ميشال عون للوصول إلى رئاسة الجمهورية في ظل الظروف الحالية محلياً وإقليمياً ودولياً أم أنه لا يوجد فرصة ولكن أنتم تواصلون دعمه انطلاقاً من معيار أخلاقي أكثر منه موضوعياً؟
سماحة السيد نصرالله: لا، أخلاقي وسياسي وموضوعي ونحن نعتبر أن الفرصة ما زالت قائمة، نعم ما زالت قائمة وموجودة وكما أن الوضع الداخلي، الآن غيرنا يا أخي، نحن لا نربط شيئاً بالوضع الإقليمي، منذ أيام بعض النواب والوزراء يقولون المعركة الرئاسية تنتظر نتائج حرب اليمن، حسناً، ماشي، ننتظر نتائج حرب اليمن. أو تنتظر التطورات في سوريا، وكانت منتظرة الاتفاق النووي وانتهى الاتفاق النووي، والآن تنتظر اللقاء الإيراني السعودي الذي هو غير ظاهر بعد، إن كان هذا اللقاء يحصل أو لا يحصل. هم يربطون الموضوع بالوضع الإقليمي، إذاً مربوط بالوضع الإقليمي، نحن قراءتنا لوضع المنطقة وللوضع الإقليمي أن ظروفنا ستكون أفضل وأفضل وأفضل كلما تقدم الزمن، وأن الوقت يلعب لمصلحتنا وليس لمصلحة الطرف الآخر، ولذلك فرصته ليست فقط موجودة أنا برأيي تزيد، نعم.
- هذا كلام نوعي، خلافاً لبعض التحليلات التي تقول إن العماد عون ليس لديه فرصة وأنه في النهاية سوف يأتي رئيس لا من 8 ولا من 14 آذار، يعني فلسفة الرئيس التوافقي سماحة السيد لماذا ترفضونها، يعني بلد مثل لبنان فيه تعقيدات وتناقضات تحتاج إلى رئيس على مسافة واحدة من الجميع، في حين أن العماد ميشال عون محسوب على محور، يعني دائماً يصنف من قبل فريق 14 آذار بأنه محسوب على محور إيران حزب الله، مثل ما أنتم لا تستطيعون أن تنتخبوا سمير جعجع على سبيل المثال، هم لا يستطيعون أن ينتخبوا ميشال عون؟
سماحة السيد نصرالله: موضوع رفضهم للعماد عون ليس لأنه محسوب على هذا المحور وغير محسوب، هم يعرفون أنه غير محسوب، وأنا هنا لأنه طبعاً ندعم هذا الترشيح بمناسبة أنه نتكلم عن الانتخابات الرئاسية، أنا أعتقد من خلال تجربتي وعلاقاتي وتجربة إخواننا، لما نريد أن نوصّف العماد عون يطلع معنا أن هذا رجل مستقل جدياً ، لا يرتبط لا بدولة ولا بسفارة ولا بمحور ولا بأي جهة على إطلاق، ما اقتنع به أن العماد عون يأخذ قراراً ويمشي فيه، ويملك شجاعة أن يأخذ القرار وشجاعة أن يمشي بالقرار الذي أخذه.
محاولة أن يقدموه أنه تابع لحزب الله، هذا غير صحيح، تابع لسوريا، تابع لإيران، حتى هم لا يصدقون هذا الكلام.
أنا أريد أن أقول لك شيئاً، يوم الذي حصل لقاءات بين الرئيس سعد الحريري والعماد ميشال عون كان هناك نقاش بجو تيار المستقبل وبعض الجو في 14 آذار، الذي كان يقول فلنقبل بالعماد عون رئيس جمهورية، على قاعدة أن يأتي مثلاً الرئيس سعد الحريري رئيس حكومة ويركب البلد. واحدة من حيثياتهم ماذا كانت، أنه إذا وافقنا على العماد عون رئيساً جمهورية نستيطع أن نعمل لنخلفه مع حزب الله، هذا ماذا يعني، يعني أن نظرتهم الحقيقية للعماد عون أنه شخص مستقل وغير تابع لحزب الله، وكونه شخص مستقل ويناقش المسائل بمنظور مختلف بمرحلة من المراحل يمكن ببعض الملفات أن يحصل هناك خلاف بينه وبين حزب الله، مثلاً، بهذه الخلفية كانوا، "يعني يا ريت بخلفية جمع، بخلفية فتنة". ونحن لم يكن عندنا مشكلة، كنا نقول لبعض الذين راجعونا: أنتم اقبلوا بالعماد عون رئيساً جمهورية وليختلف معنا، ليس هناك مشكلة، تمام. لأنه أنا كجزء من الشعب اللبناني أو كقوة سياسية لبنانية، رجل بهذه المواصفات أنا يشكل لي ضمانة حتى لو كان هناك احتمال أن يحصل خلاف حول بعض القضايا أو بعض الملفات، أنحن متفقين على كل شيء؟ نحن حزبان ولسنا حزباً واحداً، نحن جهتان. لكن الثقة الموجودة، الود الموجود، التفاهم الموجود، التقارب النفسي، القراءات المتقاربة، هذا يشكل ضمانة حقيقية، وإلا الآن تسألني تقول لي أنتم تتخذون موقفاً، يعني عندك ضمانة أنك أنت والعماد عون إذا أصبح رئيس جمهورية ستتفقان على كل شيء، لا، نحن لم نصبح حزباً واحداً.
- سماحة السيد هل من سقف زمني لدعم العماد عون وربما من بعده تبدأون في البحث في إمكانية انتخاب رئيس توافقي أم لا ليس هناك مهلة والوقت مفتوح؟
سماحة السيد نصرالله: ليس هناك سقف زمني، لا. هذا الموضوع عند العماد عون، هو وحده الذي يأخذ القرار، طالما هو مرشح نحن معه. لما هو يقول، الآن، على طريقة الحاج أبو حسن رعد، ألف سنة، لما هو يقول أنا نتيجة الاعتبارات الفلانية والفلانية والفلانية سأضع ترشيحي جانباً وحاضر أن أناقش بمرشح آخر، عندها نريد أن نجلس ونناقش بالمرشح الآخر من هو، انتهى، يكون صار "سالبة بانتفاء الموضوع"، كما يقولون. لكن طالما العماد عون مرشح نحن معه بدون سقف زمني.
- ماذا لو فرضت التسوية الإقليمية رئيساً توافقياً في لحظة ما على غرار ما حصل في الدوحة، عندها هل سيستجيب حزب الله لهذه التسوية أم سيقاومها؟
سماحة السيد نصرالله: لا، في الدوحة ليست تسوية إقليمية فرضت، نحن الذين قمنا بالتسوية، نحن اللبنانيين قمنا بالتسوية.
- لكن بتدخل..
سماحة السيد نصرالله: لا، لا، الإقليم ساعدنا، لكن نحن اللبنانيين فيما بيننا اتفقنا على الخيار الذي اتفقنا عليه، جاء الغطاء الإقليمي عمل دعم ومساندة وغطى هذا الموضوع.
- الآن إذا اتفق السعودي والإيراني والأميركي والروسي على فلان في لبنان، يستطيع حزب الله أن يقول لا؟
سماحة السيد نصرالله: هذه فرضية، لأن الإيراني لن يتدخل في هذا الأمر، لن يسمي، لن يسمي، لا قبل الاتفاق النووي ولا أثناء الاتفاق النووي فضلاً عن ما بعد الاتفاق النووي. لا أحد يستطيع أن يفرض علينا رئيس جمهورية، كن واثقاً.
- حتى إيران؟
سماحة السيد نصرالله: حتى إيران، لأنها هي لا تعمل بهذه الطريقة.
- سماحة السيد انطلاقاً من الموضوع الرئاسي وبما أن هذا الموقع يشغله الرئيس الماروني، ما هي الرؤية الاستراتيجية لحزب الله العقائدي ذي الهوية الثقافية الواضحة، ما هي رؤيته إلى الوجود المسيحي في لبنان، إلى فلسفة الوجود المسيحي في لبنان، يعني كيف ترونه، شريكاً، مجرد مكوّن حضاري من باب التلوين، ماذا؟
سماحة السيد نصرالله: هو جزء، يعني عندما تقول مكون، يعني هو جزء من هذا الوجود، هو جزء أصيل، ليس طارئاً وليس عارضاً بل هو جزء أساسي ومؤسس ويجب أن يبقى ويجب أن يستمر ويعطي ميزة خاصة للبنان من بين كل الدول الموجودة في المنطقة. ولذلك هذا الجزء المكون لبنية لبنان، طبعاً هو المسيحي يقول لك نحن جزء مؤسس، ليست مشكلة، الآن لن نختلف على طبيعة التأسيس، جزء حقيقي، جزء مكون، جزء جوهري، وأيضاً له هويته الحضارية التي نحن نعترف فيها ونحترمها، وهذا الوجود يجب أن يستمر، هذا غنى للبنان، كما هو كل الطوائف في لبنان، يعني يجب أن نفكر كلنا في لبنان، لا أحد يفكر على الإطلاق بلبنان مشطوب منه الطائفة الفلانية أو الطائفة الفلانية، هذا خطر، لبنان المشطوب منه أي طائفة هو ليس لبنان، أصبح شيئاً آخر، تريد أن تبقي الاسم أو تغير الاسم يمكنك أن تأخذ راحتك.
- وأنتم تتفهمون الآن شعور المسيحي أو عند غالبية المسيحيين أن هناك تهميشاً لهم وهناك حاجة لانصافهم وإعادة إشراكهم في منظومة السلطة بشكل أقوى وأفعل؟
سماحة السيد نصرالله: صحيح، ولذلك نحن دائماً كنا نصر على موضوع حكومة الوحدة الوطنية، كنا نصر على التوافق، هذا كله يخدم المشاركة المسيحية الحقيقة، حتى نحن أيدنا وكنا حاضرين بمجلس النواب أن نصوت على قانون الانتخاب الذي أسموه القانون الارثوذوكسي، أو قانون اللقاء الارثوذوكسي الذي يشعر فيه المسيحي أنه هو يأخذ 50% صافي بأصواته. فأي طرح بالحقيقة يشعر المسحيين بانهم هم جزء مكوّن وشريك أساسي وحقيقي في لبنان نحن كنا متماشيين معه تماماً.
- سماحة السيد في ضوء الموقف الواضح والحازم الذي عدت وكررته الأن حضرتك حيال موضوع العماد عون يعني يبدو أن أفق طاولة الحوار في ما خص الملف الرئاسي سيكون مسدوداً لأن الفريق الثاني أيضاً حتى الآن ليس بوارد انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، إلى أين سيتجه النقاش حول هذا البند على طاولة الحوار؟
سماحة السيد نصرالله: ليست مشكلة، إذا لم نصل إلى نتيجة، هناك ملفات أخرى موضوعة على طاولة، مثل ما حصل في عام 2006، في عام 2006 فتح الملف الرئاسي، كان ما زال العماد اميل لحود في قصر بعبدا، وكان 14 آذار يريدون أن يعزلوه، وعملوا "حملة فل"، وفريقنا كان يرفض ذلك، وتناقشنا جسلة واثنين وثلاث وأربع، لم نصل إلى نتيجة بملف الرئاسة، انتقلنا إلى ملفات أخرى، ووصلنا إلى نتائج بالملفات الثانية. الآن ذات الشي، أصلاً لما أتى الفرقاء إلى طاولة الحوار، هناك عدة بنود، من يقول لك أنا أتيت إلى طاولة الحوار من أجل بند واحد،لا يتكلم الصحيح، من البداية الرئيس بري كان واضحاً، هذه طاولة الحوار، هؤلاء الناس الذين سيجلسون على الطاولة، وهذه بنودها. إذا لم نصل لنتيجة ببند الرئاسة يوجد البنود الأخرى، إذا لم نستطع أن نتفاهم على قصة الرئاسة، هل نترك المجلس معطلاً، نترك الحكومة معطلة، لا نعمل قانون انتخاب، لا نحل المشاكل الأخرى، لماذا؟ لا ندعم الجيش والقوى الأمنية، يعني البنود المتبقية نعمل عليها.
- هناك أولويات على طاولة الحوار سماحة السيد، يعني البعض يعتبر أن حل موضوع الرئاسة هو المدخل الإلزامي والوحيد لمعالجة بقية الملفات، والبعض الآخر وعلى رأسهم العماد عون وبعض حلفائه يعتبرون أنه يمكن أن نجد مخرجاً من خلال انتخابات نيابية أولاً على أساس النسبية، ثم انتخاب رئيس جمهورية؟
سماحة السيد نصرالله: بمعزل عن هذا يوصل وهذا يوصل، لكن لو افترضنا يا أخي هذا لم نتفق عليه وهذا لم نتفق عليه، هناك ملفات أخرى. يعني اليوم مثلاً، الحكومة معطلة، كان هناك عنوانان، العنوان الأول آلية عمل الحكومة، حلّت، والعودة إلى فكرة، رغم أنه طبعاً هناك أحد ما زال يحاول أن يخرب هذا الموضوع، لا أريد أن أقول اسمه، معروف من هو.
- ما هو الحرف الأول من اسمه؟
سماحة السيد نصرالله: ليس هناك داع. هناك من يقول إن القرارات بالحكومة تتخذ بالاجماع وإلا بالتوافق، إذا كان هناك مثلاً موضوع أو قرار معين، وقال مكونان أساسيان لا، الموضوع يؤجل، لا يؤخذ قرار فيه، يعني هذا كوضع استثنائي لأنه الآن ليس عندنا رئيس جمهورية، هذه حلت.
بقي موضوع التعيينات الأمنية التي يبحث لها عن حل، يأتي ويقول لك إن العماد عون هو الذي يعطل الحكومة، عمل أول مخرج قبل فيه العماد عون، عادوا وعطلوه، عمل ثاني مخرج، ليس العماد عون من يقدم المخرج، هناك وسطاء وبعضهم من الطرف الآخر، أول مخرج قبل به العماد عون، رفضوا، ثاني مخرج قبل به العماد عون، رفضوا، ثالث مخرج قبل به العماد عون، رفضوا. معنى ذلك أنه هو يقبل بالمخارج ويقبل بالحلول لكن هم لا يريدون أن يقبلوا أي حل، ويأتي ويقول لك إن الحكومة يجب أن تمشي وهذا الموضوع لن يعالج وأنتم تتحملون مسؤولية التعطيل. هذا لم يعد اسمه دولة مؤسسات ولا رجال دولة، أصبح اسمه تصفية حسابات وكسر لقوى سياسية، نحن لا نقبل أن تكسر بهذه الطريقة.
حتى آخر جلسة، كان هناك طرح على طاولة الحوار، وافق عليه الكل إلا الرئيس فؤاد السنيورة، لكن الجميع كان يسير بهذا الطرح، وأنه آخر شيء فلنفكر أكثر، لكن كان ممكناً أن يُعالج الموضوع قبل أن يسافر الرئيس سلام إلى الولايات المتحدة الأميركية، أيضاً حصل تعطيل لهذا الموضوع. هذا الموضوع يعالج على طاولة الحوار وعلى جانب طاولة الحوار، هذا لا ينتظر لا انتخاب رئيس جمهورية ولا قانون انتخاب جديد، مثلاً.
تفعيل مجلس النواب، حسناً، نريد أن نفعّل مجلس النواب أو لا نريد أن نفعّله؟ ممكن أن نجد حلاً لهذا الموضوع، هذا بمعزل عن المدخلين أو المخرجين.
- تفعيل مجلس النواب عند العماد عون، الاشكالية عند العماد عون؟
سماحة السيد نصرالله: لا، لا، هذا موضوع يناقش ويوجد له حلول. انظر، نحن، الآ، ليس دفاعاً عن العماد عون، الانطباع العام، انظر المشكلة بلبنان، هناك ناس يقدمون لك الفكرة "ويفتلوا فيها شمال ويمين" ويضيعونك، ويتبين أنهم هم يسيرون كل شيء، وهم يكونون معطلين لكل شيء. مشكلة العماد عون إنه "يقولهم مثل ما هم"، هذه مشكلته عندهم، يقول لك 1 +1 يساوي 2، نعم، لا، يتبين أنه هو الذي عطل، لا يا أخي ليس هو الذي يعطل.
هذا موضوع التعيينات الأمنية، أنا أقول لك اقتراح أول واثنين ويمكن أصبحوا خمسة، جاءوا وناقشونا، قلنا لهم ما يقبل به حليفنا نحن نقبل به، لا تراجعونا بإيجاد مخرج لهذا الموضوع، الرجل وافق واحد اثنين ثلاثة أربعة خمسة. حتى بموضوع المجلس النيابي هناك حلول قابلة للأخذ والعطاء والنقاش، نصل فيها لنتيجة، لكن الجو العام، لما يؤخذ الوضع العام على كسر أو عزل أو إقصاء هذا يعطل الحلول.
- سماحة السيد أين أنتم من الخلاف المتجدد بين الجنرال عون والرئيس نبيه بري حول بعض الملفات الداخلية وهل أنهكتكم جهود الصيانة والترميم المستمرة لهذه العلاقة؟
سماحة السيد نصرالله: لا، لم تنهكنا، لا يوجد شيء، بالنهاية هذا جزء من العمل السياسي الطبيعي، بفريقنا وبين الحلفاء نحن لسنا رجلاً واحداً ولسنا حزباً واحداً، هناك شخصيات وأحزاب وتيارات وقوى ووجهات نظر مختلفة ومتفاوتة، نلتقي استراتيجياً، هذا صحيح، يوجد نقاش بالقضايا التفصيلية الداخلية السياسية، ممكن أن يكون هناك تباينات في وجهات النظر. نحن عملنا أن، وهذا طبيعي ضمن أي فريق، أن نقرب وجهات النظر ما أمكن، وهذا عمل دائم و"ماشي"، دائماً الحمد لله نصل فيه لنتائج. طبعاً محاولات التخريب من الخارج، جزء منها من وسائل الإعلام الذين يخترعوا ويقولوا قصصاً ليس لها أي أساس، أو إذا أشياء صغيرة يكبرونها إلى حد أن يعملوا توتر بالمناخ السياسي، لكن هذا كله مقدور عليه.
- سماحة السيد، بالنسبة إلى حزب الله، أين هو المدخل لحل كل هذه الأزمات في البلد، يعني عندك وصفة ممكن أن تداوينا من كل هذه الأمراض التي أصبحت متفشية في الجسم اللبناني؟
سماحة السيد نصرالله: نعم في وصفة لماذا لا يوجد.
- يوجد؟
سماحة السيد نصرالله: طبعاً.
- أسمعنا إياها؟
سماحة السيد نصرالله: هي لها علاقة بالوصفة، مثلاً الذي يقول لك حل المشكلة بالبلد كله هو رئيس توافقي، لا، الرئيس التوافقي هو إمضاء واعتراف باستمرار المشكل، بعد ذلك المشكلة عندنا، كان يجب أن أقولها ببحث الرئاسة، نحن ليس عندنا أزمة مع شيء اسمه توافقي أو غير توافقي، له علاقة بشخص الرئيس، قل لي هذه المرحلة تحتاج رئيس بهذه المواصفات، هذا اسمه توافقي، ما المشكلة، يعني أنا ليس عندي مبدأ اسمه أنا أرفض الرئيس التوافقي، نحن قبلنا برئيس توافقي فيما مضى. الموضوع بالنسبة لنا هو موضوع مواصفات الرئيس.
إذاً، إذا كنا نريد أن نفتش على حل، الحل هناك منطق يقال وهذا منطق صحيح، الذي هو أنه عادة بالدنيا كلها لما تصل العملية السياسية إلى مأزق، الحكام يعودون إلى الناس، لأن الناس هم بالنهاية معنيون، هذا مصيرهم وهذا مستقبلهم وهم معنيون أن يحددوا خياراتهم وأن يحددوا قياداتهم، هذا بالمبدأ، ولا أحد يستطيع أن يتجاوز الإرادة الشعبية. المشكلة عندنا في لبنان أن الدستور المعمول به، نتيجة التركيبة الطائفية والمخاوف الطائفية لا يوجد فيه شيء اسمه استفتاء، بينما بأغلب دول العالم، يمكن بكلها، عفواً ليس بكلها، بأغلب دول العالم التي عندها انتخابات وعندها ديمقراطية وعندها دساتير، هناك دول لا يوجد فيها، حتى دساتير لا يوجد فيها، الملك هو كل شيئ، السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية والدستورية.
في لبنان هذه الآلية ليست موجودة. إذا أردنا تعديل الدستور: مجلس النواب، إذا أردنا انتخاب رئيس الجمهورية: مجلس النواب، إذا أردنا أن نحسم سياسات كبرى في الموضوع الاقتصادي أو الموضوع الاجتماعي أو الموضوع السياسي: الحكومة أو مجلس النواب. لا يوجد شيء اسمه العودة إلى الشعب.
العودة إلى الشعب في الموضوع السياسي هي فقط في انتخابات المجلس النيابي. حتى الانتخابات البلدية، يحاول اللبنانيون استثمارها وتوظيفها سياسياً، لكن هي بالعمق ليست انتخابات سياسية وتتحكم فيها التركيبات العائلية والفلانية.
إذاً أنا لن آتي وأقول تعالوا لنجري تعديلاً ديستورياً، لأن هذا الموضوع مطروح للنقاش. الشعب هو الذي نستطيع أن نرجع له لنحل مشاكلنا، فلنعُد إلى الشعب ونجري انتخابات نيابية، سواءً مبكرة أي أن نأتي ونقول هذا التمديد الذي قمنا به (انتهى) ونحدد موعداً نجري فيه انتخابات نيابية.
مطلق إجراء انتخابات نيابية في لبنان على أي قانون، هذا لا يحل المشكلة. الآن إذا أجرينا انتخابات نيابية على هذا القانون الذي أجرينا على أساسه انتخابات 2009، يأتي مجلس النواب نفسه، يعني نحن نقوم بتعذيب أنفسنا وبيقول المثل "الداء داء والطبيب هو الله" لا يتغير شيء.
المدخل الذي يعطي فرصة للشعب اللبناني لينتخب محلساً نيابياً يحقق تطوراً في الحياة السياسية اللبنانية، هو قانون النسبية. قانون انتخابي جديد قائم على أساس النسبية. من كم دائرة يتألف هذا القانون؟ هذا أصبح تفصيلاً، لأن هناك قوى سياسية في لبنان ترفض مبدأ النسبية في قانون الانتخاب. إذا أقرينا قانوناً على أساس النسبية، ماذا سيعطي فرصة؟ سيعطي فرصة لأن تكون كل الأطراف ممثّلة، أحزاب كبيرة أو أحزاب صغيرة، الراكب في "المحدلة" أو الواقف إلى جنب المحدلة. الذي يملك مالاً أو الذي لا يملك. يصبح لدى الكل فرصة.
القوى الأساسية يمكن أن تحافظ على أحجامها، يمكن أن تزيد قليلاً أو تنقص قليلاً، لكن المهم أن النسبية ستتيح الفرصة أمام شرائح جديدة غير ممثلة حالياً في المجلس النيابي أن يصبح لها وجود في المجلس النيابي، 5 نواب، 7نواب، 10 نواب، 15 نائب، يمكن أن لا يكونوا هم أغلبية لكن هؤلاء أمام الانقسام السياسي الموجود في البلد بين 8 و14 يستطيعون أن يكونوا هم بيضة القبضان، وليس فقط الوزير وليد جنبلاط (ضاحكاً). يصبح هناك أناس قادمون من خارج كل التركيبة السياسية الحالية، أعطتهم النسبية فرصة يمكن أن يشكلوا كتلة أو كتلتين، وعندما يكونون في النصف يستطيعون أن يشكلوا بيضة قبان، يميلون الأمور باتجاه معين، إذا كان لديهم حرص وطني فيأخذون الأمور باتجاه المزيد من الحوار الوطني والإئتلاف الوطني والتفاهم الوطني، ثم لاحقاً مجلس نيابي منتخب على قاعدة النسبية لا يستطيع أحد من الشعب اللبناني أن يخرج ويقول نحن غير ممثلين.. أنتم لا تمثلوننا.
اليوم، مثلاً في قانون الانتخاب الحالي، أنا أستغرب قول البعض : أنتم لا تمثلوننا، مجلس النواب لا يمثلنا. لا، يمثلهم مجلس النواب، لأن هذا المجلس أنتم انتخبتموه. هناك شيء غير القانون يجب أن يعمل وهو موضوع المال. يعني أنت عندما تبيع صوتك بمئة دولار و500 دولار، وفي إحدى الدوائر الانتخابية سنة 2009 بعد الظهر وصل الصوت إلى 5000 دولار، أنت تبيع صوتك ب100 دولار وبـ 5000 دولار لكن تضع رقبتك وعائلتك ومصير بلدك في المشنقة، لأن "اللي بيشتريك بيـبيعك". هذا طبعاً يحتاج إلى حل حتى في ظل النسبية. ماذا تعني النسبية؟ تعني الكل ممثلون، إلا من لا يستطيع أن يتخطى العتبة وهذا يعني أنه ليس لديه حجم، أي أنت لم تتخط العتبة الانتخابية بحسب الإصطلاح المعتمد.
هناك قوى سياسية ترفض قانون النسبية، أنا برأيي من يرفض النسبية هو ديكتاتوري وليس ديمقراطياً، لأنه يرفض في منطقته، إذا كنا نتحدث عن منطقة، أو في طائفته إذا كنا نتحدث عن تمثيل طائفي، يرفض شريكاً له. في النظام الأكثري 50 % +1 أصبح هو الزعيم، الحاكم المطلق، والـ 49% ليس لهم مكان، وهو يفرض تمثيله عليهم بالقوة. النسبي يجعل له شريكاً، لكن شريكاً ليس قوياً مثله. شريك وسط ويبقى هو الأقوى بين أقوياء، أو قوي ولديه شركاء ضعفاء، ولكن يوجد شركاء، يوجد أناس تشعر أنها موجودة وممثلة. هناك زعماء وقوى سياسية في لبنان ترفض الثنائية. يقولون مثلاً الثنائية الشيعية، نحن نفتخر بها، أنه لدينا ثنائية، هناك أناس يرفضون الثنائية في طائفتهم أو في منطقتهم: أنا الزعيم ولا أحد، حزبي هو الذي يمثل ولا أحد. اعطِ فرصةً للزعماء والأحزاب الآخرين والتكتلات الأخرى. فهذا واحد يرفض. ثانياً هو لا يريد أن يظهر حجمه الحقيقي، عندما تصبح هناك نسبية تفتح فرصاً للجميع، فيأخذ كل طرف حجمه الطبيعي. هو لا يريد أن يقدم حجمه الطبيعي. هناك أحجام مصطنعة، هناك أحجام بالونية بالسياسة، صنعت بالنفخ الإعلامي وبالنفخ المالي، لكن هي ليست "عضل" هي دهن، وبالتالي هذا يصبح معيقاً. أنت تريد قوى حية، قوى فيها عضل تبني البلد وتنقذه وتخرجه من مآزقه، وليس قوىً مترهلة وغير قادرة على الخرق والمبادرة واتخاذ خطوات شجاعة.
نحن برأينا قانون النسبية هو المدخل. الذي لا يريد أن تعالج مشاكل البلد هو من يرفض الانتخابات النيابية على قاعدة القانون النسبي ويريد لكل مصائب هذا البلد أن تستمر. هذا المدخل المنطقي والطبيعي. وإلا مثلاً ننزل إلى التظاهر، أنا لست ضد التظاهر، لكن في يوم من الأيام نظمنا تظاهرة، قال البعض عنها مليونين، فيما قال البعض الآخر مليون ونصف، وقال غيرهم مليون. يا أخي 200000 "ما انهزّوا". هناك أناس لا تهتز، هناك أناس "متمسحة" في هذا البلد، إذا بينزل مليون ويعتكف مليون ويعتصم مليون ويضرب مليون عن الطعام، هناك أناس لا يبالون. لأن لديهم نظرة مختلفة للناس، حتى النظرة الثقافية والبشرية لديهم مختلفة. الحل الحقيقي، طبعاً التظاهرات مفيدة، بمعنى أنها تصنع ضغطاً وجواً عاماً. إذا أردنا أن نذهب إلى حل حقيقي الذي يبني مؤسسات دولة، ويصنع دولة، ويعطينا حكومة تحاسبها الناس، والذي يعطينا حكومة قادرة على معالجة الملفات هو مجلس نيابي منتخب على قاعدة النسبية، كل الناس ممثلة به، غطاؤه الشعبي كامل، يفرز حكومة حقيقية تذهب لمعالجة الملفات.
ـ س: مطالعة جميلة جداً سماحة السيد، ولكن هناك من يقول إن هناك عائقاً أساسياً أمام تطبيق النسبية العادلة، وهذا العائق يتمثّل في سلاح حزب الله، والرئيس فؤاد السنيورة قال بوضوح، قبل أيام، إن السلاح يعطّل التكافؤ في الفرص وفي المنافسة، وبالتالي لا يمكن تطبيق نسبية حقيقية وعادلة تحت وطأة هذا السلاح. ألا يبدو هذا المنطق مقنعاً بعض الشيء؟
سماحة السيد حسن نصر الله: كلا، عام 2005 حصّل الرئيس فؤاد السنيورة وفريقه الأغلبية في ظل وجود هذا السلاح، وعام 2009 كان هذا السلاح موجوداً وهم أخذوا الأغلبية. أليس صحيحاً؟ السلاح لم يكن عائقاً أمام الفريق الذي كان عام 2009 في موقع الخصم. في 2005 لم يكن هناك خصومة، ولكن عام 2009 كان هناك منافسة انتخابية حادة ومعركة "طويلة عريضة"، وهم صرفوا فيها مليار ومئتي مليون دولار، في لبنان هذا، الصغير بحجمه، العظيم بشعبه "حتى لا أحد يعلّق". مليار ومئتا مليون دولار دفعتها السعودية لقوى 14 آذار من أجل أن يحصّلوا هذه الأغلبية. أين السلاح؟ بماذا تدخل السلاح في العام 2009، في حين أنهم ما زالوا يتحكمون بالبلد ومصير البلد بسبب انتخابات عام 2009. ما هو رابط السلاح بالموضوع.
س: هل حزب الله مستعد للتنازل عن بعض المقاعد الشيعية لمنافسين له في بيئته من دون أي حرج أو مشكلة؟
سماحة السيد حسن نصر الله: ليس عندنا مشكلة، فليجروا الانتخاب على القانون النسبي، ونحن أجرينا حساباتنا. بطبيعة الحال، في مناطق النفوذ التي لنا وجود فيها، حتى ولو تحالفنا مع حركة أمل، وهذا هو الموقف الطبيعي ـ ما يحتاج لسؤال هو عدم التحالف أما التحالف فهو أمر طبيعي ـ فإن القانون النسبي سيتيح فرصة لأحزاب وقوى أخرى موجودة في مناطق تأثير ونفوذ حزب الله وحركة أمل لأن تتمثل في المجلس النيابي، وتحصل على نواب، وهذا محسوب ودقيق وليس لدينا مشكلة أبداً، بل نحن الذين نطالب به.
س: ولكن ألا يخفّ بهذا الأمر تأثيركم في مجلس النواب؟
سماحة السيد حسن نصر الله: لا، أين المشكلة؟ عندما تتحدث عن معالجة بالبعد الوطني، وحتى بالتحالفات التي تحصل، فأمام مصلحة تحالف، القوى لا تقف عند مسألة نائب زائد أو نائب أقل.
هنا لا نتحدث عن تحالف بين قوى سياسية، وإنما نتحدث بقانون بات الممر الإلزامي لمعالجة أزمة وطنية. ما هي المشكلة في هذا الموضوع؟ إذا كانت النسبية تنزل عدد نوابنا أو عدد نواب هذا الحليف أو ذاك الحليف ـ الذي أتمنى أن يقبل هو أيضاً ـ ولكن النتيجة أن يكون هناك مجلس نواب يعتبر اللبنانيون جميعاً أنه يمثّلهم، فالمسيحي لا يكون عنده إحساس بالغبن، وبقية الطوائف لا يكون عندها إحساس بالاقصاء، فما المشكلة في ذلك؟ بالعكس، هذا ينقذ البلد.
س: نستطيع أن نقول إن حزب الله يؤيد خيار إجراء انتخابات نيابية أولاً على أساس النسبية، يليها انتخاب رئيس للجمهورية.
سماحة السيد حسن نصر الله: "طوّل بالك"، لم نقل هذا. نقول إن هذا المخرج. الآن، أي شيء قبل الآخر، فهذا بحث آخر.
س: هذه المعادلة طرحها العماد عون
سماحة السيد حسن نصر الله: أنا شخصياً الآن أستطيع أن أقول ما يلي: إذا قبلت القوى السياسية ـ لأننا نحن كنا مع تمديد المجلس النيابي، وهذا لا نخبئه، وهذه نقطة من نقاط الخلاف التي كانت بيننا وبين العماد عون ولكن كان هناك تفهّم لموقفنا وهو تحدث عن هذا الموضوع بالإعلام، ونحن نتناقش بكل شيء، ونحن لا نفاجئ حلفاءنا بأي موقف من المواقف، نحن عندما أيّدنا التمديد للمجلس الحلي فقد تمّ ذلك بناء على حيثيات شرحناها لحلفائنا ـ وهذا المجلس الممدّد له بقانون انتخاب على أساس النسبية، فبالنسبة لنا يصبح قابلاً للنقاش أن نجري انتخابات نيابية في أي وقت. بالحد الأدنى قابل للنقاش، حتى لا أقول نقبل أو لا نقبل لأن هذا يتطلّب تشاوراً مع بقيّة الحلفاء، ولكن بالنسبة لنا هذا قابل للنقاش لأنه يشكّل مدخلاً.
س: سماحة السيد، فاصل أخير نعود بعده لمتابعة الحوار، وفي القسم الأخير سيتكلم السيد حسن نصر الله بصراحة ووضوح عن الحراك الشعبي، وسيبدد كل الالتباسات التي رافقت موقف حزب الله في بداية هذا الحراك، تابعونا بعد الفاصل.
س: سماحة السيد، لو سمحت لي بسؤال بمفعول رجعي، من أجل تغطية الموضوع الرئاسي من كل جوانبه. يقال إن حزب الله هو الذي يعطّل انتخابات الرئاسة لمصلحة إيران، وإن إيران في هذا الوقت "مش فاضية"، لأنا تنتظر المقاصّة والمحاصصة التي ستحصل في الملفات الإقليمية الأهم، اليمن والعراق وسوريا، وعلى ضوء ذلك تقرر ماذا تفعل في لبنان. هل هناك شيء من هذا؟
سماحة السيد حسن نصر الله: هؤلاء لا يعرفون شيئاً، الذين يقولون ذلك، لأنهم كانوا يقولون هذا الكلام قبل الاتفاق النووي. حسناً، حصل الاتفاق النووي، وهذا لم يكن من موضوعات النقاش، وانتهينا. الآن بعد الاتفاق النووي سماحة الإمام السيد الخامنئي، دام ظله، من ذلك الوقت إلى اليوم، تقريباً كل يومين أو ثلاثة يلقي خطاباً ويتكلم بوضوح: غير البحث بالملف النووي ليس هناك بحث بين الإيرانيين والأميركان، لي هناك تفاوض بيننا (الإيرانيين) والأميركان على اي ملف من الملفات حتى إشعار آخر. بعد ذلك يمكن أن يقبلوا "عالحبّة" (بشكل متفرق)، لأنه كان قد تحدث سابقاً عن هذا الموضوع. حتى الآن، اللقاءات التي يمكن أن تستمر بين وزيري الخارجية الإيراني والأميركي، هي ستناقش تطبيق الاتفاق النووي، وهي لن تناقش أي موضوعات أخرى.
فإيران ليس وارداً عندها أصلاً أن تناقش في مسألة رئاسة الجمهورية في لبنان مع الأميركيين وغير الأميركيين حتى تقول لحليفها حزب الله عطّلوا الانتخابات حتى نناقش نحن الموضوع. هذا خارج السياق بالكامل، وبالتعبيرات اللبنانية هذا "حكي فاضي" وتضييع وقت.
س: قلت إن السعودي هو الذي يعطل، أيضاً السعودي الآن مشغول، لأنه مشغول باليمن، ويعتبر أنه لا يستطيع أن يعمل أي تنازل بأي مكان آخر قبل أن يحقق إنجازاً باليمن يرسمل عليه بالتفاوض، هل هذا يعني أنه أيضاً يجب أن ننتظر؟
سماحة السيد حسن نصرالله: السعودي ليس عندي، أنا أتكلم عن الإيراني.
س: سماحة السيد أيضاً سؤال في ما خص حوار حزب الله - تيار المستقبل، البعض يتساءل عن جدوى استمرار هذا الحوار، ما دامت الحملات السياسية والإعلامية مستمرة، يعني مفعول البيان الذي يصدر عن اجتماعات عين التينة لا يدوم أكثر من دقائق وساعات.
سماحة السيد حسن نصرالله: لو لم يؤمن هذا الحوار سوى هذا التواصل الأسبوعي أو النصف شهري مثلاً بين حزب الله وتيار المستقبل لكان كافياً كهدف، هذا التواصل، عندما يجلسون ويسمعون ويتناقشون ويتعاتبون، هناك بعض الأمور تعدل، تعالج، تفتح أبواب للحل ولو في قضايا جزئية. لو أن هذا الحوار لم يؤمن سوى أًصل التواصل بين الطرفين لكان كافياً ومطلوباً بهذه المرحلة.
س: هل أصبح خطر الفتنة المذهبية في لبنان تحت السيطرة بشكل كامل؟
سماحة السيد حسن نصرالله: لا أحد يستطيع أن يقول هناك شيء تحت السيطرة بشكل كامل ، لكن بدرجة كبيرة جداً، نعم.
س: سماحة السيد بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة هل لا يزال الأميركيون في أدبياتكم هم الشيطان الأكبر؟
سماحة السيد حسن نصرالله: ما زالوا حتى "يبطّلوا"(لا يعود) شيطان. طالما أميركا تدعم إسرائيل بالمطلق، بالسلاح والذخيرة والمال والضرائب والاقتصاد ومجلس الأمن الدولي والفيتو، وعندها أمن إسرائيل مقدم على كل شيء، ومصالح إسرائيل ووجود إسرائيل وقوة إسرائيل، من يفعل ذلك يبقى شيطاناً أكبر حتى "يبطّل" (يتغير)، هذا إذا نسينا بقية الملفات، يعني ما تفعله الولايات المتحدة، انظر، هناك مشكلة بالثقافة الآن سائدة. هناك أناس يتصورون أن الأميركان ليس لهم دخل بكل شيء يحصل في المنطقة والأميركان مساكين وهم إيجابيون ويريدون أن يساعدوا بالحلول، هذا خاطئ، هذه النظرية خاطئة، وأيضاً نظرية أن كل شيء يحصل بالمنطقة من الأميركان هذا خاطئ، هم ليس كل شيء بيدهم.
لكن الإدراة الأميركة والمشاريع الأميركية والمخططات الأميركية والمصالح الأميركية ما زالت شيطانية وتخدم مصالح أميركا الاستكبارية وتتغاضى عن مصالح الشعوب الحقيقية وبالتالي ما زالت شيطاناً أكبر. الآن هذا الشيطان ينزل بملف، يحكي معك، يأخذ معك، يتفاوض معك، بحث آخر، لا يعني أنه ليس شيطاناً. طبعاً نحن بالأدبيات، حتى بالثقافة، نحن على المستوى الشخصي، المسلمين نعتقد أن الشيطان في صراع يومي نحن وإياه، هو يحكي معنا ونحن نتكلم معه، يوسوس لنا بأذنينا وبقلبنا وعقلنا وإلى آخره.
س: أنه صراع مع شيطان، لكن هل يمكن التفاهم مع الشيطان؟
سماحة السيد حسن نصرالله: التفاهم لا، لكن التفاوض ممكن، إلا إذا تنازل الشيطان.
س: مثل ما حصل في الملف النووي؟
سماحة السيد حسن نصرالله: نعم، طبعاً.
س: نأتي إلى التحرك المطلبي أو الحراك الشعبي، سماحة السيد بصراحة، في بدايات هذا الحراك كان هناك التباس حول موقف حزب الله بل أكثر من هذا، شعرنا وكأن الحزب ليس متحمساً لهذا الحراك وكان هناك بعض النقد الهامس له، والناس ضاعوا أنه أين حزب الله مما يجري في الشارع: مع، ضد، في الوسط، هل لك لو سمحت أن تحسم لنا هذا الالتباس وتقول بوضوح وصراحة أين أنتم؟
سماحة السيد حسن نصرالله: لما بدأ الحراك، بدأ من مجموعات شبابية، نحن لا نعرف هؤلاء الأشخاص، يعني غير مسبوقين فيهم، ممكن هناك معرفة شكلية لبعضهم، فهناك حراك بدأ في الشارع، العناوين التي يطرحها محقة، لكن نحن لا نعرف من هي قياداتهم، بمن تتصل، ما هو أهدافها، إلى أين تريد أن تصل وبالتالي نحن وقفنا على الحياد، وليس حياداً سلبياً، بل حياد إيجابي، يعني لم ننتقد، لم نؤيد ولم نعارض ولم ننتقد، لأن هناك شيئاً، بأهدافه محق، بشعاراته محق، لكن غير مفهوم لنا. أنا لا يمكن أن أؤيد مثل ما يقولون "على العمياني"، أيضاً لماذا أعارض! لماذا أقف أنا بوجهه! طالما شعاراته حقيقية، غير مفهوم لي. هذا بالبدايات.
عندما سار الحراك، صار هناك مطالبة من بعض المجموعات في الحراك ومن بعض وسائل الإعلام المتبنية للحراك بشكل قوي جداً، وهجمت علينا، أنه نحن يجب أن ننزل على الشارع ويجب أن نلحق بالحراك ويجب أن ندعمه، وأين جمهورنا وأين أناسنا، وأين وأين؟ هنا جاء إخواننا في هذا السياق انتقدوا، هو النقد لم يبدأ في البداية، بهذا السياق جاء إخواننا، لأنه أنا كل هذه المدة لم أتكلم، قالوا تطلبون منا أن نلتحق بحراك لا نعرف من هم، وماذا هدفهم، وإلى أن يريدون أن يصلوا وما هو برنامجهم، وما هو مشروعهم؟ وهذا صحيح، نحن لا نلحق، كل المسيرات والمظاهرات والتحركات السياسية والشعبية التي حصلت كانت تصير بناءً على تفاهم بين مجموعة قوى سياسية متفقة على الهدف، على الزمان، على المكان، على الشعارات، وإلى أين نريد أن نصل. لكن نحن لا نلحق، يأتي أحد يريد أن يديرنا، هو يمشينا، ليس كذلك. هنا كان النقد.
لكن إذا نتكلم عن جوهر الموقف، طبعاً والتباين في نظرة اللبنانيين وتقييمهم للحراك كانت عجيبة غريبة، يعني بالأيام الأولى بين واحد يقول لك هذا الحراك يقف خلفه حزب الله وهذا 7 أيار مقنع وبين واحد يقول لك تقف خلفه السفارة الأميركية، يعني هناك 180 درجة بالموضوع. فكثيرون ضاعوا بهذه المسألة.
بالنسبة لنا، الآن مضى الذي مضى، نحن بموضوع الحراك، أولاً، بالمطالب، هم كان عندهم مشكلة أن الأهداف غير مفهومة، واحد يقول لك الشعب يريد إسقاط النظام، يعني تعذبون أنفسكم، لأن هذا يعني الطائفية، النظام ماهيته وجوهره الحقيقي هو الطائفية، والطائفية في النظام هي أقوى شيء في لبنان، ليس أقوى شيء في النظام. بكل الأحوال، واحد قال لك تسقط الحكومة، واحد قال لك تسقط المجلس النيابي، كل واحد صار يحكي "شمال يمين"، الآن بالنهاية تعدلت، عناوين الحراك عدلت.
نحن بهذا الموضوع، من أجل هذا الحراك وغيره، أقول مبادئ وأسس:
أولاً: أي شريحة شعبية في لبنان تطرح شعارات محقة ومطالب محقة وتتحرك لخدمة هذه المطالب، تتظاهر، تعتصم، تعبر، بكل الأشكال المتاحة قانونياً، بالنسبة لنا هذا جيد ونحن لا نعارضها ولا نمانعها ولا ننتقدها ولا نقف في وجهها، هذا أولاً.
ثانياً: في موضوع التأييد والتشجيع، عندما يكون هناك حركة مفهومة أهدافها وطبيعتها وخلفياتها وقيادتها ومشروعها لس أدرس إن كنت أؤيدها أو لا أؤيدها، مرة أنا ضد، نحن لسنا ضد، لا نمانع، لا نرفض، لا ننتقد، لا نعارض، والله يبارك. يقولون تعالوا والتحقوا فينا، التحقوا فينا لما نناقش الأهداف والطبيعة وإلى أين سنصل.
النقطة الثالثة، هذا إذا نريد أن نؤيد. النقطة الثالثة، بالحراك المطلبي والحراكات الشعبية، نحن نميل، يعني نجد مصلحة الحراك ومصلحة تحقيق الأهداف لهذا الحراك أن لا ندخل نحن حزب الله، أنا أتكلم عن حزب الله، باقي القوى السياسية تستطيع أن تتكلم عن نفسها. حزب الله، جمهور حزب الله، لأنه مباشرة لونه واضح، يعني إذا قلنا لشبابنا انزلوا، "مبيّنين"، واضحين، وإذا قلنا لأخواتنا انزلوا، "مبيّنين"، واضحين. فدخول حزب الله أو الدعم الشعبي الذي يمكن أن يقدمه حزب الله لهذا الحراك في هذه المرحلة، من ضمن الظروف القائمة، هذا يعطل أهداف الحراك، لماذا؟ لأنه في المقابل، هو بالبدايات ليس لنا علاقة ولم نفهم شيئاً، كان يقال هذا 7 أيار مقنع. عندما يصبح حزب الله داخل الحراك وإذا حضر بقوة أيضاً، سيصبح هو الطابع الغالب، يعني لما يكون الحراك مثلاً إلى كم وصل؟ عشرة آلاف، 12 ألف، 40 ألف، 50 ألف، هناك تباين بالأرقام، ليس لي شأن بها، لكن إذا جاء حزب الله ودخل على الحراك مثلاً ونزل مئة ألف، ماذا أصبح الحراك، أصبح مظاهرة لحزب الله، حتى لو لم ينزل مئة ألف، لو نزل ألف، سيقولون هذه المظاهرة لحزب الله. مثل ما حصل بالتيار الوطني الحر، في آخر مظاهرة نحن تفاهمنا، يعني نحن وقيادة التيار أن حزب الله لا يشارك، ونحن الاثنين تكلمنا لغة واحدة، أنه لو نزل خمسين ألف من التيار و500 من حزب الله سيقولون هذه المظاهرة أصبحت لحزب الله لأن حزب الله دعم، وقالوها، يعني بعض التلفزيونات بالليلة الأولى قالوا إن دعماً شعبياً كبيراً جاء من حزب الله للتيار الوطني الحر.
فهذا يصادر الحراك، وجودنا نحن، ليس بسبب الحراك ولا بسببنا، وإنما بسبب عقلية السلطة، التي ستأتي وتقول هذا ليس حراكاً مطلبياً، هذا له علاقة بإيران، بالمشروع الصفوي، بالمشروع المجوسي، بالاتفاق النووي، بالمحاصصة الإقليمية، بتغيير الطائف، وما شاء الله الجدول جاهز. فهذا يؤدي إلى مصادرة الحراك، ليس لهم مصلحة يعني مثل ما التيار الوطني الحر الآن، مستقبلاً ممكن أن يختلف الموضوع، لما يعمل مظاهرة مصلحته يكون هو، وأنا لا أكون معه، مصلحته هو، الحراك الشعبي أو الحراك المطلبي نتيجة عقلية السلطة مصلحتها أن نقف نحن جانباً. الآن ندعو لهم، الله يبارك فيهم، ممكن أن نؤيد بعض المواقف أو بعض الخطوات، ولكن المشاركة المباشرة هي ليست لمصلحة الحراك ولا لمصلحة الأهداف، مباشرة يأخذونه إلى مكان آخر، وأبشع شيء أنهم يأخذونها على المذهبي، مباشرة تصبح يا غيرة الدين، يا أهل السنة، هؤلاء الشيعة قادمون لكم يريدون أن يدخلوا على السراي، أليس هكذا حصل، في اليوم الأول. لا، دع هذا الحراك فيه إيجابيات مهمة، أن شباباً من طوائف متعددة، من مناطق متعددة، من مشارب فكرية متعددة، لا أحد يستطيع أن يتهمهم طائفياً ومذهبياً ومحورياً وإقليمياً وإيرانياً وسورياً، واضح أنهم شباب لبنانيون، الآن يظهر أن أحداً منهم يتصل بالسفارة الأميركية أم بصداقة أم بعلاقة قديمة، هذا أصبح تفصيلاً، يعني ممكن أن يؤخذ بعين الاعتبار.
هذا نحن موقفنا العام من هذا الحراك، لذلك أنا أقول لك: نحن لا نمانعه ولا نعارضه ولا نرفضه ونتمنى له التوفيق ونتمنى أن يركز على القضايا المطلبية أو السياسية القابلة للتحقق من أجل "أن يأكل العنب ولا يقتل الناطور"، لأنه لن يستطيع أن يقتل الناطور، ولا مطلوب أن يقتل الناطور، وليس من مصلحة هذا الحراك ولا أهدافه أن نشارك نحن في الحراك.
س: هناك مأخذ آخر على حزب الله أنه بمعزل عن هذا الحراك يبدو وكأن الحزب متقاعس في الشأن الاجتماعي الاقتصادي الاصلاحي، ألم يحن الوقت سماحة السيد لتولوا القضايا المتعلقة بمكافحة الفساد وهموم الناس الأولوية، وعدم الاكتفاء بالتركيز على القضايا الكبرى لأنه أيضاً إذا لم نحصن الجبهة الداخلية والناس الذين جزء مهم منهم هم جمهور المقاومة لم يكونوا أيضاً مرتاحين ويعانون من أزمات الكهرباء والمياه والنفايات وكلها أزمات مهينة للبنانيين، يعني إذا لم نعالج هذا الهم الداخلي ألا تعتقد أننا بشكل أو بآخر سنجد نقاط ضعف أو نسمع نقاط الضعف في ظهر الجبهة الأصلية التي هي مع العدو الإسرئيلي أو العدو التكفيري أو مع المشاريع المعادية، لماذا يبدو حزب الله مسترخياً في ما خص الشأن الداخلي، الاصلاحي والاجتماعي؟
سماحة السيد حسن نصرالله: لا، هو غير مسترخٍ، النقاش ليس بالاهتمام، اهتمام حزب الله من البدايات، يعني الآن هناك أناس يظهرون على التلفاز أو على وسائل التواصل الاجتماعي، يحاول أن يشرح لنا أن (المطلوب) تمتين الجبهة الداخلية والعناية الاجتماعية، أصلاً أول مقاومة بالتاريخ، إذا كان هناك مقاومة في التاريخ كانت تعتني بالحد الأدنى بمددها، برجالها وشبابها وشهدائها وعوائل شهدائها وجرحاها وعوائلهم وأسراها وعوائلهم، أين هناك مقاومة في التاريخ لما كان يقصف الجنوب، غير مساعدات مجلس الجنوب، تأتي وتعمّر بيوت الجنوبيين، وترمّم، وتقدم المساعدات، التعويضات، وتثبت الناس بأرضهم، هذا أليس هماً اجتماعياً ومعيشياً وحياتياً. الخدمات التي نحن قدمناها بمعزل عن إمكانات الدولة، مما أتينا به من مال إيراني، وجمعناه من مال من جهات مختلفة ومن تبرعات، كله أين؟ هذا في خدمة الناس.
إذاً أصل الاهتمام بالموضوع المعيشي والاجتماعي، حتى لما حصل شيء بسيط، لما صارت أزمة النفايات، هنا حصل تفاهم، بلديات بالضاحية، أمل وحزب الله تفاهمنا، أقل مشكلة اليوم هي موجودة بالضاحية الجنوبية، تم الوصول إلى حل مؤقت، لكن بعد مدة سيواجه هذا الحل المؤقت مشكلة.
قصة أنه نحن خارج هذا الاهتمام المعيشي والاجتماعي، سوف آتي على الاصلاحي، هذا فيه ظلم كبير. بالعكس أنا أدعي أننا نحن أكثر فريق بالمباشر، أو من أكثر القوى السياسية اهتماماً وتضحيةً وعطاءً واهتماماً بالشأن المعيشي والحياتي والاجتماعي وكرامات الناس.
في الشق الذي له علاقة بالدولة حتى عندما حصلت الحرب، بعد الحرب، موضوع الإعمار وموضوع الإيواء وموضوع المهجرين، نحن ذهبنا وجلبنا أموالاً من إيران وأنفقناها هنا.
في موضوع الدولة، قبل العام 2005 كان لدينا نظرة تجاه الحكومة والدولة، فلم نكن شركاء، فلا يخاطبنا أحد في تلك المرحلة ويطالبنا ويحمّلنا مسؤولية.
بعد الـ 2005 وما فوق، الوضع المالي للدولة صعب، ثانياً التركيبة السياسية تركيبة معطلة- غير أن الدولة فقيرة، بل ومشارطة- يعني "شحاد ومشارط". مثلاً، أنا أذكر عندما تم اختيار الوزير محمد فنيش في تركيبة الحكومة لوزارة الطاقة. هناك مشكلة كهرباء، فعقد إخواننا اجتماعاً مع الخبراء ووضعوا تصوراً لحل مشكلة الكهرباء، لكن كل شيء يحتاج إلى وقت. فمن يستطيع مساعدتنا؟ هناك كثير من الدول غير حاضرة لتقدم المساعدة إلا إذا دفعت إمكانات هائلة. جاؤوا وقالوا إيران. أول مرة أنا أذهب إلى إيران رغم الظرف الأمني الذي أعيشه، وزيارتي من عند الإمام الخامنئي إلى السيد خاتمي الذي كان آنذاك رئيساً للجمهورية، إلى الوزير المختص. ذهبت من دون إعلان لمعالجة موضوع الكهرباء في لبنان. وبالتنظير حينها قلنا لإخواننا الإيرانيين: مثلما أنتم ساعدتمونا كمقاومة فأدخلتم فرحة ونصر التحرير إلى كل بيت لبناني، هناك شيء شبيه بهذا النصر تستطيعون إدخاله إلى كل بيت لبناني هو الكهرباء. فمن فضلكم ساعدونا. ما هو الحل المطلوب؟ بالنسبة لإيران هذا الأمر سهل. إذاً تفضلي يا حكومة لبنان، وهذا رئيس الوزراء موجود، والوزير موجود، والوزراء موجودون، ويستطيع أن يقول لا. ليس فقط حكومة السنيورة، حتى الحكومات المتعاقبة، لأن هناك حسابات أخرى. أنا لا أريد أن أدخل إيران، لدي مشكلة مع الأميركيين، لدي مشكلة مع السعودية، لدي مشكلة مع الغرب.
إذا السعودية والأميركيين والغرب لا يريدون أن يحلوا مشكلة الكهرباء، وإيران جاهزة لتقدم لي المساعدة وتحل مشكلة الكهرباء، لماذا أقول: لا؟ قالوا: لا، وعطّلوا. من الواضح كان، أنه في ظل التركيبة الحالية لا تستطيع أن تفعل شيئاً، حتى ولو كنت مخلصاً صادقاً، وليس لو أن الوزير اشتغل، بل لو كل حزب الوزير اشتغل لا يستطيع أن يصل إلى نتيجة لأن هناك من يضع ضوابط ويعطل.
اليوم، إيران (تتعامل مع) باكستان، أذربيجان، أفغانستان، حتى مع بعض دول الخليج في مختلف المجالات: الماء، الكهرباء، الغاز، النفط ، وهذا خلال العقوبات وقبل الاتفاق النووي كانت الأمور مفتوحة.
مثلاّ هذه تركيا، تركيا في الناتو وعلاقاتها الاقتصادية مع إيران علاقات ضخمة جداَ، ومصالح اقتصادية ضخمة جداً واستفادت منها تركيا، إلا لبنان .
إذاً إيران كدولة كبيرة في المنطقة أرادت أن تساعدنا في الكهرباء، ممنوع. تريد أن تساعدنا في السدود، ممنوع. تريد تزويد الجيش اللبناني بالسلاح ممنوع.
الأمر الآخر، نحن دخلنا إلى الحكومة، لدينا أهداف واضحة.
س: يطرح سؤال أنكم تغطون الفساد ببقائكم بالحكومة؟
سماحة السيد حسن نصر الله: يعني لماذا لا تتركون الحكومة؟ نحن عندما ذهبنا إلى الحكومة، قلنا نحن دخلنا إلى الحكومة من أجل الاستقرار السياسي في البلد، من أجل الاستقرار الأمني في البلد. هذا بالدرجة الأولى.
بالدرجة الثانية، إذا كنا نستطيع من خلال وجودنا في الحكومة أن نقوم بأمور لمصلحة الناس، فإننا نفعل. إذا كان هناك فساد نستطيع أن نواجهه فنواجهه. هذه هي حيثية الدخول إلى الحكومة.
طبعاً، التجربة تقول هذا صحيح. مثلاً، في حرب تموز كنا في الحكومة نحن وإخواننا في حركة أمل. طبعاً التيار الوطني وتيار المردة والطاشناق وغيرهم كانوا خارج الحكومة. في حرب تموز لو لم نكن في الحكومة كانت ستحل كارثة سياسية وطنية. صحيح أن العماد لحود كان يقاتل، لكن إذا كان رئيس الجمهورية ليس لديه وزراء يقاتل فيهم ويقاتلون معه لا يستطيع أن يفعل شيئاً.
كان هناك معركة على طاولة مجلس الوزراء، وإلا كان هناك كارثة سياسية.
في المقابل، في الخامس من أيار 2008 كنا غائبين منسحبين من الحكومة، لو كنا موجودين في الحكومة لم يكن ليأخذ في 5 أيار 2008 القرار الذي له علاقة بشبكة السلكي والضباط.
5 أيار صنعت 7 أيار، يعني هزة أمنية في البلد. نحن موجودون في الحكومة لنساهم في الاستقرار السياسي، ولنساهم في الاستقرار الأمني ونمنع أخذ قرارات خطيرة على البلد مثل التي اتخذت في 5 أيار أو مثل التي كان يمكن أن تُأخذ في أيام حرب تموز من قبل الحكومة اللبنانية. لذلك نحن باقون في الحكومة. ماذا لدينا من وزارات مهمة في هذه الحكومة؟ ! نحن في هذه الحكومة "مش طالعلنا شي" إذا أردت الحديث بالمعنى النفعي. نحن موجودون في الحكومة لاعتبارات سياسية أمنية بالدرجة الأولى، هذا هو.
في موضوع الإصلاح، أصلاً هناك وضع إصلاحه لا يبدأ من الحكومة، يبدأ من مجلس نيابي منتخب على قاعدة قانون النسبية والسلام. وغير هذا نكون نقاتل على "الفاضي"، لأن هناك قوى سياسية، مركبة بهذه الطريقة لا يمكن أن تتزحزح طالما هي ممسكة بمفاصل السلطة بهذه الطريقة.
أما (الاتهام) بتغطية الفساد فهذا غير صحيح. فإخواننا في الحكومة يناقشون بكل البنود، وأنا أقبل من أي مواطن لبناني يأتي ويقول لي هذا مشروع هذا فساد من رأسه لأخمص قدميه وأنتم وافقتم على تمريره في مجلس الوزراء. أنا أتحمل مسؤولية نعم. وزراؤنا ساعتئذ يتحملون المسؤولية. نحن طالما موجودون في مجلس الوزراء لا نقبل.. لا أعرف طريقة عمل الأحزاب الأخرى.. نحن لدينا لجنة يرئسها نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم وفيها عدد من الإخوة المركزيين والوزراء الحاليين والسابقين، اسمها لجنة العمل الحكومي. عندما يأتي بريد مجلس الوزراء يجتمعون ويناقشون الجدول بنداً بنداً هم والوزراء.. هذا نوافق عليه، هذا نعترض عليه.. هذا نقبل ، هذا لا نقبل. إذا كان المشروع مفصلاً فيراجعه مركز الدراسات التابع لحزب الله، تراجعه الجهات الاستشارية. وزراؤنا في الحكومة لا يصوتون على شيء إذا لم يقرأوه أو "طالع معه" يرفع "إيدو أو ينزلها". يوجد جهة في الحزب مهمتها الدرس والمناقشة، ولذلك إذا رأينا مشروعاً فاسداً فنواجهه في مجلس الوزراء.
س: المأخذ عليكم أن حزب الله لا يتصرف على أساس أنه رأس حربة في المعركة ضد الفساد؟
سماحة السيد حسن نصر الله: هناك موضوعان، موضوع اسمه أنا حزب الله موجود في الحكومة الحالية أو الحكومة السابقة وهناك مشروع فساد أنا "طنّشت" عنه أو أيدته أو غطيته، من لديه مثل فليقدمه لنا. هذا غير صحيح. ونحن لا نفعل ذلك ولا نسمح لأنفسنا أن نفعل ذلك، لكن طبعاً لا نذهب ونروجه في الإعلام. أحياناً يوجد مشروع واضح فيه فساد، يمكن أن نأتي نحن للمرجعية السياسية، نتحدث معه بعيداً عن التشهير الإعلامي، ونقول له: يا حضرة الزعيم الفلاني انظر ماذا يقدم ممثلوك، هذا لا نستطيع أن نسير به. وهذا يحصل.
أما قصة رأس الحربة في محاربة الفساد والفاسدين، هذا يحتاج إلى نقاش طويل يتعلق بتركيبة البلد وحساباته وأولوياته، لكن أنا لدي تمنٍّ على من يطالبنا بهذا الموضوع، وأنا استمعت لنداءات خلال الأسابيع الماضية، نحن حزب الله، حزب لديه عدد محدود، كبير، لكنه محدود، ولدينا طاقاتنا وقدراتنا المحدودة. نحن في المقاومة عامود أساسي ومطلوب منا في الجنوب والبقاع الغربي وعلى امتداد الساحة اللبنانية فالإسرائيلي ليس فقط في الجنوب، الإسرائيلي في كل مكان، وهو يستبيح الساحل بأكمله. المطلوب أن نكون موجودين وجاهزين وأعيننا مفتحة ونثبّت موازنة الردع لنحمي البلد من أن يستباح إسرائيلياً بالتكامل مع الجيش اللبناني. هذا عبء ضخم نحمله ، ضخم بالإمكانات البشرية والمادية والنفسية والجهد والتفكير.
ثانياً: جاء خطر المشروع التكفيري الذي سيجتاح المنطقة كلها، أيضاً هذا العبء على الحدود وداخل سوريا نحن نحمله ونحمل فيه مسؤولية كبيرة جداً. في الداخل اللبناني من خلال وجودنا بالحكومة وبالمجلس النيابي وطاولة الحوار وعلاقاتنا السياسية، نبذل جهداً من أجل الاستقرار السياسي في البلد رغم كل الاتهامات. في الموضوع الأمني نحن أحرص الناس على الاستقرار الأمني في البلد. دائماً عندما كنا يُقال في لبنان هل تحصل حرب أهلية كان يُقال لا، لأن من يقدر أن يفعل حرب أهلية لا يريد والذي يريد لا يقدر. نحن وآخرون، لكن نحن جزء من القوى الأساسية التي تمنع قيام حرب أهلية في لبنان رغم أن الحروب الأهلية موجودة في كل المنطقة. أيضاً هذا الموضوع يرتب علينا جهداً أمنياً في الداخل بالتكامل مع الأجهزة الأمنية الرسمية، وكذلك نقوم ببذل جهد سياسي.
من فضلكم هناك ملف "محاربة الفساد" يا أخي أنتم شجعان وأقوياء وتستطيعون أن تقولوا أسماء وتستطيعون أن تفعلوا ما تريدون، نحن لا نستطيع لأنه مطلوب منا المعركة الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة. "طيب شيلوا عنا معركة" "ولو" 4 مليون لبناني! بقية اللبنانيين وخصوصاً من يطالبنا ويقول: المطلوب من المقاومة أن تأتي إلى رياض الصلح. "طيب" إذا المقاومة موجودة في الجنوب وعلى الحدود الشرقية وعلى الحدود الشمالية، "اعمل معروف إنت انزل على رياض الصلح، "شيل عني كتف" يا أخي، "شو بس نحن الشعب اللبناني". كانوا في الماضي يقولون "إنو ما في بالجيش إلا عبد الله". فلذلك نحن عندما نأخذ بعين الاعتبار حجم الملفات والأعباء والأولويات التي نحن فيها، ثانياً جدوى المعركة. مثلاً قل لي "تعال نعمل إطار رأس الحربة فيه حزب الله لنحارب الفساد" أنا أقول لكل الناس الذين يفترضون الفساد "مين وكيف وإلى آخره"، إذا دخلنا نحن في مواجهة سياسية شعبية من هذا النوع في مثل هذه الظروف، أين يصبح البلد!؟
في الماضي الإمام موسى الصدر أعاده الله بخير أقام مهرجاناً في بعلبك ومهرجاناً في صور من أجل المستضعفين والمحرومين والفقراء، لكن عندما بدأ "المشكل" الداخلي في لبنان وبدأ إطلاق النار ترك كل شيء وأصبح همّه وغمّه إطفاء النار وإيقاف الحرب الأهلية والتفتيش عن حل سياسي.
هكذا يقول العقل والمنطق والدين، يقول هناك أولويات. أنا في الأولوية الأولى والثانية والثالثة والرابعة أنا وإخواني نحمل هذا الهم عنكم، يا أخي في الخامسة كونوا أنتم القيادة ونحن نقدر أن نساعدكم بشيء.
س: بعض المتظاهرين في الشارع رفعوا شعار "كلهم يعني كلهم" في معرض اتهام الطبقة السياسية بالفساد، هل أزعجكم هذا الشعار أم تتفهمون مضمونه؟
سماحة السيد حسن نصر الله: لا نتفهم مضمونه، لأن هذا ظلم. هل تستطيع أن تتفهم الظلم؟ لا تستطيع أن تتفهم الظلم.
س: بعض المخابرات الغربية يبدو أنها مهتمة بوضعك الصحي سماحة السيد ؟
سماحة السيد حسن نصر الله: تستطيع أن تطمئنهم. وضعي الصحي الحمد لله تمام، تمام.
س: عندما تأتي لتنام في آخر الليل بماذا تفكر؟
سماحة السيد حسن نصر الله: "مش لازم فكر تإقدر نام".
س: كلمة أخيرة سماحة السيد؟
سماحة السيد حسن نصر الله: أتمنى كل الخير للبنانيين والعرب والمسلمين وشعوب المنطقة والعالم. إن شاء الله بالهمة والإرادة والعزم وتحمل المسؤولية نصل إلى النتائج المطلوبة. ليس مسموحاً لليأس أن يتسلل إلينا. لا يجوز أن نستسلم للتعب. إرادتنا وإيماننا وثقتنا بالله سبحانه وتعالى بالمستقبل وبالخير الموجود في شعبنا وفي أمتنا يجب أن يكون إيماناً كبيراً ونستند إليه ونواصل الطريق.