
كلمة عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب نواف الموسوي في حسينية بلدة طيرفلسيه الجنوبية
كلمة لعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب السيد نواف الموسوي خلال الاحتفال التكريمي الذي أقامه حزب الله لمناسبة مرور ثلاثة أيام على استشهاد الأخ المجاهد علي حسين مازح في حسينية بلدة طيرفلسيه الجنوبية بحضور لفيف من العلماء والفعاليات والشخصيات، وحشد من أهالي البلدة والقرى المجاورة، وقد جاء فيها:
إننا نقدم دماءنا وشبابنا وقدمناهم من قبل مع بيوتنا وأرزاقنا من أجل تحرير وطننا من الإحتلال الإسرائيلي، واليوم نقدم تضحيات لا يقدمها أحد في لبنان دفاعاً عن لبنان في مواجهة العدوان التكفيري الذي لولا قتالنا إياه لكان دخل إلى بيروت كما دخل إلى الموصل وغيرها من المدن العراقية والسورية، ولكانت الفظائع قد ارتكبت على مدى لبنان من طرابلس إلى البقاع الغربي وجونية وصولاً إلى صيدا وبيروت، ولذلك فإن على الذين يشعرون اليوم بظلم وبأسىً جرّاء عجز الدولة اللبنانية عن القيام بالواجبات الأساسية تجاه المواطن، عليهم أن لا ينسوا أن هذه المقاومة هي السبب في استقرارهم وسلامتهم وفي قدرتهم في التعبير عن رأيهم فيما يعانون منه من عجز الدولة وقصورها.
إن الحرب الأميركية التي أعلن عنها جيفري فيلتمان أمام الكونغرس الأميركي حين قال إن إدارته قد أنفقت في ثلاث سنوات خمسمئة مليون دولار لتشويه صورة حزب الله لدى الشباب اللبناني هي لا زالت قائمة، فصحيح أن فيلتمان أنهى عمله في لبنان كسفير، ولكن الإدارة الأميركية لا زالت مستمرة في برنامج تشويه صورة حزب الله لدى الشباب اللبناني بل ولدى الشباب العربي كما سبق لفيلتمان نفسه أن تحدث في إحدى المرات، ولا زالت مؤسسات وشخصيات تتلقى التمويل من السفارة الأميركية ومن مؤسسات أميركية ظاهرها العمل للديمقراطية، إلاّ أن مرجعيتها هي عند الإدارة الأميركية، وهي ليست إلاّ أداة غير رسمية لتنفيذ السياسة الأميركية من أجل العمل على تشويه صورة حزب الله والمسّ بها لمنع جاذبيتها عن الشباب اللبناني حتى لا تهوي أفئدتهم إليه وإلى المقاومة، وفي حين أن الأزمة السورية كانت قد استغلت في وقت من الأوقات لتشويه صورة حزب الله لدى الشباب العربي، إلاّ أننا وبعون الله تعالى تمكنّا من كشف أن المجموعات التكفيرية تعمل بإدارة إسرائيلية، وقد بدأ الوعي لدى الشباب العربي بأن ما يحصل في سوريا هو حرب بين الإدارة الأميركية وحليفتها إسرائيل على الدولة السورية المقاومة، وتستخدم المجموعات التكفيرية فيها كأداة في سبيل ضرب هذه الدولة.
إننا لا نقبل من أحد أن يأخذ "الصالح بعزا الطالح"، ولا يمكن لأحد أن يساوي بين مفسد بالرغم من أنه معروف بفساده وبين من هو غير مفسد، ثم يأتي البعض ويبيّن نفسه على أنه غير منتمي لأي جهة سياسية من أجل مواجهة أو النيل من المقاومة، فهذا الأمر لا يحق لأحد على الإطلاق، ونحن الأحرص على بلدنا وعلى ناسنا ولم نبخل بدمائنا عن هذا الوطن ولن نبخل عنه لا بشربة ماء ولا بوظيفة ولا بأي شيء لو كنا قادرين، ونحن نفعل بحدود ما نقدر، ولذلك فإن من أراد مواجهة الفساد عليه أولاً أن يحدد العنوان الحقيقي والدقيق للفساد، لا أن يتصرف من موقع النيل من الجميع دفعة واحدة، فهذا ظلم ومجانبة للحق وهو أمر غير مقبول لا منطقاً ولا شرعاً ولا عرفاً، ونحن بصفتنا أمناء على دماء الشهداء لن نقبل من أحد أن ينال من سمعة مجاهدينا وصورة حزب الله، فعندما نرى أن الأميركي في لبنان يسعى لضرب صورة حزب الله لدى الشباب اللبناني ونرى أن هناك أصواتاً تسعى المسعى نفسه لا يمكننا إلاّ أن نفكر بالعلاقة التي تربط بين هذا وذاك، فإذا كانت المعركة ضد الفساد فلن تجدوا أقدر منا مع بعض حلفائنا بذاته وطبيعته وتكوينه على مواجهة الفساد.
لطالما كانت البنية الإدارية والسياسية في لبنان فاسدة، فمنذ أن تأسس لبنان الكبير أو الجمهورية اللبنانية كان الفساد جزء من نظام الحكم، ولكنه كان بنسبة قليلة، وكان من يفسد يخفي فساده خجلاً، إلاّ أنه ومنذ العام 1992 تحول الفساد في لبنان إلى سياسة رسمية، لأن من أراد السيطرة على الوسط التجاري وتحويله من ملك للدولة اللبنانية موزع لناس لديها أرزاق هناك إلى شركة خاصة هو الذي صمم آلة الفساد المعلنة الكبرى التي تعمل من عام 1992 وما قبل، وقد اشترى صحفيين، حيث كان الصحفي لا يكتفي براتب يتقاضاه من المؤسسة الإعلامية التي يعمل بها، بل كان له راتب موازٍ من آلة الفساد، كما أن المدير في الإدارات العامة وكل حسب تأثيره كان له راتب، فالمطلعون ومنهم من هو في موقع المسؤولية الآن كان يتولى بيده تسليم الرواتب لصحفيين ومديرين وأصحاب مناصب في الدولة اللبنانية، حتى بات هذا الأمر معروفاً، وبالتالي فإن ما أفسد لبنان وجعل الفساد فيه مشروعاً ومعلناً هو المشروع السياسي الذي بدأ عام 1992 بتقويض الدولة اللبنانية وتحويلها إلى مجموعة من الشركات الخاصة، ورأينا كيف أن وسط بيروت الذي كان يوجد فيه إبن الجنوب والهرمل وكل محروم في الريف فجأة استلب وتحول إلى شركة خاصة معروف من يذهب إليه، وهكذا بدأت عملية قضاء ممنهج على الدولة اللبنانية، لتوضع بجنب كل وزارة شركة تصادر لها أعمالها، حتى وصلنا إلى أن لبنان باتت تتقاسم أعماله مجموعة من الشركات المعروفة بالإسم بالنفايات والمقاولات والتزفيت وما إلى ذلك، وعندما ينشب النزاع بين أصحاب الشركات ويتقاتلون على العائدات والمشاريع تُشل الدولة اللبنانية ولا تعود قادرة حتى على رفع النفايات من الشارع.
إن الفساد في لبنان له هوية وعنوان معروفان، وله إدارته الخارجية المعروفة، والتي هي نفسها المسؤولة عن التكفير والآفات والاضطراب في هذه المنطقة، وأن الوكيل المحلي للإدارة الخارجية يكمل مهمته في الداخل، ولذلك فإننا إذا كنا في صدد مواجهة الفساد فعلاً فالإصلاح لا يبدأ إلا من حيث انتشر الفساد، ولنبدأ من السوليدير نفسها، ولتعد السوليدير قلباً لبيروت وليس "الداون تاون" أو أسفل المدينة، لأننا لا نريد لقلب لبنان أن يكون أسفلاً للمدينة بل نريده أن يعود قلباً للبنان يلتقي فيه الجميع، ولنبدأ من كل شركة تأخذ التزامات فنحاسبها، ولا نضيّع ولا نعدد حتى لا نعود قادرين على التحديد، فالفساد معروف من أين بدأ، ورأس الفساد كان من الوسط التجاري.
إن ما يعوق عملية الإصلاح هو أن هذا الفساد المالي والإداري يأتلف مع الاستبداد السياسي القائم على اعتبار أن تعديلات اتفاق الطائف الدستورية تساوي نقل الصلاحيات من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة مجلس الوزراء، وعليه فكما كان رئيس الجمهورية بصلاحيات ملك في نظام ملكي -على ما قاله إدمون ربّاط (الفقيه الدستوري) في كتابه الوسيط في القانون الدستوري اللبناني- يريد البعض في لبنان أن يكون لرئيس الوزراء صلاحيات ملك في نظام ملكي، وهذا افتراء على اتفاق الطائف وتزوير له، لأن الدستور ينصّ على الحكم الجماعي العادل للطوائف التي يجب أن تمثل بصورة عادلة في مجلس الوزراء الذي هو مناط بالسلطة التنفيذية والإجرائية، ومن خلال مشاركة الطوائف العادلة لممثليها الحقيقيين تتحقق الديمقراطية اللبنانية القائمة على أساس الديمقراطية التوافقية كما هو حالها وكما يؤشر الدستور إلى ذلك.
إننا نأمل أن تؤدي مبادرة رئيس المجلس النيابي الأستاذ نبيه بري إلى إطلاق الحوار مجدداً حول الموضوعات التي أشار إليها، وأن تكسر حاجز الاستبداد الذي يمارسه البعض، لكي نفتح الطريق إلى قرار بإحلال الشراكة القائمة على التوازن والعدل في صناعة القرار الوطني، لا أن نكون في صدد مطالبة من يملك بأن يمن علينا ببعض ما يملكه، لأن الحوار يقوم على قاعدة كيف تحقق الشراكة وليس على قاعدة أن يمنّ حزب المستقبل بما يمتلك اليوم من قدرات وإمكانيات وسيطرة على الدولة وعلى غيره من القوى الأخرى ببعض الصلاحيات أو الأعطيات، فنظامنا ليس ملكياً ولا أميرياً، بل هو قائم على الديمقراطية كما ينص عليها الدستور الذي نفهم منه أنها ديمقراطية التوافق والتشارك، والمادة 95 في الدستور اللبناني واضحة بقولها "تمثل الطوائف بصورة عادلة في الحكومة التي هي صاحبة السلطة الاجرائية"، وبهذا القدر فإنه لا رئيس حكومة ولا رئيس جمهورية، ولذلك فإننا إذا ما تمكنّا من وقف استبداد البعض في لبنان فإننا سنفتح الطريق إلى إنهاء الفساد في لبنان وبغير ذلك تضيع البوصلة والجهد.