كلمة لعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب السيد نواف الموسوي خلال احتفال تكريمي أقامه حزب الله لمناسبة مرور أربعين يوماً على استشهاد الأخ المجاهد كمال عبد الله خشّاب في حسينية بلدة شحور الجنوبية بحضور عدد من العلماء والفعاليات والشخصيات، وحشد من الأهالي، وقد جاء في كلمته:
إن شبابنا في هذه القرية وغيرها من القرى نهضوا حينما هددت مقدساتنا ووجودنا في الوطن والمنطقة، محميين بدعاء الأمهات والآباء والأجداد والجدّات، حاملين السلاح ذوداً عن المقدسات والوطن والشعب والأمة، ولم يقصّروا في ذلك، وكان الواحد منهم إذا جُرح لا ينتظر حتى يبرأ جرحه على نحو كامل، بل يشتاق إلى ساحات المواجهة التي لم تعرفه إلّا بطلاً جسوراً مقداماً، وهذا ما عُرف عن شبابنا في سوح الجهاد، وهم الذين مشوا في خطى العباس (ع) وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، فحين نقف هذا الموقف يكبر قلبنا، ونشعر بعزّة على ما نحن فيه، ويشهد العالم الصديق منه والعدو على أن ما فعلناه في دحر العدوان الصهيوني كان عملاً مشرّفاً تفخر به الأمم الحرّة، وما نفعله اليوم من درء للعدوان التكفيري هو ما يسعى إليه العالم أي الإنسان لا الحكومات ولا الأنظمة، خاصة حينما يرى الشر المستطير للتكفيريين وهم يذبحون ويأسرون ويسبون ويبيعون البنات في سوق النخاسة.
إننا نقف شامخين لأننا حمينا أهلنا ووطننا، ومنعنا ذُلّ السبي والأسر والاعتقال والذبح عنهم، فنحن لم نقصّر في أي وقت من الأوقات، وكنّا نقوم بكل ما يفترض أن نقوم به منذ أن كنّا يافعين، فعندما كان أهلنا ينامون في بيوتهم، كانت هناك عيون ساهرة في الأودية وفي المواقع، ترابط وتخطط وتهاجم من أجل أن يتحقق التحرير.
إن العالم اليوم يُجمع بجميع مؤسساته على أن مقاومة حزب الله هي المقاومة الأولى في العالم على مستوى التسليح والخبرة والقتال، ولا ينازعها أحد بمعزل عن الأيديولوجيا، فبعض المسؤولين العسكريين ومنهم مسؤولون عسكريّون إسرائيليّون يقولون إن ما يمتلكه حزب الله هو أكبر مما تمتلكه بعض الدول، فهذه المؤسسة المقاومة قد بناها أبناؤنا وإخواننا الذين لا نعرفهم إلاّ حينما يستشهدون أمثال القائد الجهادي الكبير الحاج عماد مغنية الذي هو من المؤسسين العظام للمقاومة الإسلامية في لبنان، وحتى الآن فإن الناس لا تعرف قدره، ولكنها عرفت به بعد استشهاده، وكم من الأسماء التي لا تزال غير معروفة، والتي نسأل الله أن يطيل في أعمارها.
إن الشهداء الذين قدمتهم هذه البلدة وغيرها من البلدات هم من الذين أسهموا في بناء هذه المؤسسة التي إسمها المقاومة، ويشهد لها العالم في التفوّق ويقف أمامها باحترام، ولكن في المقابل هناك بعض الذين يشنون علينا الحملات بسبب هذه المقاومة التي حررت لبنان وحمته ولا زالت تحميه من العدوان الصهيوني ومن العدوان التكفيري، ولولا هذا العمل المقاوم الذي قمنا به من خلال تصدينا للإرهاب التكفيري، لكانت قرى لبنانية بأكملها قد أصبحت تحت السيطرة التكفيرية، ولكان الخطر قد امتد إلى العاصمة وإلى غيرها من المدن، فعلى الرغم مما نقدمه في هذا المجال يشن البعض علينا الحملات، في حين أن مسؤوليتهم التي ادّعوا أنهم يحملونها ألا وهي العبور إلى الدولة، تبيّن لنا في نهاية المطاف أن كل ما رموا إليه هو العبور إلى الشركة الخاصة لا إلى الدولة، واليوم نحن أمام واقع ليس إلاّ تراكماً لأكثر من عشرين سنة من عملية ممنهجة قامت على تجويف الدولة ومؤسساتها وإرهاقها وإضعافها، ودفعها إلى العجز والشلل من أجل أن تحلّ الشركات الخاصة المملوكة من معروفين محل الدولة في تحمّل المسؤولية تجاه المواطن.
إننا قادرون على تحمّل المسؤولية أياً كانت المسؤولية، وعندما يوكل الأمر إلينا من ألفه إلى يائه، فإننا نقوم بأمور كثيرة من التدريب إلى المقاومة إلى الدفاع والتحرير، ولكننا كنّا دائماً إمّا مستبعدين عن القرار، أو يحول بيننا وبين المشاركة فيه أطماع يتذرع أصحابها بالفتنة الطائفية حتى يمنعوننا عن الخوض فيها، وما نشهده اليوم من حال هو أن الشعار الحقيقي بات العبور إلى الشركة وليس إلى الدولة التي فككوا مؤسساتها الدستورية وأجهزتها الإدارية وجوّفوها من أعمالها، وأنشأوا هيئات خاصة تصادر سلطات الوزارات، ثمّ تحوّلت هذه الخاصة (ما نسبته %82 في أحد المجالات) من أعمال الدولة إلى هيئة توزّع بدورها أعمالها على شركة أو شركتين معروف من يملكهما.
إننا اليوم أمام واقع يدعونا إلى أن نضع النقاط على الحروف، ولذلك نقول إننا لن نقبل لأهلنا الذين ما بخلوا على وطنهم وأمتهم وشعبهم بدمائهم أن يتطاول عليهم أحد بالإساءة إليهم عبر التقصير بأداء واجباته في حدّها الأدنى، وإذا كان مطلوباً أن نتحرك نحن والأخوة في حركة أمل بصورة ذاتية لتحمّل المسؤولية فلن نتأخر عن ذلك، وما تأخّرنا يوماً من الأيام، وإنما حرصنا على أن يبقى لهذه الدولة كيان موحّد حتى لا يقال إن منطقة من المناطق اللبنانية أقامت استقلالاً ذاتياً، أو أننا في صدد التقسيم أو في إطار الافتراق عن الوطن، فنحن صبرنا حتى لا نسمح لأحد أن يستغل الآلام لينفذ منها إلى تحقيق التقسيم الطائفي والسياسي والجغرافي في لبنان، ولكن السيل قد طمر الرُبى بعدما بلغ الزُبى، وأصبحنا أمام مسؤوليات لا تحتمل التأخير، ولذلك ندعو الجميع اليوم إلى الارتفاع عن المكائد السياسية التي لا تغيب عنّا لا حياكتها ولا أهدافها، فالوقت ليس للمكائد السياسية، لأن المنطقة تشتعل بأسرها، وليس الآن هو أوان إظهار المهارات في الكيد السياسي.
إن المسؤولية الوطنية تفترض بالجميع السعي إلى إعادة بناء الدولة الموحدة، ونحن لن نقبل بلبنان المقسم، بل نريد لبناناً واحداً بطوائفه جميعاً، ولكننا في الوقت نفسه لا نريد مؤسسات دستورية يقف على رأسها من يُدار من الخارج فيكون مجرد مفوّضاً سامياً لقوة استعمارية تأتي من وراء البحار أو الصحاري، بل نريد رئيساً للجمهورية يعبّر عن القاعدة الشعبية المسيحية الحقيقية، ولا نريد موظفاً في شركة ما يأتي ليصير رئيساً للبلاد وهو يقبّل ليل نهار يد أميره قبل أن يقبل يد ملكه، ونريد أيضاً للمؤسسات الدستورية أن تعود إلى العمل، ولمجلس الوزراء أن يتحمل مسؤولياته بالعمل على أساس ميثاقي توافقي كما توافقنا منذ البدء، لا أن يدفع البعض لتكرار خطأ تهميش طائفة كما فعلوا في الأعوام 2006 و2007 و2008، حيث استبعدنا نحن جميعاً في حزب الله وحركة أمل عن المشاركة في القرار الوطني، فهل يريد البعض في لبنان هذه المرة تكرار هذا الأمر مع ممثلي الطائفة المسيحية.
إننا نطلب من الجميع أن يعودوا إلى المجلس النيابي ليواصل عمله التشريعي ويتحمّل مسؤولياته، لأنه في غياب العمل التشريعي لا يمكن لممثلي الشعب أن يعبّروا كما ينبغي عن موقف الشعب إزاء تصرّف السلطة التنفيذية أكان إهمالاً أم تقصيراً، ولذلك فإننا ندعو الجميع إلى التنبّه، ودولة الرئيس تمام سلام هو القادر على فهم ما يجري من حوله، وعليه أن ينظر جيداً، لأن ثمّة هناك من غرّق الليرة اللبنانية في عام 1992، وهناك من يريد إغراق اللبنانيين في العام 2015، والغاية من هذا التأزيم المطلق هو إخضاع لبنان، وإركاعه أمام الإرادة التي تأتي من الصحاري، فلبنان لم يعتد على الاستسلام، ونحن لن نستسلم، بل سنبلسم جراحاتنا بأيدينا، ولن نقبل لوطننا أن يفرض عليه الانتداب المقنّع أو المباشر.