كلمة لعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب السيد نواف الموسوي خلال احتفال تأبيني أقيم في حسينية بلدة أرزون الجنوبية، وقد جاء فيها:
لقد كنا جميعاً إلى أي جهة انتمينا شركاء في الألم والمعاناة، ولكي نكون شركاء في العزة والإنتصار أيضاً، علينا أن نعزز وحدتنا التي شكلّت جسراً إلى هذا الإنتصار، لأن تأخّر شعوبٍ مثلنا تؤمن بما نؤمن به في إنجاز وحدتها أدى إلى أن تجد نفسها وقد صار العدو على أبوابها يحمل السكين، وحينها ذهبت إلى شراكة الدم وباتت واحدة، كالذي حصل مع الحشد الشعبي في العراق، ونحن بدورنا نريد لوحدة الدم والموقف أن تستمر، وإننا قادرون على احتواء تنوعنا مهما تعددت انتماءاتنا، لأننا نعرف أن الجينة الأصلية هي واحدة، وقد ورثناها أباً عن جد إلى الأجيال البعيدة في الولاء لأهل البيت (ع) والإمام الحسين (ع)، الذي مكننا الله من أن نكون معه بصورته التي يتجلى فيها بمواجهة المستكبرين، فقد أناط الله بنا مهمة جليلة وهي مقاومة العدو الصهيوني، فقاومناه بإخلاص، وامتزج الدم مع الدم، وتحقق الإنتصار الذي بات معلماً لا يمكن تجاوزه، ومن ثم أكمل الله مننه علينا، فأناط بنا مهمة مواجهة الذين واجهوا الإمام الحسين (ع) بفكرهم وأشخاصهم وسلوكهم وجرائمهم وخطابهم ألا وهم التكفيريون، وليكابر من يشاء المكابرة إلاّ أن الحقيقة واقعة لا نقاش فيها، وهي أنه لولا قتالنا المبكر لهؤلاء التكفيريين في عقر دارهم لكانت مدننا وقرانا مملوءة بالدم والسكاكين، فهذه أقاصي الأرض من عرب وغيرهم، تعاني من هجمات التكفيريين من تونس إلى الكويت والسعودية وفرنسا وبريطانيا وحتى الولايات المتحدة التي تشهد حالة استنفار، والجميع يقف على أهبة الإستعداد لمواجهة العدو والخطر التكفيري، في حين أننا تمكنّا من أن نضع حدّاً لهؤلاء التكفيريين، ونقيم من حول لبنان حزاماً آمناً نقيه به الشرور التي نراها في كل مكان.
إن المعركة هي مع التكفيريين الذين يشكّلون خطراً على الإنسانية بأسرها، وهذه هي الوجهة الصحيحة للمعركة، وهذا ما هو عليه حال الأمم، ولكن البعض يحاول تغيير صورة هذه المعركة لأسباب تتعلق بدوره ومستقبله، إلاّ أن المعركة ليست بين مذاهب أو قوميات، بل هي مع الخطر التكفيري الذي كان النظام السعودي هو الأساس في نشوء فكره ورعاية انتشاره، والذي يحاول اليوم التنصّل من مسؤولياته، عبر قلب طبيعة المعركة من خلال التحريض بين أصحاب المذاهب وأتباعها على بعضهم البعض لتغيير صورة المعركة وتصوريها على أنها مذهبية، ولذلك فإنه إذا أراد أحدهم أن يقدم نفسه بدور فاعل، فيجب عليه أن لا يغيب صورة أن هذه المعركة هي بين كل ما يمت إلى الإنسانية بصلة وبين التكفيرية المعادية لها، وبالتالي فإن الدور الفاعل لا يتخذ في لبنان من خلال التحريض، بل يمكن أن يتخذ من خلال القيام بالواجب الوطني في مواجهة التكفيريين وملاحقتهم واستئصالهم وتفكيك شبكاتهم وملاحقة ناشري أفكارهم، لأن التكفيرية تبدأ كفكرة ثم تتحول إلى خطر، والمشكلة لا بقمر ولا بهلال بل هي في الخسوف السعودي الذي يولّد الفتن ويريد أن يعمّ الظلام على هذه الأمة، ولكن مهما بلغ خسوف من انخسف، فإن هذه الأمة قد شقّت طريقها إلى النور الإنساني الذي ننشره عبر درب المقاومة لنجعله يضيء في كل لحظة في مقابل الخسوف السعودي كي لا يكون هناك ظلام.
إننا كنّا ولا نزال في نفس المعركة، لأنه حين نواجه العدو التكفيري فإننا نواجه العدو الإسرائيلي، وبالرغم من محاولة البعض لتغطية علاقة المجموعات التكفيرية بالعدو الصهيوني، نجد أنه عندما خرج شباب مجدل شمس المحتلة واعترضوا سيارة إسعاف عسكرية إسرائيلية وأخرجوا منها الجرحى من مقاتلي النصرة، قد انكشفت الأوراق ولم يعد بوسع أحد أن يخفي أن هذه المجموعات هي أدوات إسرائيلية، وأن لا فرق بين جبهة النصرة وداعش وبين جيش لحد، وأن كلاهما كانا يعملان بالإدارة والرعاية الصهيونية، فلذلك نحن قاتلنا العدو الصهيوني ولا نزال نقاتله، وهو وإن تبدّى لنا اليوم على شكل دمى هي هذه الدمى التكفيرية إلاّ أن العدو الأصلي لا يغيب عنا أبداً.
إننا وبمناسبة زيارة المبعوث الخاص للخارجية الأميركية لشؤون الطاقة آموس هوكستين، نوّد أن نلفت عناية الرأي العام اللبناني إلى خطورة ما نحن بصدده، وإلى الفرصة المتاحة لاستعادة حقوق يراد إفقادنا إياها، فثمّة مشروع يطرح بمدّ أنبوب للغاز من حقل تمار الصهيوني إلى ميناء جيهان التركي، ولكن هذا الأنبوب يجب أن يمرّ في المنطقة الإقتصادية الخالصة لقبرص، لأنهم لا يستطيعون أن يمرروه في المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان بالرغم من أنه أوفر وأقصر، إلاّ أن المشكلة هي أنهم لا يستطيعون مدّه عبر المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص لأن لبنان لم يبرم في المجلس النيابي اتفاقية تحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة معها، وحسناً قد فعل المجلس النيابي، لأن الاتفاقية التي وقعتها حكومة 17-1-2007 قد أضرّت بمصالح لبنان، فبدلاً من أن تتمسك بالنقطة الثلاثية الأبعاد المعروفة برقم 23، فقد تراجعت إلى النقطة رقم واحد، والآن العدو يدّعي أن 860 كلم مربع من منطقتنا الاقتصادية الخالصة الغنية بالنفط والغاز هي له، ولكن الحكومة اللبنانية قد تصرّفت بما ينبغي، وأبلغت الأمم المتحدة بأن هذه المنطقة هي لها، إلاّ أن المشكلة التي بقيت هي أن لبنان قد وقّع على اتفاقية القانون الدولي للبحار التي تقتضي بأنه حينما يدّعي طرفان بامتلاكهما لأي منطقة فيجب عليهما حينها أن يمتنعا عن القيام بأي نشاط فيها، وهذا يعني أن 860 كلم مربع من منطقتنا الاقتصادية الخالصة هي منطقة ممنوع على لبنان أن يعمل فيها، وهنا يكمن الفرق بين ذهنية المقاومة التي تقتضي بأن لا نتراجع عن الحقوق ونتمسك بها، وبين ذهنية تقتضي التراجع عن هذه الحقوق خشية افتعال المشاكل مع الإسرائيلي بما يحفزه على اللحاق بنا وسلبنا لحقنا، ففي عام 2010 وقّع الإسرائيلي اتفاقية مع قبرص على النقطة رقم واحد التي تراجعت إليها الحكومة اللبنانية، وبالتالي فإنه وفي حال أردنا التفكير إنعزالياً ولبنانياً فقط بصرف النظر عن أي شيء آخر أو أي تفكير كان، فنجد أننا لا نستطيع أن نحافظ على مصالح لبنان إلاّ بالمقاومة، ولذلك فإنه ليس من وطني ولبناني صرف وحقيقي إلاّ ويجد نفسه في موقع المقاومة ويقرّ بأنه ليس من سبيل للمحافظة على ثروات لبنان وحقوقه ومصالحه إلاّ بالمقاومة وليس بأي شيء آخر، لأن الذي يمنع الإسرائيلي اليوم من أن يمد يده إلى هذه المنطقة هو أن لدى المقاومة القدرة على إصابة منصاته في ما لو جرّب ذلك، وإلاّ كان قد بدأ بالدخول إلى حقولنا، وهو الذي لم يوقّع ولا يوقّع على الإتفاقية الدولية لقانون البحار بما يجعله غير ملزمٍ بقرارتها فيدخل وينقب.
إن هذا التهديد اليوم يشكل فرصة لنا، لأن الولايات المتحدة الأميركية مهتمة بإيصال غاز إلى أوروبا مما يخفف الإعتماد على الغاز الروسي، فتضغط عبر سفيرها في تل أبيب على كتل برلمانية في الكنيست الإسرائيلي لحثّها على الموافقة على مشروع قانون الغاز الإسرائيلي في ظل الجدل الحاصل في إسرائيل حول وجود فساد أو عدمه في مسألة التلزيم الذي حصل لشركة نوبل إنرجي، ولأنه لا يمكن أن يمرّ هذا الأنبوب إلاّ إذا وقّعت الإتفاقية بين لبنان وقبرص وأبرمت في المجلس النيابي اللبناني، فنجد أننا نمتلك ورقة بيدنا تجعل لبنان أمام فرصة ينبغي على الدولة الاستفادة منها من خلال مطالبة الجانب القبرصي بإعادة الأمور إلى نصابها وجعل النقطة الثلاثية الأبعاد هي النقطة 23، التي من وجهة نظرنا ونظر العديد من الباحثين في الطبوغرافيا والجغرافيا والجيولوجيا هي الحد الأدنى للحق اللبناني، لأن هناك نظريات ترسم الخط إلى ما بعد ال 23 باتجاه فلسطين المحتلة، وبالتالي فإن أمامنا فرصة لأن نتشبث بحقنا كاملاً، وأن نصرّ على أن تكون النقطة 23 هي النقطة الثلاثية الأبعاد، لأن خصومنا هم المستعجلون، ونحن يجب أن نستفيد من هذا الأمر، وفي الوقت الذي نخشى فيه أن تؤثر حالة الشلل التي تعيشها المؤسسات اللبنانية على هذه الفرصة، إلاّ أننا ندعم في الوقت نفسه جهد المسؤولين اللبنانيين الذي ينصب في هذه الآونة على محاولة استعادة حقوقنا.