كلمة لعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب السيد نواف الموسوي خلال الاحتفال التكريمي الذي أقامه حزب الله لمناسبة مرور ثلاثة أيام على استشهاد الأخ المجاهد كمال عبد الله خشّاب في حسينية بلدة شحور، بحضور مسؤول منطقة الجنوب الأولى في حزب الله أحمد صفي الدين، إلى جانب عدد من العلماء والفعاليات وعوائل الشهداء وحشد من الأهالي، وقد جاء فيها:
ما من أمة من الأمم تحظى اليوم بالكرامة والعزة إلّا وقد مرّت في طرق كثيرة من حروب متعددة راح فيها الملايين من شبابها من أجل أن تحقق لنفسها السيادة التي هي ليست شعاراً يردد، بل هي وضع ننشئه بأفعالنا ونمارسه بعد ذلك في كل موقف نتخذه، ولذلك فإنه من الطبيعي أن تتداعى أوهام دعوة البعض إلى السيادة بعد أن تبيّن أنه يقف في باب هذا السفير أو ذاك ليستجدي مالاً أو دعماً، ولكن عندما يكون لدى هذه الجماعة شباب حاضر للإستشهاد للدفاع عن حقوقه، فحين ذاك تكون علاقته مع الآخر ندية وقائمة على الاحترام المتبادل، وأما العلاقة التي تقوم على أساس التبعية المالية فهي ليست من السيادة ولا من الاستقلال أو الحرية بشيء، وبالرغم من أنه من الطبيعي أن أصحاب القضايا يسعون إلى لحصول على دعم لقضيتهم، لكن شتّان بين قضية وقضية وبين دعم ودعم وبين موقف وموقف.
إن ما اطلع الجميع عليه بالأمس يؤكد ما كنا نعرفه من أن ثمة طبقة سياسية في لبنان قد آثرت ذهنية القناصل التاريخية، بحيث تقدّم ولاءً للأجنبي مقابل دعم مالي وسياسي بهدف استحكامها وسيطرتها على الحكم لفرض السيطرة الآحادية عليه بعد ذلك، فما جرى يؤكد أن الذين سلكوا درب المقاومة والشهادة هم القادرون على أن يحققوا السيادة والحرية والاستقلال للبنان، لأنه لا يمكن تحت أي ظرف من الظروف أن يبيع المرء دمه وقيمه وأهله من أجل موقف خارجي أو أجنبي، ونحن إنما نقدم هذه التضحيات التزاماً بقناعة نشأت من عقيدة راسخة ولتحقيق هدف واضح، لذلك فإن علاقاتنا بصفتنا جهة أساسية في هذا البلد تقوم مع العالم كله، سيما مع أصدقائنا وحلفائنا على الاحترام الكامل، فتكون كلمة سماحة الأمين العام (حفظه الله) كلمة مسموعة ورأيه رأياً في الدرجة الأولى، لا على النحو الذي نشهده من هذه الطبقة السياسية التي تقايض كما شهد الجميع بين موقفها وبين مال تحصل عليه، حتى فقدت إرادتها الحرة وقرارها السياسي المستقل، ولذلك يمكن أن يطرح المرء بصورة مشروعة، ويسأل كيف يمكن للبنان أن يحقق استقلاله وحريته وسيادته في ظل هذه الطبقة السياسية التي لا تملك حرية قرارها، وهل يمكن الاتفاق معها والتوصل إلى تفاهمات إن لم تكن قد نالت رضى الجهة الخارجية التي تحركها في أدق المسائل من قبيل القبول بزيارة أو تحديد المبلغ الذي يمكن صرفه وفي أي أوقات يصرف، وصولاً إلى غير ذلك من الطريقة التي ظهرت في التعامل.
إنه لا يمكن لأحد أن يتعاطى معنا نحن الذين نقدم أنفسنا دفاعاً عن مبادئنا بالطريقة التي ظهرت في التعاطي مع البعض في لبنان، فالأب الذي قدّم شهيداً يقف مندوبو حلفائنا عند بابه ويقبلون عتبة داره، وكذلك سفراء حلفائنا الذين قام العديد منهم بتقبيل أيادي آباء شهدائنا، فهكذا يتم التعاطي مع الأحرار والمجاهدين والذين يقدمون ثمرة فؤادهم، ولأننا نقدم هذه التضحيات فلدينا ميزة عن غيرنا، بأنه لا يمكن لأحد أن يتعاطى معنا إلاّ على سبيل الاحترام، بل ويشعر بالتقصير حيالنا لأننا حين نقف ونقاتل ونستشهد، فإننا نقاتل دفاعاً عن الجميع، والذين يحملون علينا يعرفون أننا بوقفتنا دفاعاً عن لبنان نحميهم، وإلاّ لما كان بإمكان واحد منهم أن يبقى في لبنان.
إننا قدمنا بالأمس ثلة من الشهداء في مواجهة هجمة لما يسمى داعش، ولولا هؤلاء الشهداء ووقفة المجاهدين في مواجهة هجومهم لكانت قرى لبنان والمسيحية منها بالتحديد قد سقطت تحت سيطرتهم، فالمقاومة هي التي تحمي لبنان اليوم في مواجهة أعدائه أكانوا من الصهاينة أم كانوا من التكفيريين، وقد بنينا في مواجهة العدو الصهيوني قدرات تمنعه من التفكير في العدوان على لبنان كما أننا نخوض حرباً شرسة في مواجهة أشقى خلق الله على الأرض في هذه الآونة وهم التكفيريون، ونحقق الإنتصارات التي بموجبها يكون للبنان اليوم هذا الشعور بالاطمئنان والسلامة والأمان، ولولا هذا السد الذي أقمناه وهذا الحزام الذي زنّرنا به لبنان لكان مستباحاً أمام هجمة لا تبقي فيه ولا تذر، ولذلك فعلى هؤلاء أن يصارحوا جمهورهم بما يقولونه في غرفهم المغلقة بأن قتال حزب الله في مواجهة التكفيريين هو الذي يحمي لبنان، بل ويحمي المنطقة بأسرها، لأنه لو كتب للتكفيريين أن ينتصروا في سوريا لكنا قرأنا الفاتحة على لبنان وعلى العراق وعلى غيره.
إننا نريد للبنان أن يكون تجربة نموذجية في العيش بين المنتمين إلى أديان وطوائف وأفكار مختلفة، وقد كان من المفترض أن يكون اتفاق الطائف إطاراً للحكم الجماعي وليس طريقة لنقل السلطة من طائفة إلى أخرى أو من موقع دستوري إلى آخر، ولكننا اليوم نجد أن هذا الاتفاق في تطبيقه المنحرف لا يحقق المشاركة الفعلية للطوائف اللبنانية، والطريقة المعتمدة في إدارة الحكم تشعر فريقاً بأسره بأنه مستثنى من القرار وعرضة لاضطهاد منهجي، فلا يستطيع أن يمتلك الكلمة في التعيينات التي تخصه وفق الأعراف المعمول بها في لبنان، ووفق ما نص عليه الدستور من وجوب احترام مبادئ وثيقة الوفاق الوطني، وكما يفعل غيره من اللبنانيين، فحين يعلو صوت التيار الوطني الحر اليوم إنما هو من أجل تسليط الضوء على ذهنية الإستئثار بالحكم التي سبق في أعوام 2006 و2007 و2008 أن استثنت طائفة بأسرها وهي الطائفة الشيعية، حيث استبعدت من الحكم على مدى ما يقارب الثلاث سنوات، واليوم يشعر هذا التيار والذي هو يمثل الأكثرية المسيحية في لبنان حتى وفقاً لقانون انتخاب غير عادل بأنه مهمش ولا يشارك بالحكم، ومستبعد عن الحصول على حقوقه في التعيينات التي نُصّ عليها عرفاً ودستوراً، ولذلك فإنه من الظلم أن يجري تحميله مسؤولية الأزمة السياسية التي نواجهها في هذه الآونة، بل إن الذي يتحمل مسؤولية التعطيل في المجلس النيابي من قبل وفي مجلس الوزراء هو ذهنية الإستئثار بالحكم التي يصر فريق سياسي على انتهاجها اليوم مع غيرنا كما كان قد انتهجها معنا، فإلى متى يمكن أن يستمر هذا الأمر.
إن من يسيئ إلى اتفاق الطائف اليوم هو الذي يتصرف من موقع الإستئثار لا من موقع الشراكة، وإن المادة 17 من الدستور أصبحت تنص بعد أن جرى تغييرها على أن السلطة الإجرائية منوطة بمجلس الوزراء، وتعني عطفاً على المادة 95 من الدستور مشاركة الطوائف التي تتمثل بصورة عادلة وحقيقية في مجلس الوزراء، ولكننا نجد أنه حين يكون هناك تعيين يطال الطائفة السنية يأخذ فريق المستقبل حصرية التعيين، كما وأنه حين يكون التعيين لدينا فإننا مع الأخوة في حركة أمل نقوم بذلك، ولكن عندما نصل إلى موقع لدى المسيحيين لا يعود هناك إمكانية للتعيين، ونسأل لماذا هذه الطريقة في إدارة الحكم التي تؤدي إلى تهميش المسيحيين وإقصائهم، ونحن إذ كنا نقدم التضحيات دفاعاً عن بلدنا فإننا نقدمها من أجل أن يبقى بلدنا نموذجاً للعيش المشترك لا أن يتولى الأداء السياسي القائم على الاستئثار مهمة تدمير هذا النموذج والتجربة، ولذلك فإننا ندعو إلى حلّ الأزمة السياسية من خلال الإلتزام بالوعود التي أعطيت للتيار الوطني الحر، والإقرار بحقه في تمثيل الأكثرية المسيحية، لأنه من دون ذلك ستبقى الأزمة قائمة باستهدافها فريقاً ميثاقياً يمكن لموقفه أن يطعن بهذه التجربة، بل يطعن في دستورية القرارات والقوانين التي يمكن أن يقدم عليها البعض.
إننا تحملنا مسؤولية مواجهة التكفيريين على المستوى العسكري والسياسي على نحو مباشر لأنها مسؤولية وطنية، ولذلك فإن أقل الحق لهذا الفريق الذي يقاتل التكفيريين عن شركائه في الوطن أن يتعاطوا مع تضحياته من موقع الإعتراف والإحترام، لا أن يستمر هذا الضغط المبرمج الذي يستهدف النيل من المعنويات، رغم أنه من الملاحظ أن هذا الضغط يرتد مفعولاً عكسياً، فكلما زاد زادت قدرة مجتمعنا واستعداده لتقديم التضحيات، وإن ما قمنا به في لبنان هو إدراكنا على نحو مبكر لحقيقة الخطر وتصدينا له عبر قيادة حكيمة تدرك المخاطر وتقرر القرارات المناسبة بشأنها، بحيث يتمنى البعض في العالم العربي لو أنه فعل ذلك وأدرك هذا الخطر قبل أن يصل إلى عقر داره.
إن الجرائم التي يستمر النظام السعودي بارتكابها ضد الشعب اليمني يجب أن تكون موضع إدانة، ولكن ينبغي التنويه إلى أنه لن يكون باستطاعة هذا النظام فرض إرادته على شعب حر سيكتب له النصر على العدوان، والذي سيكون له أبعاد استراتيجية بدأنا نستشعرها وستتوطد على نحو واقعي في أقرب الأوقات.