أكد وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش حرص المقاومة على أمن واستقرار لبنان، لافتا إلى أن أي موقف رسمي للبنان يجب أن يكون صادراً عن مجلس الوزراء وإلا فإنه لا يعبّر عن موقف الحكومة، مشيراً إلى أن ما صدر في القمة العربية لم يدرس ولم يطرح في مجلس الوزراء، وبالتالي "كان من الطبيعي أن نقول إن هذا الموقف يمثل وجهة نظر بعض اللبنانيين، وبعض الفرقاء، ولا يمثل موقف الحكومة". ودعا فنيش إلى عدم تجاوز المؤسسات، "فنحن تعاملنا مع بعضنا كحكومة، واعتمدنا مبدأ التوافق في أبسط الأمور، فكيف بهذه المسائل الأساسية التي تحدد موقف لبنان، لذا لا يمكن لأحد أن يتفرد في الموقف وينسبه إلى الحكومة، وما صدر لا يعبّر بالتأكيد عن موقفنا، ونحن جزء أساسي من هذه الحكومة".
كلام الوزير فنيش جاء خلال الإحتفال التكريمي الذي أقامه حزب الله لمناسبة مرور اسبوع على استشهاد الأخ المجاهد هاشم أحمد أمين في نادي الإمام الصادق (ع) في مدينة صور بحضور عضو كتلة التنمية والتحرير النائب عبد المجيد صالح، مسؤول منطقة الجنوب الأولى في حزب الله أحمد صفي الدين إلى جانب عدد من العلماء وفعاليات وشخصيات بلدية واختيارية وثقافية واجتماعية وتربوية وحشد من أهالي المدينة والقرى المجاورة.
وأكد الوزير فنيش التمسك بمنهج الحوار سبيلاً وحيداً لمقاربة المشكلات والخلافات حرصاً على استقرار لبنان وسلمه الداخلي وأمن اللبنانيين، "ومهما تبدى من تباين فنحن لن نغيّر في اعتماد هذا النهج، لكن لا يمكن أن نغفل عمّا يجري حولنا من أحداث، فنحن لسنا جزيرة معزولة، ولبنان يتأثر ويؤثر في حركة الأحداث، ومن حقنا أن نعبر وأن يكون لنا كالآخرين رأينا وموقفنا من أي قضية ومشكلة وحدث، ونحن من منطلق التزامنا الديني والرسالي، وحرصنا على مصلحة وطننا، فإننا سنمارس حقنا في التعبير، وفي إظهار الموقف وتبيان الحقائق.
وأضاف الوزير فنيش: هناك أسباب موضوعية للمشكلات والنزاعات، فهناك أنظمة لا تحترم كرامة إنسانها، وهناك أنظمة موصوفة ومعروفة بالفساد، وبهدر كرامة الإنسان، ومن حق شعوبنا أن تتطلع إلى أن تكون شريكة في تحمل مسؤولية إدارة شؤونها واختيار مسؤوليها ومحاسبة حاكمها، والنزاعات والمشكلات أمر داخلي تقرره وتنظمه طبيعة العلاقات بين مكونات المجتمع الواحد، بالنسبة إلينا نحن لم ندع يوماً الى تفرقة، وكنا دائما من دعاة الحفاظ على وحدة النسيج الاجتماعي لأي بلد عربي، وكنا نقول وما زلنا نؤمن بأن أولوية الصراع هي مع العدو الإسرائيلي، وأن الخطر الحقيقي الذي يهدد أمن دولنا ومجتمعاتنا وشعوبنا هو المشروع الصهيوني، وأي خلاف في الرأي أو تباين في المواقف هو اختلاف وليس عداء، لكن هناك من يريد أن يحوّل وجهة الصراع مع العدو نحو اتجاه آخر، وهذا لا يخدم إلاّ مصلحة العدو الاسرائيلي.
وتابع الوزير فنيش: ليس صحيحاً أن الصراع في مجتمعاتنا هو صراع طائفي أو مذهبي، لكن المسألة هي محاولة توسّل هذا السلاح لإحباط وإجهاض مشروع التغيير، واعتماد هذا التحريض وهذا الإنقسام لمحاصرة دور المقاومة، وهذا بات واضحاً ومكشوفاً، ففي مجتمعاتنا هناك حراك وصحوة تهدف إلى تغيير الواقع، وهناك من يسعى إلى إبقاء سلطته ونفوذه وتأمين مصالح القوى الخارجية وفي مقدمها العدو الإسرائيلي والإدارة الأميركية، ومن المعيب على المنظمات الدولية والإنسانية أن تبقى صامتة وهي ترى المذابح التي تجري، ولا يصدر عنها إدانة، فهذا التقاعس والصمت اللذان يبلغان حد التواطؤ يسقطان ما تبقى من مصداقية لهذه المنظمات، ويجعلانها شريكة مع سائر الدول التي تدعم هذا العدوان في سفك دم هذا الشعب.
ولفت الوزير فنيش إلى المساعي الجارية لإسقاط مرتكزات القوة التي تستند إليها المقاومة بدءاً من محاولة إثارة العصبيات والفتن والتفرقة وبث سموم الكراهية من خلال مدارس لم تنتج إلاّ الفساد والفكر المنحرف والضرر الكبير في مصالح الأمة وفي قضاياها، ومن خلال جماعات تكفيرية تعيد إعادة البشرية إلى مرحلة من الهمجية والوحشية، وتريد الإساءة بشكل ممنهج إلى وجه هذا الدين الذي قدمته المقاومة بصورته الحقيقية، دين العدالة والتسامح والمحبة والانتصار للحق ورفض الظلم والإعتراف بالآخر، مشيراً إلى أنه يراد من خلال هذه الجماعات تشويه "كل هذه القيم الإلهية والإنسانية التي جسدتها المقاومة في مسيرتها وفي سلوك مجاهديها، وإقامة الحواجز ووضع العراقيل أمام مشروع استعادة الأمة ليقظتها ونهضتها وحريتها".
وقال الوزير فنيش "إن ما تحقق على أيدي المقاومة سواء في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي أو المشروع الصهيوني كان إنجازاً عظيماً أعطى للبنان القوة والمناعة، وأعطى للبنانيين الأمن والطمأنينة، وجعل في هذا البلد قوّة رادعة لم تفلح كل محاولات العدو الإسرائيلي وحلفائه في أن ينالوا من هذه القوة الرادعة، وقد بقيت المقاومة بعد تحرير الأرض في حالة جهوزية وامتلاك وتنامي قدراتها، وفي حالة يقظة متربصة بالعدو ومخططاته، لافتاً إلى أن هذا الوضع يمثل تحولاً استراتيجياً في تاريخ صراعنا مع العدو الإسرائيلي وفي تاريخ لبنان حيث حالت دون توسع المشروع الصهيوني وتمكنت من محاصرته، وأضاف أنه "مهما حاول البعض أن ينكر هذا التحول أو أن يفتري على المقاومة، فإن الحقيقة الراسخة هي أن المقاومة باتت جزءاً من معادلة أساسية في الصراع في المنطقة، ولم يعد بمقدور الصهاينة أن يعتدوا على هذا البلد أو أن يعربدوا على امتداد مساحة عالمنا العربي والإسلامي من دون أن يضعوا في حسبانهم قوة المقاومة.
وأضاف الوزير فنيش: إنطلاقاً من هذا التقدير والفهم، قرأنا ما يجري في سوريا منذ البداية، ووجدناه مشروعاً تدميرياً لأحد مرتكزات قوّة المقاومة، ورأيناه مشروعاً يهدف إلى إسقاط موقع سوريا ودورها، ومعاقبتها على دعمها للمقاومة في مسار صراعها مع العدو الإسرائيلي، وقد نصحنا وعبرنا عن تأييدنا الواضح لكل مطلب محق، ودعوة إصلاح، ودعونا إلى الحوار والتفاهم والحفاظ على وحدة سوريا والمجتمع فيها، وإلى قطع الطريق على كافة التدخلات الأميركية والصهيونية، فلم نلق إلاّ الإفتراء والتجني والتحامل، لأن هدف أصحاب المشروع هو إسقاط سوريا ومشروع المقاومة وقطع الطريق على هذا التحول الكبير الذي صنعته المقاومة، وقد كنّا نسمع الافتراءات والتهديدات، وكنّا نرى العدوان على من يختلف مع هذه الجماعات حتى بالرأي، وكنا نشاهد وسائل القتل الوحشية والإعلام المحرض وفتح الحدود أمام سيل من المسلحين، من كافة أقطار الدنيا لاستباحة سيادة وأمن سوريا، حتى وصل الأمر إلى تهديدنا في قرانا، وإلى تهديد أمننا الوطني وطرق إمداد المقاومة، فكانت مبادرة المقاومة بعد سنتين من الاعتداء والافتراء والتجني والتحامل والتهديد والتخريب والتدمير حيث كادت أن تصبح الحدود الشرقية بيننا وبين سوريا بيد هذه الجماعات التكفيرية.
وتابع فنيش: لم يعد ممكناً بالتالي التفرج، وأصبح من الغباء التقصير والوقوف مكتوفي الأيدي فيما الخطر يهددنا، وقد كان لتدخل المقاومة دور أساسي في ضرب مرتكزات هذا المشروع، وهذه حقيقة لا يستطيع أن ينكرها أحد لأنه لولا مبادرة المقاومة وإنجازات هؤلاء المجاهدين ودماء شهدائنا لما كان لبنان وأهله سيشعرون بالأمن والطمأنينة.
ورأى الوزير فنيش أنه وبعد هذا التغيير في ميدان المواجهة الذي صنعته المقاومة، التفتت بعض الدول إلى أن مشروعها أصيب بضربة، وأن هناك تفلّتاً من الجماعات التي رعتها وراهنت عليها لإحداث تحول لمصلحتها في سوريا، وقد بات التحول في دور هذه الجماعات يهدد أمنها، فكان ذلك سببا لحصول تغيير في الموقف الإقليمي والدولي تجاه لبنان، "ونحن منذ أن تعاملنا مع قضايا الوطن، لم يكن منهجنا إلاّ مد يد الحوار والتفاهم لكل أبناء الوطن، وموقفنا هو حازم وقوي وصلب، ولا مهادنة فيه ولا مساومة مع الذين يمثلون خطراً على أمن وطننا، بدءاً من العدو الصهيوني، ومن يدور في فلك هذا العدو، أما بالنسبة إلى من نختلف معهم في الرؤية السياسية أو في تقدير المصلحة أو ترتيب الأولويات أو أي شأن سياسي أو غير سياسي، فمنهجنا في التعامل مع أبناء وطننا هو الحوار، ودعوتنا الدائمة هي تجنيب لبنان مخاطر الانقسام، وعندما حصل تغيير في المواقف كنّا نحن على موقعنا وعلى موقفنا، قابلنا هذا التحول بكل إيجابية، فكان من نتائجه أن الجيش اللبناني والقوى الأمنية باتا يحظيان بغطاء سياسي لم يتوفر لهما سابقاً، لأن هناك من كان يريد جعل لبنان ساحة مفتوحة لكل أصناف التدخل في الشأن السوري، وهذه حقيقة لا يستطيع أحد أن يطمسها أو أن يلغيها أو أن ينكرها".
وشدد فنيش على أن دور الجيش والقوى الأمنية بالتعاون والبناء على ما حققته المقاومة، ساعد كذلك على تحقيق إنجازات وفّرت مزيداً من الأمن والطمأنية ومزيداً من مواجهة الشبكات التكفيرية لهذه الجماعات.
ولفت الوزير فنيش إلى أنه يمكن القول اليوم "إن من إنجازات المقاومة أن الخطر العسكري للجماعات التكفيرية على لبنان بات معدوماً، وإن كان يمكن أن تكون هناك احتمالات لمخاطر أمنية، وهذه أيضاً احتمالات ضعيفة مع يقظة الجيش والقوى الأمنية ودور المقاومة".
ولفت الوزير فنيش إلى أنه "إن كان هناك فعلاً حرص من أشقاء ومن رابط عروبي وديني، فإن هذا الحرص لا يمكن تجسيده إلاّ بإتاحة سبل الحوار بين مكونات الشعب الواحد، والبحث عن الحلول السياسية لإخراج مجتمعاتنا من الأزمات، والاحتكام إلى إرادة الشعوب عبر الإنتخاب، والذي يريد أن يدعي مشروعية أو أن يمتلك أكثرية، فليلجأ إلى الإنتخابات، وليس إلى استخدام الطائرات وتدمير مقدرات شعوبنا، وليس إلى الجماعات التكفيرية لارتكاب المجازر وترهيب الناس والإساءة إلى ديننا.