كلمة عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب نواف الموسوي خلال احتفال تأبيني أقيم في حسينية بلدة الحلوسية الجنوبية، وقد جاء فيها:
إننا اليوم وبفضل دماء الشهداء نكتب تاريخاً لا للبنان فحسب، وإنما للمنطقة بأكملها، ونفخر بأن الدماء التي قدمناها في لبنان وفي غيره، غيّرت المسارات التي أراد المستعمرون فرضها على هذه المنطقة، ورسمنا مسارات جديدة تستجيب لإرادتها الحرّة ومستقبلنا المشرّف، فهذه المسيرة عنوانها وأصلها وبدايتها وخبرُها ومبتدأها هو المقاومة التي ومنذ سنوات انطلاقها وحتى الآن، هي من ترسم السياسة الفعلية في لبنان وفي المنطقة، ولا نقول ذلك تقليلاً من دور أحد فيهما، ولكن من باب ترتيب الذين يسهمون في صناعة القرار، فلولا المقاومة لما كان هناك تحرير، ولولا مبادرتها إلى كسر الالتفاف الذي كان يتم من وراء ظهرها عبر سوريا، والتضحيات التي قدّمتها والمعارك التي تخوضها، لما كان لبنان اليوم قادراً على أن يعيش في الأمن والتنوع اللذين ينعم فيهما.
إن الشهداء الذين قدمناهم ونقدمهم في أكثر من موقع، هم الذين يكتبون اليوم المصائر والمستقبل، ونحن لا ننتظر حدثاً معيناً لنبني على أساسه رهاناتنا أو خياراتنا، بل نحن نبني سياساتنا على أساس تصوّر واضح يقوم على تحرير ليس بلادنا فحسب، وإنما على تحرير إرادتنا السياسية أيضاً، وهو تصور يحرص على أن تبقى المنطقة تعيش بمكوناتها جميعها من مسيحيين ومسلمين وسنّة وشيعة ودروز، فلا يمكن لأحد أن يلغي الآخر، ونحن إذ نثق بقدرتنا على تحقيق المستقبل، فذلك ليس لأننا نراهن على قوّة عظمى بمعنى القوة الخارجية الدولية، بل لأننا نراهن على استعداد أهلنا لتقديم التضحيات والشهداء في درب المقاومة تحقيقاً للأهداف العليا التي نعمل لتحقيقها.
إننا جرّبنا من يقول بأنه لا يمكن لأحد أن يعاكس وجهة التاريخ، فأثبتنا أننا قادرون على أن نرسم للتاريخ وجهةً، فلو كنّا مكتوفي الأيدي وننتظر ما يحصل في سوريا أو من ناحية العدو الصهيوني، لكان المدّ التكفيري قد وصل إلى لبنان ودمّر عائلاته بمكوّناتها جميعها، ولكننا وقفنا لنكتب مستقبلنا بيدنا وبدماء شهدائنا، حيث إن الأمور قد اختلفت كثيراً بين ما كانت عليه في العام 2012 وبين ما هي عليه اليوم، ووقف العالم بأسره ليشاهد من هي القوى التي تتقدّم في المنطقة وتحقق الانتصارات في كل بلدٍ من البلدان، ونحن لن ندخل في تعدادها، ولكن رئيس حكومة العدو قد عدّدها أمام كونغرس ينصاع بأغلبيته للوبي الصهيوني، وفي كلمته التحريضية المعروفة الغاية والهدف، لم يستطع تجاوز حقائق في طليعتها أن الدولة الإقليمية الكبرى التي كانت تقدّم إسرائيل نفسها على أنها هي ذاتها، لم تعد هي الدولة الإقليمية الكبرى، بل تأخّرت إلى أن تكون دولة مثل أي دولة في المنطقة تمنّ عليها حليفتها الكبرى الولايات المتحدة الأميركية لأنها غير قادرة على تأمين أمنها لولا التدخل المباشر للجيش وللأجهزة الأمنية الأميركية، فهذه هي إسرائيل التي كنّا نعرفها والتي كان يكفي أن تلوح دبابة من دباباتها في ساحة قرية حتى ينهزم الناس أو يفتّشوا عن ملاذ، فإذا هذه الدولة التي تهدد، باتت تستجدي أمناً من هذه الدولة أو تلك، وما كان ذلك إلاّ بسبب المقاومة التي غيّرت الواقع الإسرائيلي في المنطقة من دولة عظمى إلى دولة من العالم الثالث، وجعلت الولايات المتحدة غير قادرة على الانفراد لوحدها في تقرير مصير المنطقة.
إننا اليوم وفي هذه اللحظة ننظر إلى الخريطة من حولنا ولا نرى إلاّ الانتصارات التي أنجز بعض منها، والبعض الآخر في طريق الإنجاز، ولكن علينا فقط أن نواصل تحلّينا بروح الاستعداد للشهادة والافتخار بها والتوق إليها، لأن هذه الروحية هي التي تؤدي إلى الانتصار.
إننا اليوم في طريقنا إلى تكريس انتصارنا في كل ساحة نخوض فيها المواجهة، ونحن في لبنان من موقع المنتصر على العدو الصهيوني والتكفيري نمد يدنا إلى الجميع من أجل التفاهم على إقامة لبنان المستقر الذي يحيا في ظلّه أبناؤه جميعاً، ولذلك فإن هذه الحوارات التي نقيمها اليوم ليست إلاّ من باب الحريص على بقاء هذه المنطقة ضامة لكل التنوّع الذي عاشته على مدى قرون، وسنكون أمناء على انطلاقة لبنان والمنطقة من جديد لتكون صاحبة قرارها وإرادتها بمشاركة المكوّنات جميعها، وما ارتضينا لأنفسنا في أي مرحلة من المراحل أن نطالب أحداً مقابل التضحيات التي قدمناها، لأننا نقدّمها تقرّباً إلى الله سبحانه وتعالى وتأدية للواجب الوطني، ولكننا حريصون على أن نبني منطقتنا ووطننا بشكل مشترك مع مكوّناته جميعها، وليس من سبيل إلى ذلك إلاّ بالحوار الذي يتخلّى فيه أطرافه عن الرهان على تطوّرات خارجية لن تكون إلاّ في صالح المقاومة ونهجها.