بمناسبة ولادة النبي محمد (ص) وأسبوع الوحدة الإسلامية اجتمعت مدينة صور بكل أطيافها وطوائفها وفعالياتها وأبنائها في لقاء مفعم بالوحدة الوطنية والتعايش الكريم، وذلك في تلبية للدعوة المشتركة من حركة أمل وحزب الله للإحتفال الخطابي الذي أقيم في نادي الإمام الصادق (ع) في المدينة، وحضره عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب السيد نواف الموسوي، وعضو كتلة التنمية والتحرير النائب عبد المجيد صالح، مفتي صور وجبل عامل الشيخ حسن عبد الله، مفتي صور ومنطقتها الشيخ مدرار الحبّال، راعي أبرشية صور ومنطقتها للكنيسة المارونية المطران شكر الله نبيل الحاج، وممثل عن متروبيليت صور وتوابعها لطائفة الروم الملكيين الكاثوليك المطران ميخائيل أبرص، ورئيس دائرة الأوقاف في صور الشيخ عصام كساب على رأس وفد من المشايخ، ورئيس بلدية صور المهندس حسن دبوق وأعضاء المجلس البلدي في المدينة إلى جانب عدد من علماء الدين من مختلف الطوائف الدينية وممثلين عن الجمعيات الأهلية والثقافية والاجتماعية، وفعاليات وشخصيات بلدية واختيارية وثقافية واجتماعية وتربوية وحشد من المهتمين.
وقد ألقى النائب الموسوي كلمة جاء فيها:
إننا كمسلمين حريصون على استعادة الصورة الصحيحة للرسالة الإسلامية، فننتزعها ممن انتهك شريعتها، وممن عدا عليها فغيّر طبيعتها وحوّلها من كونها رسالة رحمة أرسلت للناس كافة وإلى العالمين جميعاً إلى شريعة قتل وذبح وتكفير وتهجير وتدمير وسبي واغتصاب.
إننا كمسلمين نقول إن ديننا هو دين الرحمة الإلهية، وبهذا أرسل نبينا (ص) ليكون رؤوفاً بالناس ورحيماً بهم، فمضمون الرسالة المحمدية هو الرحمة، وهكذا نقول في مبتدأ كل عمل "بسم الله الرحمن الرحيم"، فالرحمن الذي شمل الناس جميعاً، والرحيم الذي خصّهم بالهداية بعد أن شرّع لهم دور الأمانة على هذه الأرض.
إننا نريد أن نستعيد ديننا من أصحاب الفكر التكفيري الذين هم أشد الناس عداءً لرسول الله (ص)، فالنبي (ص) لم يسئ له أحد في هذا الزمان بقدر ما أساء إليه التكفيريون في أفعالهم الإجرامية والإرهابية التي لم ينجُ منها المسلم السني قبل أي أحد آخر سواء كان شيعياً أو مسيحياً أو إيزيدياً أو ما إلى ذلك من مذاهب وأعراق.
إننا كمسلمين نقف هنا أمام العالم لنقول إن صورة الإسلام هي صورة الرحمة وصورة الذي يعترف بالآخر، وقرآننا نصّ على الإعتراف بأصحاب الملل جميعاً، وأن الله جعل من نفسه حاكماً على اختلافهم في الآخرة، ولم يقل بحاكميته أو أن تقع هذه الحاكمية في الدنيا، فقد سمّى الصابئة والمجوس فضلاً عن أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وسمّى كل من توجّه إلى خالقٍ بالتوحيد وإن اختلفت صورته أو صورة الخالق لديه.
إننا نتحمّل اليوم مسؤولية استعادة هذا الدين من أصحاب الفكر التكفيري، ولذلك نحن معنيّون وخصوصاً في لبنان بمحاربته لأنه يشكّل نقيضاً لوجود لبنان القائم على التنوع والتعددية على أساس القبول بالآخر والإعتراف به واحترامه، وأردنا نحن مسلمون ومسيحيون أن تكون رسالتنا للعالم أجمع أننا في لبنان كنّا السباقين لتقديم صيغة للعيش بين أتباع الأديان المختلفة تقوم على السلام والتفاهم والتعاون الذي يتحقق عبر سبل متعددة على الرغم مما يقال في مجال شرعة حقوق الإنسان وما إلى ذلك من أطروحات.
إن الذين حملوا الفكر الإنساني وأطلقوا منظماتهم علينا لتقرر ما هو إنساني وما هو غير إنساني كانوا أشد فتكاً في هذه الأمم والشعوب، فما من غزوة قاموا بها إلاّ وجرّت المصائب والدواهي، فإن كان من فرصة لاستعادة الإنسانية بمعناها الحق فهي الفرصة التي ينبغي على اللبنانيين أن يقدموها، بحيث يحسنون العيش فيما بينهم، ويسدّون النوافذ التي يمكن أن يتسرّب منها أصحاب الفكر الصهيوني العنصري أو أصحاب الفكرين التكفيري الإلغائي أو الإستعماري الإستتباعي الذي يلغي الإنسان ويحوّله إلى رقم في مجال الإستهلاك.
إن الرسالة المتعددة الأبعاد التي أردنا إيصالها بروح المحبة والرحمة والتفاهم والتعاون كانت هي الحافز الأساسي الذي جعلنا نقدم أنفسنا قرابين حينما رأينا لبنان الوطن يتعرض للمخاطر، وذلك للدفاع عنه وعن شعبه بطوائفه وأحزابه وتياراته جميعاً، فعندما استشهدنا من أجل تحرير لبنان كان ذلك من أجل تحرير بيروت والجبل وصيدا وصور والقرى اللبنانية جميعاً، ومن أجل تحرير بلدنا بمسيحييه ومسلميه بسنته وشيعته، فنحن لم نستشهد من أجل طائفة أو حزب أو جماعة بل من أجل شعبنا اللبناني ليستعيد أرضه المحتلة، ولكي نفك عنه أسر الإعتقال والإحتلال، وكنّا على الدوام في كل مناسبة نقدّم هذا الدم ليبقى لبنان موحداً ومستقلاً وآمناً وسليماً، ومن هذا المنطلق واجهنا أصحاب الفكر التكفيري لأنه لو كتب لهم الإنتصار في أي مكان فعندها سيجتاحون لبنان بجميع طوائفه ومناطقه ولن يميزوا بين أحد وآخر، وسيجرون بأسهم بينهم كما يفعلون في مناطق عدة في سوريا.
إننا حين نهضنا لمواجهة أصحاب الفكر التكفيري لم ننطلق من منطلقات طائفية ولا حزبية، وإنما من منطلقات إنسانية ووطنية، لأننا نريد الحفاظ على الإنسان بما هو إنسان، وعلى وطننا بتعدديته وبتنوّعه، وها هو العالم اليوم الذي فتح أبوابه لنشر الفكر التكفيري ومن ثم شرّع أبوابه مرّة أخرى ليرسل المقاتلين إلى سوريا والعراق يكتوي بالنار التي أوقدها في ربوعنا، وباتت الدعوة إلى مواجهته على كل لسان.
إن مواجهة الإرهاب التكفيري يجب أن تبدأ من حيث بدأت مشكلة الفكر التكفيري، وأن تتوقف الموارد التي ينهل منها المقاتلون التكفيريون في سوريا والعراق، وأن تقفل الأبواب أمام تسلّل المقاتلين وأمام السلاح والذخيرة والدعم اللوجستي، وأن يتوقف القائمون على المنابر في مساجد أوروبا والمنطقة عن الخطاب الذي يورث كراهية وقتلاً ويحوّل الإنسان من مواطن صالح إلى إرهابي انتحاري، وهذه مسؤولية المعنيين بالمنابر وبتمرير الأفكار ونشرها.
إننا حرصنا دائماً على الإبتعاد عن السجالات الداخلية التي لم تكن تعنينا يوماً، وكان ذلك انسجاماً مع خطنا الإستشهادي من أجل سلامة هذا الوطن وبقائه بأهله جميعاً سنّة وشيعة ومسيحيين ومسلمين، وكان همّنا على الدوام حماية لبنان، وها نحن اليوم نشرع في حوار نتعاطى معه بجدّية ومسؤولية كاملة، ونتطلّع إلى إمكانية التوصل إلى تفاهمات من خلاله، فهو بحد ذاته قد أرسى مناخاً من التهدئة في لبنان وخفّض مستوى التوتر، وهذا ما يحتاجه اللبنانيون جميعاً من استقرار وطمأنينة ليتوجّهوا لبناء مصيرهم بشكل مشترك.
إننا سنواصل الحوار، ونشجّع الجميع على سلوك مساراته، وفي هذا الإطار فإن استئنافه بين تياري المستقبل والوطني الحر هو موضع ترحيب من اللبنانيين جميعاً، كما وأن حوار التيار الوطني الحر مع قوى وأحزاب مختلفة هو موضع ترحيب منّا ومن اللبنانيين جميعاً، وفي هذا الإطار فإن وجود تفاهم بين حركة أمل والتيار الوطني الحر هو أمر يبدو ضرورياً ومنطقياً في ضوء انطلاق عملية الحوار التي نتطلّع لأن تكون شاملة بحيث يمكن حماية لبنان في زمن الأعاصير والحرائق التي تضرب المنطقة، ولا شك أننا في لبنان يمكن أن نشكو من الكثير، ولكن بحمد الله لا زال المعنيّون بقيادة السفينة اللبنانية على قدر من الحكمة بحيث أنهم يجنّبون لبنان كل ما تقع فيه بلدان المنطقة لنحافظ على بقائه بعيداً عن أجواء التوتر والتحريض، فإذا اختلفنا في السياسة فلنعبّر عن ذلك بأساليب سياسية وليس بأساليب طائفية ومذهبية، وإذا كان بإمكاننا أن نتوافق فلنفعل ذلك، فثمّة الكثير مما يمكن التوافق عليه، كما وأن ثمّة الكثير مما نختلف عليه، ولكن لنتفق أننا في هذه المرحلة نريد إنقاذ لبنان من هذه النار التي تجتاح لا المنطقة فحسب بل العالم بأسره.
بدوره المفتي الشيخ حسن عبد الله ألقى كلمة باسم حركة أمل تحدّث فيها عن نموذجين متميّزين، الأول هو النبي عيسى (ع) الذي تصادف ولادته هذا العام في أيّام وليالٍ متقاربة مع مولد النبي محمد (ص) ليكوّنان صورة من صور الرسالات التي بنت المجتمع البشري منذ أن ولدا وبعثا إلى يومنا هذا، فالنبي عيسى (ع) كوّن نموذجاً في العطاء والتضحية والفداء وتبعه رجال خلّص أطلق عليهم إسم الحواريين، وهذه النخبة والكوكبة التي كانت معه هي محل تأمّل بكل إنسان يريد أن يتعلّق برسالة النبي (ص) وبرسالة الإيمان، أمّا النموذج الثاني فهو عن الرسول الأكرم محمد (ص) حيث تكوّن معه رجال خلّص، بذلوا المهج ودافعوا عن الحق ونصروه، وجاهروا وجاهدوا في مواجهة الباطل والكفر الذي يريد أن يأخذ الإنسان إلى اللاإنسانية في حياته اليومية.
وأضاف الشيخ عبد الله: إننا من هذين النموذجين الإلهيين اجتمعنا اليوم مسلمون ومسيحيون لنؤكد على رسالة الإيمان أكثر مما ندعو إلى الأديان، فهي موجودة ولكن ما نبحث عنه هو رسالة الإيمان، مطالباً كل إنسان يأتمر بدين أن يعمل بمقتدى دينه ليكون مؤمناً، لأن الأداء الإيماني يأخذ بالإنسان إلى الطمأنينة التي حدثنا الله عنها فقال "يا أيتها النفس المطمئنة"، فما نبحث عنه هو طمأنينة الفرد، بحيث أن يطمئن كل فرد لعقيدته وإيمانه، فيعمل طبق هذه العقيدة وهذا الإيمان.
كما وألقى سماحة المفتي الشيخ مدرار الحبّال كلمة لفت فيها إلى أن رسول الله (ص) ولد وبعث في زمن عمّ فيه الظلام في البشرية جميعاً، وضُيّعت فيه الحقوق والأمانات، فلم يعد للبشر من شيء يتعلق بإنسانيتهم إلاّ الإسم، مشيراً إلى أن الرسول (ص) لما انتقل إلى المدينة المنوّرة التي نورت بهجرته لم يقاتل قومه أو الناس، بل عمل على بناء الإنسان وعلى نشر المفاهيم التي تحقق للإنسان معنى إنسانيته، إلاّ أن من كان يرفض ويأبى ويخاف من الحق حاول العمل على إطفاء النور الذي جاء به رسول الله (ص) ولكن يأبى الله إلاّ أن يتم نور الرحمة ولو كره الكافرون.
وأضاف الشيخ الحبّال: إن رسول الله (ص) يعلّمنا أن الهدف الأعظم للمؤمن هو أن يوقظ نفسه ويوقظ الناس عن المادية والدونية في الدنيا ليرتقي ليكون إنساناً كما أحب الله تعالى.
بدوره المطران شكر الله نبيل الحاج ألقى كلمة قال فيها إن الرسول (ص) جاء بالرحمة في وجه الظلم والقهر، والإيمان الواحد الحنيف في وجه الأصنام والصنمية، والوحدة في وجه الفرقة والعصبيات القبلية، والعدل في وجه الظلم والأنانية، مشيراً إلى أن مولد النبي (ص) كان ولادة جديدة لأمة صدعت إرادتها القبلية الجاهلية، فتوحدت ونهضت لبناء حضارة جديدة ومجتمعات راقية ومدنيّة خالدة، ومن رحم الصحراء العربية ولدت رسالة مفتوحة لكل الأمم لا تقف بوجهها حدود اللون والعرق والجغرافيا، وهي رسالة الأخلاق الكريمة والرحمة الإلهية التي تدعو لتكريم الضيف وإغاثة الملهوف والتمسك بصلات الرحم وتقديس حق الجيرة وإيواء ابن السبيل.
وتساءل المطران الحاج عمّا جرى ويجري للناس كي يتفرقوا شيعاً وفرقاً ومذاهب وعصبيات، وأقل ما يقال عنها أنها شديدة الحذر من بعضها البعض، وماذا جرى حتى أسدل الإرهابيون ستاراً من الظلمة والظلم على القلوب والعيون وشطحوا عن تعاليم الكتب المقدسة مبيحين لأنفسهم القتل والذبح والسبي، والأدهى أنهم يفعلون كل ذلك بإسم الله والدين.
وختم المطران الحاج: إن عيشنا المشترك الذي يمتد على قرون طويلة يشكّل مجتمعاً متساوياً ومتكافئاً لا يشعر فيه أحد أياً كان أنه غريب أو منبوذ بالرغم من كل الصعوبات الأرضية الصلبة التي تواجهنا اليوم.