واصل حزب الله إقامة المجالس العاشورائية في حسينية بلدة حاريص الجنوبية بحضور عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب السيد نواف الموسوي إلى جانب عدد من العلماء وفعاليات وشخصيات وحشد من الأهالي، وقد ألقى النائب الموسوي كلمة جاء فيها:
إننا نشهد لأول مرة منذ تاريخ الإحتلال الإسرائيلي للقدس والسيطرة على المسجد الاقصى اعتداءاً ضد المسلمين والعرب في القدس وضد المسجد الأقصى لم يبلغه سابقاً، وينبغي أن يكون معروفاً من المسلمين والمسلمات جميعاً ومن الشرفاء في العالم أن العدو الصهيوني يتحيّن الفرص منذ احتلاله القدس لكي يهدم المسجد الأقصى، ولم يكن العدو في المراحل السابقة قد بلغ هذا المستوى من الإعتداء لأن ثمة موقفاً عربياً وإسلامياً سياسياً وعسكرياً كان يحول دون إقدام العدو على خطوات تصعيدية كالتي يقدم عليها الآن، ولكن في هذه الآونة عندما ينظر إلى العرب فيرى أن غالب أنظمتهم تعمل من أجل تطويق المقاومة والقضاء عليها ومن أجل ضرب الدول التي تدعمها وتؤيدها، فإنه يتجرأ لكي يدفع بخطواته إلى الأمام معتقداً أن حملته على الدول الداعمة للمقاومة قد أحالت الواقعة بين العرب والمسلمين إلى حال تشبه الحرب الأهلية التي تقتل فيها الأطراف ويهنأ فيها العدو.
إن الهجمة الدولية الإقليمية على سوريا المقاومة هي من مغريات العدو بالإقدام على المسّ بالمسجد الأقصى، ولا شك أن هذه الموجة من التكفير الذي يهدم المساجد وينسفها من أساسها تغري العدو أيضاً بالمس بالمسجد الأقصى، فإذاً حالة الحرب على المقاومة والدول التي تدعمها وإطلاق المجموعات التكفيرية التي تعيث في الأرض فساداً وقتلاً وسبياً وتدميراً لبيوت الله والمقامات المقدسة هذان يغريان العدو بالمس بهذا المسجد الذي ينبغي أن لا يغيب عنّا أنه كان القبلة الأولى للمسلمين وأنه مسرى رسول الله (ص) كما يرد في روايات المسلمين على اختلاف طرقهم.
إننا معنيون اليوم بالدفاع عن هذا المقام المقدس وعن هذا المسجد الذي يشكل ثالث المساجد التي تشد إليها الرحال بحسب بعض الأحاديث المروية، ومسؤوليتنا في هذا المجال أن نوقظ العالم ولا سيما العرب والمسلمين منهم إلى أن الإعتداء على المسجد الأقصى يمثل اعتداء لا يمكن السكوت عنه أو السماح للجانب الإسرائيلي المعادي أن يمسّ هذا المسجد دون أن يلقى حساباً عسيراً جراء إقدامه على أفعاله، وبالأمس خرج شاب فلسطيني شجاع دافع بنفسه فأصاب زعيم المجموعة التي تعد العدة برعاية السلطات الصهيونية لهدم المسجد الأقصى، ولكن رد العرب والمسلمين لا ينبغي أن ينحصر بشاب فلسطيني من القدس أو بشباب القدس المنتفضين منذ فترة ولكن لا يسلط الضوء عليهم كفاية بل ينبغي أن يقابل الإعتداء على المسجد الأقصى بنهضة عربية وإسلامية شاملة، ولكننا مع الأسف لن نرى أن هناك من تحرّك من أجل الدفاع عن المسجد الأقصى أستثني ما جرى في اليمن في المحافظات التي يسيطر عليها أنصار الله، فقد خرجوا بمظاهرات غاضبة دفاعاً عن هذا المسجد، وهذا يؤشر إلى أن أبناء النهج الموالي لأهل البيت (ع) مهما تشتد الضغوط عليهم فإنهم لا ينسون القضايا الإسلامية الأساسية لأنهم تعلموا من جدهم وإمامهم الحسين (ع) أن أغلى التضحيات كالنفس والإبن والحرم يرخص من أجل تحقيق الإصلاح في أمة محمد (ص)، ونسأل ما بال هذه المجموعات التكفيرية التي لا تتوانى عن ذبح المسلمين والفتك بهم لا تقوم بأي عمل ضد العدو وهو يقدم على محاولة تهديم المسجد الأقصى، بل إن جرائم التكفيريين بتدمير المساجد جعلت الرأي العام مستعداً لقبول صورة مسجد يتم تفجيره، والآن هذه الصورة في العالم لم تعد صورة عجيبة لأن التكفيريين نشروا مئات الصور وهم يدمرون المساجد سواء بالآليات أو بالعبوات الناسفة، وهذا يعني أنهم قد قاموا بتهيئة للرأي العام لقبول فكرة هدم المسجد.
إنه ينبغي أن نقف لنقول إن للمسّ بالمسجد الأقصى عواقب لا يستطيع الكيان الصهيوني احتمالها، ولذلك إنه يجب على الذين يرعون إرهاب الكيان الصهيوني أن يلتفتوا إلى أن أفعاله الإنتحارية لن تواجه بأيدٍ مكتوفة من العرب والمسلمين الذين يغلي في عروقهم دم العزة والإباء والدفاع عن المقدسات، فرغم تعرضنا لعدوان تكفيري واضح إلاّ أن ذلك لن يجعلنا نغض النظر عن العدوان الإسرائيلي علينا وعلى مقدساتنا وبالتحديد على المسجد الأقصى، ونحن قد أظهرنا أن هذه المقاومة لا يمكن أن تنشغل بأمر عن أمر آخر بل هي قادرة على احتواء العدوان الصهيوني كما هي قادرة على مواجهة العدوان التكفيري.
إنه من الواجب علينا أن ندرك حجم الأذى الذي يلحقه التكفيريون بأمتنا، وحبذا لو أن القائمين على بعض شؤون المسلمين في المنطقة وفي لبنان أن يدركوا حجم هذا الخطر فيتخذوا قراراً بمواجهته بدل أن يستمرّوا على الحال التي هم عليها الآن بتنحية هذا الخطر جانباً وتركيز جهودهم على التحريض الفتنوي والمذهبي، فالخطر التكفيري يجب أن يحمّل المعنيين في لبنان والعالم الإسلامي على وقف صراعاتهم السياسية والمذهبية التي يخوضونها أياً كانت التسميات أو الإعتبارات لكي ننصرف جميعاً ومعاً لمواجهة هذا الخطر التكفيري الذي يتهدد الأمة بأجمعها بسنتها وشيعييها، ولو كان في العالم العربي من يريد فعلاً وقولاً وبجدية كاملة أن يواجه الخطر التكفيري لكان أقفل ملفات النزاعات البينية في العالم العربي والإسلامي وانصرف إلى تعميق التفاهم بين الدول والأطراف لكي ننسق فيما بيننا الخطوات الآيلة إلى اجتثاث الخطر التكفيري من جذوره.
إن بعض من يعلن أنه ضد الإرهاب والتكفير لا يقرن أقواله بالأعمال بل لا زال يقول باللسان أنه ضد المجموعات التكفيرية لكنه عملياً يغطّي هذه المجموعات بل يقدم أحياناً الدعم سياسيًا أو أمنياً أو لوجستياً أو مالياً أو معنوياً إليها، وفي الوقت الذي لم يعد لبنان يتحمّل من بعض القوى أن تبقى ممتنعة عن الإنخراط في مواجهة الخطر التكفيري، ونسأل أين أصبحت عمليات التسليح الموعودة بالهبات المقدمة في حين أن الهبة المقدمة من جمهورية إيران الإسلامية لا تحتاج سوى لموافقة مجلس الوزراء بحيث تأتي الأسلحة مباشرة إلى الجيش اللبناني ولا تنتظر لا توقيع عقود ولا مناقصات وما إلى ذلك، ولكننا نرى أن الحكومة حتى الآن لم توافق على هذه الهبة مع أننا من جهتنا كممثلين في هذه الحكومة قبلنا بكل هبة من أي جهة قدمت للجيش اللبناني.
إننا حريصون على أن يكون لبنان بلداً يعيش فيه أصحاب الديانات المختلفة في حالة من السلام والوئام والشراكة القائمة على العدالة والتوازن، ولذلك قبلنا بما أدخله اتفاق الطائف من تعديلات على الدستور رأينا أن من شأنها أن تقدم ضمانات للبنانيين جميعاً بحسن المشاركة الحقيقية والفعلية في القرار اللبناني، فلا يفكّرنّ أحد بأننا في حزب الله أو في حركة أمل نتطلع إلى صيغ تعايشية جديدة بل إننا حريصون على الحفاظ على الصيغة اللبنانية كما هي منصوص عليها دستوريا وميثاقياً، فمسألة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين هي أمر مسلّم به عندنا في حركة أمل وحزب الله، وهذا ما قاله سماحة الأمين العام حيث أشار إلى أنه ليس هناك أي موقف أو تصريح صدر عنا في شأن المطالبة بالمثالثة، وذلك لأننا مقتنعون بأن العيش في لبنان يقوم على أساس ديمقراطية الجماعات لا ديمقراطية العدد فقط وأن كل جماعة من حقها أن تعيش وتشارك بالقرار بمعزل عن عددها، فلذلك نحن ننظر بكثير من الإدانة إلى حالات الاضطهاد التي تتعرض لها بعض الطوائف في لبنان أو خارجه بسبب انتمائها الديني الخاص بحيث تحرم من الأمن والاستقرار والحقوق.
إننا حريصون على أن يبقى لبنان بلداً تعددياً تتحقق فيه الشراكة الفعلية على أساس العدالة والتوازن وهذا ما نتطلع إليه، وفي هذا الإطار يوجد بيننا وبين القوى السياسية في لبنان علاقات واتصالات وقنوات حوار وينبغي أن تحاذر هذه القوى من خطر الوقوع في أي فخ ينصب لها من قبيل تسريب أوهام إليها أو تحريضها على مقولات لا أساس لها، وننصحها بدل أن تذهب في تيار من الشعارات المغرضة أو التحليلات المفبركة أن تطرح هواجسها في إطار العلاقات والقنوات القائمة بيننا ونحن في المقابل لدينا الشجاعة الكافية لنصف الواقع كما هو.
إن الخطر الآن ليس رفض المناصفة لأن لا أحد يرفضها في لبنان بل هو من التكفير الذي لن يبقي طائفة في لبنان بمعزل عن استهدافها جسدياً وسياسياً بينما نجد أن المعني الأول بمواجهة التكفيريين يغطي عليهم ويرفض مواجهتهم بل يحاول استخدامهم للابتزاز السياسي، فتهديد المناصفة أتى من السلوك المراوغ من الفريق السياسي الذي ينبغي عليه قبل أي أحد أن يواجه التكفيريين الذين يحاولون الاستظلال بقاعدته الشعبية وليس من الكلام الوهمي الخرافي عن مثالثة لا يطالب بها أحد.