* حاوره: ابراهيم الأمين, وفيق قانصوه, حسن عليق, مهى زراقط
اتخذنا قرار الأسر قبل شهور... وتسلل المجاهدون مرات عدة الى فلسطين
■ إذا عدنا إلى 12 تموز 2006. هل كنت تعلم بأن عملية أسر الجنديين الإسرائيليين ستنفّذ في ذلك اليوم؟ ما هي الإجراءات التي اتخذتها؟ وكيف تطوّرت الأمور؟
أساساً، القرار بأسر جنود إسرائيليين كان قد اتخذ في شورى حزب الله قبل أشهر من تنفيذ العملية. في آلية العمل لدينا، عندما تتخذ الشورى قراراً من هذا النوع، يحوّل الإجراء والتنفيذ إلى المجلس الجهادي الذي يرأسه، بحسب نظام الحزب، الأمين العام. هذا المجلس يتألّف من مجموعة من القيادات الجهادية الأساسية.
على المستوى التنفيذي، نوقش الأمر في المجلس الجهادي من جهات عدة، كاختيار المكان المناسب لتنفيذ عملية ناجحة، الزمان، التكتيك، خطة العمليات، المشاركون، إدارة العملية، وردود الفعل المحتملة والاحتياطات التي يجب اتخاذها. هذه الأمور كلها تناقش عادة في المجلس الجهادي، ويتخذ القرار بالإجماع أو بشبه إجماع، أي ليس بالتصويت.
تم اختيار المكان، وتحديد المجموعات المشاركة، وإدارة العملية. لكن الأمر لم يكن بسيطاً، واحتاج تنفيذه إلى أشهر. دخل الإخوة إلى المنطقة، وحتى إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، أكثر من مرة، وكانوا يكمنون لمدة ثم يخرجون، ثم يعودون وينتظرون الفرصة المناسبة. أحياناً، كانت تتوافر أهداف، لكن لم يكن واضحاً إن كانت مدنية أو عسكرية. ونحن كنا نؤكد على ضرورة أسر جنود لا مستوطنين، لئلا يقال لاحقاً إننا خطفنا مدنيين. كل هذا استغرق وقتاً إلى أن نُفذت العملية. طبعاً، كان المعنيون بإدارة الموقف في بيروت، على مستوى القرار وعلى المستوى الجهادي، عندما نقترب من احتمال تنفيذ العمل، يطّلعون على ذلك. لم يكن أحد متفاجئاً. قبل تنفيذ العملية بأيام قليلة، كان لدينا احتمال قوي جداً بأن الإخوة سيوفّقون لتنفيذ العملية خلال أيام.
وفي لحظة تنفيذ العملية، كنّا على اطّلاع، واتخذنا الإجراءات والاحتياطات التي خططنا لها. وانتقلت مجموعة قيادة العمليات إلى المكان الذي يجب أن تكون فيه منذ الدقائق الأولى. في الساعات التي تلت العملية، لم تكن التداعيات كبيرة وخطيرة. كلّ ما كان متوقعاً في اليوم الأول جرى استيعابه بشكل جيد، لأننا حضّرنا لمواجهته جيّداً. وبعد التأكد من نجاح العملية، وأن الأسرى نقلوا بعيداً عن خط النار، انتقلت من غرفة العمليات إلى المؤتمر الصحافي، وجرى الإعلان عن أسر الجنديين بهدف التفاوض غير المباشر لإطلاق الأسرى لدى العدو.
■ كيف يتصرّف الأمين العام في هذه اللحظات؟ ما هو دوره تحديداً؟ وهل كانت لديك كلّ التصورات والخطط البديلة حول آليات الإخلاء والانتقال وغيرها؟
الأمين العام هو جهة قرار في إدارة العمل الجهادي. بالطبع، هو لا يدير الوحدات الجهادية والقتالية والميدانية بشكل مباشر، ولا يدير العمليات بالمعنى العسكري التقني. القيادات الجهادية، أو من نسمّيهم نحن المعاونين الجهاديين، هم من يتولون ذلك. طبعاً هم يتابعون العمل مع الأمين العام، لأن السياسات المرسومة من شورى القرار موجودة لديه بشكل واضح، وهو مفوّض بهامش من الصلاحيات، ومطلع على الوضع الجهادي وعلى الإمكانات المتاحة وعلى الوضع السياسي. إذاً، الأمين العام هو جهة قرار، حتى في الشأن الذي يرتبط بالميدان أحياناً. وهو يتخذ القرار بالتشاور وأحياناً بالتوافق مع أعضاء المجلس الجهادي. على سبيل المثال، المناطق التي كنا نستهدفها بالقصف داخل فلسطين المحتلة. ليس الميدان هو الذي يقرّر أين نقصف. هذا قرار نتخذه نحن. عندما يؤخذ القرار، يتابع المسؤولون الجهاديون تنفيذه، ويعملون على التنسيق بين الوحدات وبين جهات المعلومات وجهات المدفعية وإطلاق الصواريخ... يعني، عندما نقول إننا دخلنا في مرحلة حيفا فهذا قرار. نوع السلاح الذي يجري استخدامه قرار. استهداف «ساعر خمسة» قرار أيضاً. هذا النوع من القرارات يتخذه المجلس الجهادي والأمين العام، كونه رئيس المجلس، بالتشاور وبالتفاهم مع الإخوان، والجهات الإجرائية هي التي تدير، وأنا آخذ علماً بالإجراء.
لماذا نقول إن هذا قرار؟ لأن لكل خطوة حيثيتها. مثلاً، ضرب «ساعر خمسة» يعني أننا قررنا أن نضرب هدفاً نوعياً له تداعيات كبيرة. ثانياً، بما أننا نستخدم سلاحاً لأول مرة، فهذا يعني أن المجلس الجهادي قرر أن يكشف عن سلاح لم يكن معروفاً أنه موجود لدينا. بعد هذا القرار، يصبح النقاش تقنياً فنياً إجرائياً تنفيذياً لا علاقة لي به ولا أتدخل فيه. هذا موضوع أهل اختصاص. نعم عندما يكون الإخوان على تواصل معي، يقولون لي «ماشي الحال»، أو إن هناك عقبات أو صعوبات. لكن معالجة هذه الأمور من مسؤولياتهم.
هناك مثل آخر يتعلق بموضوع قصف تل أبيب. هذا ليس موضوعاً إجرائياً، بل قرار كبير. عندما كانت تُقصف الضاحية ومدن أخرى في الجنوب والبقاع، جرى نقاش جدي حول ما إذا كان ينبغي أن نقصف تل أبيب الآن أو لا. بنتيجة النقاش، ثبّتنا معادلة تل أبيب ـــ بيروت. الضاحية وبقية المناطق كانت، على كلّ حال، تتعرض لقصف شديد. قلنا: فلننشئ معادلة جديدة، إذا كنا نستطيع من خلالها أن نحمي بيروت أو نساهم في حمايتها لأسباب كثيرة فليكن ذلك وهذا أفضل.
■ لو حصل ذلك عام 2006، هل كانت تل أبيب ستضرب كما تضرب اليوم من غزة؟
بالتأكيد، وأقوى بكثير. هذا معروف. الإسرائيليون يعرفون ذلك. أنت تتحدث عن صواريخ بأحجام ونوعيات وكميات مختلفة. بالتأكيد، كانت لدينا القدرة على ضرب تل أبيب، وإلا فنحن لا نطلق تهديداً أو نتحدث عن معادلة لسنا قادرين على تنفيذها.
■ هل تعرضتم لأي خطر مباشر خلال الحرب؟
لم أتعرض لأي إصابة مباشرة، والأماكن التي كنت موجوداً فيها لم تتعرض لأي قصف. لكن، بطبيعة الحال، المنطقة التي كنا موجودين فيها كانت تتعرض للقصف.
■ هل صحيح أن صواريخ سقطت بالقرب منك أثناء انتقالك في أحد المواكب؟
غير صحيح.
■ كيف كنت تقضي نهارك في الأيام الأولى للحرب؟ نعرف أن الجهاز التنفيذي كان يقوم بمهمات كبرى، والمفاوضات السياسية لم تكن قد بدأت. هل كانت متابعتكم لمجريات الحرب متواصلة؟
عندما أقول إنني لا أتدخل بالميدان فهذا يعني أنني لا أديره. لكنني معنيّ بأن أعرف على مدار الوقت المستجدات في الجبهة: في الجنوب وفي المواقع الأمامية وفي البقاع، والأماكن التي تتعرض للقصف، الشهداء، الجرحى، المهجّرين، الناس، الجو الإعلامي والجو السياسي. هذا كلّه يحتاج إلى مواكبة.
■ هل رأيت أفراد عائلتك أثناء الحرب؟
نعم. رأيتهم مرة واحدة.
■ من كان أول من تفقدته عندما انتهت الحرب؟
عندما انتهت الحرب، كانت إمكانية الحركة معقدة قليلاً. تذكرون أن الحرب لم تنته بوقف لإطلاق النار، بل بوقف الأعمال العدائية. كنا نعتبر أننا لا نزال في قلب المعركة، لذلك بعد الحرب مباشرة، ولفترة، بقيت حركتي محدودة. هناك شخصيات ألحّت في طلب لقائي، فكنت أقول لهم إن هناك حرجاً عليّ وعليكم. كان تشخيص الإخوان أن الوضع خطر، وأن ظهوري في أي مكان قد يعرضني ويعرّض الموجودين للخطر. المكان الوحيد الذي ذهبت إليه بعد الحرب هو المكان الذي كان فيه المرحوم سماحة السيد محمد حسين فضل الله. زرته وعدداً من الإخوان لشكره على موقفه. أثناء الحرب، الوحيدون الذين كنت ألتقي بهم هم الإخوة المعنيون بالعمل الجهادي. وعلى الشبكة الداخلية، كنت أتحدث مع المنار، ومع العلاقات الإعلامية. في الحديث على الشبكة الداخلية، لم تكن هناك مشكلة. كانت هناك مشكلة في الكلام على الخلوي أو اللاسلكي. أحياناً، كنت أسجّل كلمة ثم تبث على اللاسلكي للشباب الذين ليس لديهم داخلي، هذا حصل.
■ هل تفقّدت النازحين أثناء الحرب؟
الأمر لم يكن يحتاج إلى تفقد شخصي لأن طبيعة الحركة كانت صعبة، لكنني كنت على تواصل مع الإخوان المعنيين بأمور النازحين. التشكيل الحزبي كله كان شغالاً، وكنت على تواصل مع كل المسؤولين، وبالتالي كانت لديّ صورة يومية واضحة عن القصف والدمار، وعن المهجرين وكيف تعالج مسائلهم والمشاكل التي يواجهونها. بطبيعة الحال، كان موضوع المهجرين والموقف الشعبي والناس وأوضاعهم ومزاجهم ومعنوياتهم، أساسياً بالنسبة إلينا، وتبنى عليها قرارات.
■ هل فاجأكم موقف المهجرين؟
لم يكن مفاجئاً لي، لكنه كان كذلك لكثيرين لأنه كان هناك رهان كبير على المهجرين، وجرى تحريض في وسائل الإعلام وفي أوساط المهجرين في المدارس وغيرها. كانت بعض الجهات السياسية تأمل أن يخرج هؤلاء في تظاهرات تطالب بوقف المقاومة أو بنزع سلاحها أو باستسلامها. حصل شغل على ذلك. عظمة موقف الناس ليس فقط بسبب إرادتهم واقتناعهم ووعيهم، بل لأنهم بقوا على هذه الاقتناعات في ظل حرب ودمار وتهجير وقتل ومجازر، وفي ظل تحريض هائل. لو كان هناك انسجام وطني والكل يشجع ويثبّت ويقوي العزائم، يمكن أن تعطي علامة أقل لموقف الناس. لكن، في الواقع، كان هناك مناخ من تثبيط العزائم والتخوين وتحميل مسؤوليات للمقاومة عن كل ما يجري، ومحاولات لحثّ الناس على الخروج في تظاهرات، لكنهم رفضوا.
■ خلال الحرب، ما هو أكثر موقف آلمك؟
ما كان يؤلم هو المجازر. العسكر عادة يكونون صلبين، لكن إخواننا، رغم صلابتهم، كانوا يتأثرون، وبعضهم كان يبكي عندما يرى مشاهد النساء والأطفال والمجازر. ما كان يؤلم كثيراً هو المسّ بالمدنيين. المباني يعاد إعمارها، والمهجّر سيعود في نهاية المطاف لأنه كان واضحاً لدينا أننا إن شاء الله سننتصر. حدثت مجازر عدة، ولا يمكن القول إن واحدة كانت أكثر إيلاماً. لكن هناك خصوصية لقصف مجمّع الإمام الحسن، أولاً بسبب عدد الشهداء الكبير، وثانياً بسبب ما أشيع في لبنان بأن الاستهداف جرى لاعتقاد الإسرائيليين بأنني كنت موجوداً فيه. طبعاً أنا لم أذهب إلى ذلك المكان أبداً في أي لحظة أثناء الحرب.
■ من هو الشخص الذي كنت تخشى عليه؟
ليس هناك شخص محدد. هناك مجموعة من الإخوة، من بينهم الأخ الحاج عماد، كنت أعتبر بقاءهم على قيد الحياة أمراً مهماً كونهم من الأساسيين في مسار الحرب، وكنت دائماً مهتماً بأوضاعهم.
■ ما هو دور سوريا خلال الحرب، وماذا كان دور العميد محمد سليمان؟ وهل سقط شهداء من الجيش السوري؟
خلال الحرب، لم يتوقف نقل السلاح من سوريا. لم يكن واضحاً كم ستطول الحرب، لذلك كلما كانت لدينا إمكانات وسلاح وذخيرة أكثر، كان الوضع أفضل، وكانت إمكانات النقل لا تزال متاحة رغم أن الإسرائيلي كان يستهدف تقريباً كل المعابر. مع ذلك. لم يسقط شهداء من الجيش السوري لأنه لم يحدث قصف داخل سوريا.
بالنسبة الى الشهيد العميد محمد سليمان، أعتقد أن الإسرائيليين هم الذين قتلوه بسبب دوره قبل الحرب وأثناءها لأنه كان مكلّفاً من الرئيس الأسد بمتابعة هذا الملف. كان دوره ممتازاً جداً وإيجابياً جداً، لذلك بعد الحرب، بحث الإسرائيليون عن الحاج عماد وعن العميد سليمان. بعض الإعلام العربي تحدّث عن تصفيات داخلية. من الواضح تماماً لدينا، من التحقيق والمعطيات الميدانية، أن إسرائيل وراء هذا الأمر.
■ هل صحيح أن الرئيس بشار الأسد كان مستعداً لفتح الجبهة؟
احتمال تطور الحرب إلى سوريا كان وارداً لأن الإسرائيلي كان يحمّل سوريا جزءاً من المسؤولية عن صمود المقاومة، وعن تزويد المقاومة بجزء من السلاح الذي كان له تأثير نوعي في مسار الحرب. لذلك كان هذا الاحتمال وارداً نتيجة تطورات الميدان، وخصوصاً عندما بدأ الحديث عن عملية برية قد تحصل باتجاه حاصبيا وراشيا والبقاعين الغربي والأوسط. يومها، تقريباً في الأسبوع الثاني من العدوان، أرسل لي العماد آصف شوكت الذي كان على تواصل معنا أثناء الحرب، طالباً رأيي في فكرة تدرس في دمشق بأنه في حال حدوث عملية برية واسعة، قد تجد سوريا نفسها مجبرة على الدخول إلى جانب المقاومة في الحرب. لا أدّعي أن القرار اتخذ، لكن الأمر كان مطروحاً لدى الرئيس والمجموعة المعنية باتخاذ القرار، وهم كانوا يواكبون كل شيء، وعلى اطلاع تفصيلي على ما يجري.
كان جوابي لهم، بعدما تشاورت مع الإخوان: لستم مضطرين لذلك، والأمر ليس بهذه الخطورة وإمكانيات المواجهة البرية لدينا عالية جداً، لا بل نتمنى أن يدخل الإسرائيلي في عملية برية لأنه عندها ستتضح معالم المعركة.
عملياً، العملية البرية التي كان يفترض على أساسها أن يناقش موضوع دخول سوريا في الحرب لم تحصل، ولذلك انتفى الأمر، ولم يحصل نقاش لاحق.
العدو «علق» في غزة... وانتصار المقاومة الفلسطينية يؤخّر أيّ عدوان على لبنان
■ الى أي مدى فاجأتكم غزة 2014، وخصوصاً أن موقف الحزب كان متريثاً في الأيام الأولى، على صعيد الموقف وعلى صعيد السلوك الإعلامي. هل كانت هناك خشية من أن المقاومة تستدرج إلى فخ؟
هل كان المسار الفلسطيني متوقعاً؟ لا، لكنه لم يكن أيضاً مفاجئاً. المفاجئ ما يكون خلاف السياقات. الواضح ان الاسرائيلي، لا المقاومة، هو من دفع الأمور في هذا الاتجاه منذ خطف المستوطنين الثلاثة.
الطريقة التي تعاطى بها الاسرائيلي ليست طريقة من يفتش عن مخطوفين. بحجة البحث عن المستوطنين الثلاثة، فعل كل ما يستطيع فعله في الضفة الغربية، بمسح حماس والجهاد والجبهة الشعبية، وكل ما يتصل ببنية المقاومة. تطورت الأمور من مستوى الى مستوى، وأنا أميل الى أن ما حصل هو تدحرج، لأن الاسرائيلي تدحرج والمقاومة تدحرجت. بمعنى أنه ما من أحد خطط للحرب. البعض، للأسف، اتهموا المقاومة بأنها ذهبت إلى الحرب لكي تحيي دورها السياسي أو لإحياء المحور التركي والقطري والإخواني. أنا لا أرى ذلك.
في المقابل، الإسرائيلي الذي يراقب تطورات المنطقة وتحولاتها ليس مستعجلاً على الحرب، لكن عندما تتدحرج تصبح هناك فرصة وتهديد. الإسرائيلي هنا يود الاستفادة من الفرصة، والمقاومة تواجه هذا التهديد، وتحاول أن تحوّله إلى فرصة. هكذا نفهم ما جرى. الطرف الإسرائيلي رأى أنه طالما ذهبنا إلى المواجهة فهذه فرصة، وخصوصاً أن غزة محاصرة، والعالم العربي ممزق، والوضعين الإقليمي والدولي في مزاج آخر، وكذلك اهتمامات الشعوب العربية. في الأيام الأولى، ضرب العدو كل الأهداف التي لديه معلومات عنها، ومع ذلك استمرت الصواريخ تطلق من قطاع غزة. لذلك وجد نفسه أمام مشكلة كبيرة.
أما المقاومة، وطالما أن الحرب فرضت عليها، فهذه فرصتها لرفع الحصار. لذلك واضح ان المقاومة لا تبحث عن نصر معنوي أو عن مخرج يحفظ ماء الوجه، وإنما عن انجاز حقيقي هو رفع الحصار، ولو كان مكلفاً. وهذه نقطة قوة للمقاومة، أولاً لأن هذه إرادة كل فصائل المقاومة في غزة. وثانياً لأن هناك إرادة شعبية حقيقية في موضوع رفع الحصار.
ربما يختلف الناس مع حماس على إدارة القطاع، وعلى السلطة والحكومة، وقد تتباين الفصائل في ما يتعلق بالموقف من الأحداث الإقليمية، لكن في موضوع رفع الحصار، هذا مطلب شعبي جماهيري غزاوي إجماعي.
هذا فهمنا لطبيعة المعركة. لذلك عندما عرض في البداية وقف إطلاق نار او تهدئة في مقابل تهدئة، كان إجماع الفصائل على أنه لا يمكن ان نناقش ذلك من دون تحقيق انجاز رفع الحصار. منذ بداية المعركة، هذا كان هدف المقاومة. الإسرائيلي، في تقديري، «علق»، وهو حاول كثيراً ان يستفيد من أضرار حرب تموز. منذ بداية حرب غزة كانت حرب لبنان الثانية حاضرة في الإعلام الإسرائيلي.
■ هل توافق على أن أهداف العدو كانت متواضعة؟
هذه من عبر تموز. الإسرائيلي حاول ان يستفيد من العبر، لكنه «علق» في المشكل، ولذلك لم يحدد هدفاً. تابعت الحرب منذ بدايتها. ليس واضحاً لديّ ما هو الهدف، ولا يوجد كلام رسمي نهائي. أحدهم يتحدث عن إسقاط نظام حماس، وآخر عن نزع سلاح المقاومة، أو وقف الصواريخ، أو منع دخول الصواريخ أو تصنيعها، أو تدمير الأنفاق. حتى موضوع الأسيرين يتجاهلونه ما أمكن، لأنهم يعرفون انه لا يمكن استعادتهما من دون تفاوض ومن دون ثمن، ولن يصلوا اليهما بالضغط السياسي أو العسكري. الاسرائيلي في مأزق، وربما كان تقديره ان المقاومة لا تملك إرادة الصمود، وأن الناس لن يتحملوا هذا الحجم من التضحيات. وأعتقد ان العدو كان يراهن، كما راهن شيمون بيريز في حرب عناقيد الغضب عام 1996، على نفاد مخزون صواريخ المقاومة، وعندها يقول إنه أوقف اطلاق الصواريخ من دون أن يعطي مكسباً للفلسطينيين، لكن هذه الحسابات كلها «ما ظبطت».
■ هل تبلّغتم من الفلسطينيين طلباً بالتدخل المباشر؟
الأخ موسى (أبو مرزوق) تحدث في هذا الموضوع. لم يتحدث أحد معنا من بقية الفصائل، وأعتقد أن الكل يتفهم.
■ هل يعبّر كلامه عن موقف حماس الحقيقي؟
اذا كان هذا مطلباً جدياً فإنه يناقش ضمن الدوائر المغلقة لا في وسائل الإعلام. خطوط الاتصال بيننا وبين حماس لم تنقطع في يوم من الأيام، حتى في الفترة التي قيل فيها عن تراجع العلاقة. خطوط الاتصال قائمة والتواصل دائم. كان يمكنه هو أو أحد قيادات حماس ان يطلب مناقشة الأمر، أما طرحه في الإعلام، ففي رأيي يثير تساؤلات ولم أجده مناسباً. لا أريد أن أحلّل، والأصل هو حسن النية والتفهم. ربما رأى ان الظروف صعبة قليلا فطرح الفكرة، لكن موضوعاً بهذه الأهمية والخطورة لا نتخاطب به عبر وسائل الإعلام. ولذلك لم نعقّب على الطلب إعلامياً لأن هذا الأمر يناقش في ما بيننا، وما إذا كانت هناك مصلحة أم لا.
■ هل تواصلتم مع حماس في هذا الشأن؟
لا.
■ لم تراجعوهم في الأمر؟
هناك تواصل مستمر، لكن لا نحن تحدثنا في الأمر ولا هم.
■ في رأيكم كم أخّرت حرب غزة الحرب الإسرائيلية المقبلة على لبنان؟
يمكنني القول إنها أخّرت، لكن لا يمكنني أن أقول كثيراً أو قليلاً، لأنه ليس واضحاً ضمن أي ظروف أو معطيات يمكن الإسرائيلي ان يشن حرباً لو أراد ذلك. الإسرائيليون بعد حرب تموز والعبر التي استخلصوها يفترضون أن أي حرب مقبلة يجب أن تؤدي إلى نصر سريع وحاسم وبيّن. في حرب تموز الكل قال ان إسرائيل هزمت، لكن قد يخرج من يدعي غير ذلك، كما حصل أخيراً عندما قال البعض انهم اكتشفوا الآن انهم انتصروا لأن جبهة جنوب لبنان لم تفتح، علماً أن هذه الجبهة لم تفتح لا في الانتفاضة بعد عام 2000 ولا أثناء عملية السور الواقي او في 2008 او حرب الأيام الثمانية.
اشترط الاسرائيليون بعد تموز لأي حرب في لبنان أن يكون النصر، أولاً، سريعاً لا يستغرق وقتاً، ولا تتحول الحرب استنزافاً وقصفاً للمدن، وثانياً، أن يكون حاسماً لا محدوداً او مؤقتاً، وأن يحقق كل الأهداف لا أهدافاً متواضعة، وثالثاً أن يكون واضحاً لا نقاش فيه. من الأسباب المهمة لذلك هو تقديرهم أن اي حرب مقبلة ستكون أصعب بكثير من حيث استهدافاتها، ومن حيث قدرات المقاومة وإمكاناتها الصاروخية وفي المجالات المختلفة. العدو لا يحتمل حرب استنزاف، ونراه حالياً «مضغوطاً»، مع أن عدد الصواريخ الذي يطلق من غزة على تل أبيب وغيرها محدود جداً. هو يتحدث عن فعالية القبة الحديدية، لكن هذا فيه نقاش، لأن القبة الحديدية قد تتمكن من اسقاط عدد محدود من الصواريخ، لكنها ستواجه مشكلة حقيقية في وجه عدد كبير من الصواريخ.
عمل العدو على الاستفادة من عبر تموز تدريباً وتجهيزاً وذهب ليطبّق ذلك في غزة، مفترضاً انه عالج كل الثغر، فضلا عن امتلاكه إحاطة معلوماتية هائلة بأوضاع غزة. برغم ذلك نجد أنه فشل، وهو من يقول ذلك لا نحن. لذلك، عندما يفشل في مواجهة غزة المحاصرة وإمكاناتها المعروفة، فبالتأكيد يجب أن تكثر حساباته. أعتقد أن الموضوع يختلف ما بعد حرب غزة عما كان عليه قبلها.
■ ما نصيحتك للمقاومة وللشعب الفلسطيني في غزة؟
هذه قناعتهم وإرادتهم وثقافتهم. عندما يوضع الإنسان بين خيارين: إما ان يستسلم أو الحرب، فلا خيار بين السلة والذلة. ثقافة المقاومة وخيار المقاومة تناميا لدى الشعب الفلسطيني لأنه لا أفق آخر له. جرب المفاوضات، وانتظر الوضعين الإقليمي والدولي بما يكفي، بل مرت، في ما يتعلق بمصر، فرصة ذهبية بالنسبة إلى قطاع غزة وإلى مجمل القضية الفلسطينية، ولكنها سرعان ما ضاعت. من يعش في غزة فما هي الخيارات لديه؟ أن يقاوم، أو أن يستسلم للشروط الإسرائيلية، أو أن يرمي بنفسه في البحر، أو يهاجر وينضم إلى مخيمات اللاجئين. أعتقد، بعد كل هذه التجارب، أنه ليس أمام الفلسطينيين غير الخيار الذي يتبعونه اليوم. اللاخيار، هنا، بمعنى انه إذا كان الانسان حريصاً على كرامته وعلى بقائه وعلى وجوده يلجأ إلى هذا، وإلا فإن هناك ناساً يستسلمون. أهل غزة أخذوا قرارهم بعدم الاستسلام، وبتحمّل تبعات هذا الموقف ولو كان مكلفاً، ولديهم ثقة بالمقاومة وبأن طريق المقاومة قد يوصل إلى نتيجة. المنطق والعقل ــــ لا الشعارات ــــ يقولان إن عليهم أن يقاتلوا .
■ واضح اننا امام مشكلة بين محور المقاومة والقيادة المصرية. المسألة لا تخص حماس وحدها. كيف تتعاملون مع موقف حكومة السيسي من ملف العدوان على غزة، والضغط على المقاومة؟
أريد أن أستعير كلام احد قادة المقاومة الفلسطينية بأن مشكلة غزة الان أنها بين مشكلتين: مشكلة ثقة مع الاسرائيلي، وهي مشكلة اساسية وجوهرية، وبين أنها اصبحت واقعة بين محورين قطري ــــ تركي، ومصري ــــ سعودي ـــ إماراتي. هذا الانقسام اسبابه مفهومة ومعروفة، لكنه للاسف الشديد انقسام حاد وقاس، في الوقت الذي يجب فيه تجاوز هذا الانقسام بشكل او آخر. نحن، مثلاً، بالتشاور مع الاخوان في الفصائل الفلسطينية ومع الاخوة الايرانيين، اقترحت على الايرانيين أن يتصلوا بالاتراك والقطريين والمصريين، وبالسعوديين ولو عبر الامارات أو عُمان. بالنسبة الى محور المقاومة، لسنا معنيين بتسجيل نقاط أو بتوظيف حركة مقاومة في حسابات داخلية او اقليمية. هناك هدف أساس هو وقف الحرب على غزة ورفع الحصار. في أوقات الاشتباك، الأولوية هي ان يحكي الناس مع بعضهم بعضاً، لكن في غمرة الاحداث، كان الموقف المصري، مثلاً، صعباً، فيما شنّ رئيس الوزراء التركي رجب أردوغان هجوماً شخصياً على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. حتى القطريون، ومن خلال «الجزيرة»، كان موقفهم سلبياً من مصر، إذا كنت تريد مساعدة غزة فإنه يجب ان تحكي مع مصر، والفلسطينيون انفسهم يقولون إن أي حل أو تسوية غير ممكنة بمعزل عن مصر.
هذا يتطلب من هذين المحورين اللذين تقع غزة بينهما بشكل او آخر أن تتقدم اولوية غزة على كل النقاشات والصراعات الاخرى، وهو ما لم يحصل حتى الآن في الشكل المناسب.
■ كيف ترون علاقتكم بحركة حماس في المرحلة المقبلة، ليس فقط كحزب، بل ايرانياً وسورياً، وخصوصاً بعد حرب غزة؟
حتى قبل حرب غزة. نحن اختلفنا على مقاربة الحدث السوري، ولكن لم تنقطع الاتصالات واللقاءات. كل شيء بقي طبيعياً جداً.
■ والدعم ؟
بطبيعة الحال كل وضعنا تأثر نتيجة احداث سوريا والعراق والمنطقة. في الموضوع السوري، في كل اللقاءات التي كانت تعقد بيننا كانت الدعوة هي الى أن نتفهم موقفهم وأن يتفهموا موقفنا، وان كنا على خلاف في تقويم ما جرى. دارت نقاشات كبيرة بيننا حول هذا الموضوع. طبعا موضوع غزة يعيد هذا المسار الى أولوياته لكي نتواصل ونتعاون اكثر. وبالتأكيد سيكون لذلك تأثير دافع في العلاقة بين حزب الله وحماس، وبين حماس والجمهورية الاسلامية. موضوع سوريا مختلف ومعقد، ويحتاج الى وقت، وهو رهن التطورات الاقليمية، وليس له أفق في المدى المنظور.
■ سندخل الى القدس؟
لدي يقين بذلك.
■ هناك مزاج شعبي يسأل اليوم: ما هي علاقتنا بفلسطين، ولماذا يجب علينا أن نحرر القدس؟
أخطر المشاكل التي نواجهها الآن، سواء في المزاج اللبناني، أو في المزاج العربي، أن نصل إلى وقت تعتبر فيه شعوب المنطقة وجود إسرائيل طبيعياً، وأنها لا تمثل تهديداً للمنطقة ولا لشعوب المنطقة، وأن إسرائيل ـ إذا كانت مشكلة ـ فهي مشكلة للشعب الفلسطيني فقط، لا لكل شعوب المنطقة، وهذا الكلام مرتبط بالسياسة وبالأمن وبالاقتصاد. إسرائيل أولاً هي كيان غير شرعي وهي تهديد للمنطقة وهي تهديد دائم لكل المنطقة، ولا يمكن التعايش مع هذا التهديد، ولذلك يجب أن يكون الهدف النهائي لهذه الأمة هو إزالتها من الوجود، بمعزل عن كل المشاكل والحساسيات، وعن كل ما حصل أو يمكن أن يحصل بين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين، بين الشيعة والسنة، بين المسلمين والمسيحيين. كل النزاعات والحساسيات والخلافات والصراعات، لا يجوز أن تسقط ثقافة أن إسرائيل غدة سرطانية، وهي شر مطلق، وخطر على كل شعوب وحكومات هذه المنطقة، وعلى كرامتها ومقدساتها، وبالتالي الهدف النهائي يجب أن يكون إزالتها.
هم يريدون إيصالنا إلى هذه النقطة، وهناك مراحل ينجحون فيها، ونحن يجب ألّا نصل إليها. طبعاً، هذا إذا تحدثنا بالسياسة والاقتصاد والأمن والعسكر والبيئة وما إلى هنالك، ولكن إذا تحدثنا من منطلق عقائدي فهذا موضوع لا يمكن أن يُقارب النقاش فيه على الإطلاق. في الموضوع العقائدي تضيق المساحة الشعبية التي تتأثر بالمزاج وبالعواطف، حيث يؤكد الناس أن لديهم موقفاً عقائدياً من موضوع إسرائيل، وهو موقف لا علاقة له بما إذا كنا متصالحين مع الفلسطينيين أو مختلفين معهم.
وبالتالي صلة حزب الله بالصراع مع العدو الاسرائيلي، وحتى بالوقائع الميدانية داخل فلسطين، لا نقاش فيها.
كنتُ مع الأرجنتين في المونديال وقرأت جبران وشاهدت «التغـريبة الفلسطينية»
■ هل تحبّ كرة القدم؟
نعم أحبها. وكنت ألعبها، قبل أن أضع العمامة وبعدها، مع الأصدقاء. هل تشجّع منتخباً معيناً؟ في وقت سابق نعم من باب التسلية و«تغيير الجو». وغالباً ما كنت مع البرازيل، وأحياناً مع الأرجنتين، وخصوصاً عندما كان مارادونا في المنتخب، إذ كان لعبه يعجبني.
■ وفي المونديال الأخير؟
قيل إنني مع منتخب البرازيل، لكنني لست مع أحد. في جو حزب الله عموماً هناك تأييد للبرازيل، وهو تأييد قديم ناجم عن تقنياتهم ولعبهم الجميل، وبعد ذلك صار البعض يقولون إن هذا التأييد مردّه إلى أن علم البرازيل مكوّن من اللونين الأصفر والأخضر، وهما اللونان المميّزان لدى الشيعة.
■ هل تابعت المونديال هذا العام؟
في الحقيقة هذا العام لم يكن المزاج يسمح بمتابعة هذه المسائل، بسبب ما يحصل في لبنان وسوريا، ومن ثم حصل ما حصل في غزة وفي العراق.
■ لم تشاهد أي مباراة؟
شاهدت جزءاً من المباراة النهائية، وذلك من أجل ابني، لا من أجل المباراة بحد ذاتها. وبما أن ابني كان مع ألمانيا، أردت أن أخلق جواً من المنافسة والتشويق، فوقفت في صف الأرجنتين.
■ هل تتعامل مع الفايسبوك؟
بسبب الظروف الأمنية فإن كل شيء له علاقة بالتلفون الخلوي والانترنت يجب أن أبقى بعيداً عنه، ولذلك لا علاقة مباشرة لي بالفايسبوك، ولكنني مطلع على نحو دائم على ما يحصل على مواقع التواصل الاجتماعي من نقاشات وإشاعات ومحادثات من خلال الملخصات والتقارير التي تصلني عن الموضوع.
■ في العادة، يألف الإنسان الأمكنة، الفراش، المخدة، ويعتادها، فإذا غيّر يوماً ما لا يستطيع النوم. كيف تتكيف مع واقع التغيير الدائم الذي تعيشه؟
هذا صحيح، لكن عندما يصبح تغيير الاماكن والانتقال من مكان إلى مكان جزءاً من حياة الانسان يتحول هذا إلى الواقع المعتاد. بالنسبة إلي، باتت هذه الأمور هي الطبيعية عندي، وخصوصاً بعد عام 2006، أما قبل ذلك، فما تقوله دقيق.
■ ما هو طبقك المفضل؟
في الماضي كانت هناك أطباق مفضلة، أما الآن، فما من طبق معين. آكل أي شيء متوافر، وحتى إذا سئلت ماذا تحب أن تأكل، أجيب إنه ليس لديّ مشكلة. هذا الأمر استجدّ في الفترة الأخيرة، إذ بتّ آكل ما تيسر، كما العسكري في الجبهة الذي لا يملك خيار ترجيح الأكلات المفضلة لديه. ولكن أيام زمان، نعم كنت أحب العديد من الأكلات كالملوخية والمجدرة برز، والسمك.
■ هل مضى زمن طويل لم تقد فيه سيارة؟
نعم.. بالحد الأدنى من عام 1986.
■ تغيرت الضاحية الجنوبية بعد عام 2006، هل لديك تصور عنها كيف أصبحت؟
طبعاً، فأنا لست غائباً عن الضاحية، وأعرف تفاصيلها. يروّج الإسرائيلي لفكرة ما، ويساعده على ترويجها بعض الإعلام العربي، مفادها بأنني مقيم في ملجأ، بعيداً عن الناس، فلا أراهم ولا أتواصل معهم، ومنقطع حتى عن إخواني. أنا لا أقيم في ملجأ، والمقصود بالإجراءات الأمنية هو سريّة الحركة، ولكن هذا لا يمنعني نهائياً من أن أتحرك وأتجول وأتعرّف وأرى كل ما يحصل. المشكلة تكمن في أن يراني الآخرون. ولذلك أنا مطلع على مشهد الضاحية وبنائها وأماكن التقدم والتأخر، وماذا يحصل في الجنوب وفي البقاع بالتحديد.
■ ما هي المنطقة التي تحبها في لبنان؟
نمط الحياة الذي يعيشه الإنسان يجعل من عاطفة الانسان تجاه القضايا المطروحة على مسافة واحدة. أنا عشت في البقاع في مرحلة تكوّن الشخصية. مرّت سنوات، إذا قلت أريد ان أرتاح، وهذا قبل عام 2000، وحتى بعد عام 2000 بقليل، «أطلع» إلى بعلبك، لأنه في تلك الفترة تكوّنت لي هناك صداقات شخصية.
.عملياً، ومع الوقت، يصبح شعور المرء تجاه المناطق، وحتى تجاه الناس الذين تحبهم ويحبونك، بعيداً عن إمكانية المفاضلة، فلا يمكنك القول إنك تحب هذه المنطقة أكثر من تلك المنطقة، أو إنك تحب هذه المجموعة أكثر مما تحب تلك. يصبح شعورك بأنك تحب الكل وأنت مع الكل، تريد أن يكون الكل معك. إذا دخلت إلى قلبي لترى إن كنت أحب منطقة ما أكثر أو حيّا ما أكثر أو قرية ما أكثر، فلن تجده.
■ هل تشاهد أفلاماً أو مسلسلات؟
عندما يتوافر لدي وقت. شاهدت حلقات من مسلسلات مثل التغريبة الفلسطينية، النبي يوسف، الحجاج بن يوسف، الغالبون وأمثالها.
■ هل تقرأ روايات؟
«أيام زمان» قرأت العديد من الروايات. ولكن منذ خمس سنوات وحتى الآن لم أقرأ شيئاً في هذا المجال. من فترة قصيرة وصلني كتاب هدية بعنوان عين الجوزة فقرأته. عندما تصبح في إطار المسؤولية كل هذا يتوقف، وتصبح الأولوية في القراءة هي ما هو راهن. مثلاً الآن في الموضوع الثقافي أنا أقرأ الموضوعات التي تعالج ظاهرة التكفير: تاريخ التكفير، أسبابه، اتجاهاته. وهناك مجموعة من الكتب الممتازة في هذا المجال، شيعياً وسنياً، لأن هذا الآن هو موضوع الابتلاء الحقيقي. وفي الفترة التي سبقت عام 2006، تركزت قراءاتي على الموضوع الإسرائيلي، كمذكرات الجنرالات والسياسيين وقادة الأحزاب، لأن هذه معركتنا، وقد أصبح لدينا تخصّص في هذا المجال.
■ هل تقرأ جريدة الأخبار؟
طبعاً.. وهل نستطيع أن لا نقرأها؟ كانت تصلني مع صحف اخرى، وأخيراً حصلت تغييرات معينة، فصرت أطّلع عليها من خلال المقتطف الذي يعّده المركز الاستشاري، وهو يضم معظم مقالات الجريدة، والملخصات.
■ هل تتابع محطات تلفزيونية غير المنار؟
بالنسبة إلى التلفزيونات فأنا أقلّب بينها على نحو دائم. أنا في الأساس لديّ نقاش في نظرية أن هناك تلفزيونا لديه شعبية بحدود معينة كما تظهرها استطلاعات الرأي، وأعتقد أن هذه الإحصاءات غير دقيقة. لا أرى أن هناك تلفزيونا لديه جمهور مقفل. أعتقد أنه كما يحصل معي، يحصل مع الآخرين. عندما يجلس أحدنا أمام التلفزيون يحمل الريموت كونترول (جهاز التحكم) ويقلّب بين القنوات، فإذا شاهد مقابلة لافتة لشخص يناقش وحديثه مفيد، يقف عند هذه المحطة، بغض النظر عن اسمها.أما بالنسبة إلى نشرات الأخبار فأنا ألاحق مجموعة قنوات، ولا أعتمد قناة واحدة. بالنسبة إلى الفضائيات العربية، أتابع ثلاثا منها وهي الميادين والجزيرة والعربية. أتابع الميادين على نحو أكبر بالتأكيد، ولكنني أطلّ على العربية والجزيرة، لأنني أحاول أن أعرف عمّا يتحدثون، بغض النظر عن الموقف مما يقولونه، ولا سيما على صعيد الأخبار. بالنسبة إلى القنوات اللبنانية، فأنا أقلّب بينها كلّها، وهذا الأمر له علاقة بمعرفة ماذا تقول هذه القنوات، كما أطّلع على الخلاصات التي تعدّها العلاقات الإعلامية عما يرد في الإذاعات والتلفزيونات ومواقع الانترنت، وعندما تُقرأ هذه المادة يمكن تكوين فكرة عامة. ■ هل هناك كتّاب محددون تقرأ لهم؟
بدون الدخول في الأسماء، هناك مجموعة من الكتّاب أحرص على قراءة ما يكتبونه من مقالات.
■ مؤيدون لكم في السياسة؟
لا، أبداً. هناك من هم معنا، وهناك من ليسوا معنا. لا يكفي أن تقرأ من هو معك فقط. يجب أن تقرأ من الجهتين لتتعرف على مختلف وجهات النظر المطروحة.
■ هل تتقن لغات غير العربية والفارسية؟
كنت أتقن اللغة الانكليزية، لكن بسبب قلة الممارسة بتّ أفهمها، لكن لا أتحدّث إلا قليلاً. أستمع لنشرة الأخبار وأفهم ما يرد فيها. وعندما كنت ألتقي سفراء أجانب أو وسائل إعلامية أجنبية كنت أفهم الأسئلة والنقاش. أما بالنسبة إلى اللغة الفارسية، فأنا أتقنها بالكامل مع ان علاقتي بها بدأت سياسية بالدرجة الاولى. لكن مع الوقت تكتشف أن هناك جزءا من الثقافة الإسلامية العرب محرومون منه لأنه باللغة الفارسية.
ثأر «الحاج رضوان» ثأران
■ تكرّرون القول إن الحاج عماد مغنية هو قائد الانتصارين. ماذا يعني هذا القول عملياً؟
بحسب الهيكلية التي كانت معتمدة أواخر التسعينيات في الحزب، جمعت كلّ إدارة العمل الجهادي التنفيذية تحت إمرة الحاج عماد، وكان عدد كبير من الإخوة يعاونونه. وقد استمرّت هذه الصيغة حتى استشهاده. ولذلك، عندما حصل التحرير في عام 2000، وحرب تموز في عام 2006، كان الحاج عماد رحمة الله عليه هو المسؤول عن إدارة العمل الجهادي. وإن لم يكن ممكناً القول إنه في حرب تموز، كان فلان أو فلان مسؤولاً بشكل محدّد.
نحن لا ننسب الفضل لشخص واحد لأن حرب تموز هي عمل جماعي في المقاومة وفي الوضع الوطني العام. لكن الحاج عماد لعب دوراً أساسياً ومركزياً في الانتصار الأول وفي الانتصار الثاني، ولو بقي على قيد الحياة لما قلنا إنه قائد الانتصارين.
■ أين أصبح وعدكم بالانتقام له؟
هذا موضوع مفتوح. في أكثر من مناسبة قلت إن بعض الناس يفترضون أنه يمكن أن تستهدف مجموعة أشخاص، مجموعة مستوطنين أو إسرائيليين مسافرين إلى هذا البلد أو ذاك، أو قد تشن عملية تستهدفه في مكان ما وانتهى. تحقق ثأر الحاج عماد. في الحقيقة، نحن لا نفكر بهذه الطريقة. نحن نرى أن ثأر الحاج عماد ثأران. أولاً، في نفس استمرار بنية المقاومة وتطويرها وإمكاناتها واقتدارها واستعدادها لأي مواجهة وبصنع نصر جديد في أي مواجهة، لأن اسم الحاج عماد وروح الحاج عماد وعقل الحاج عماد موجودة في هذا كلّه. ثانياً، هو أن المحتل الإسرائيلي يعي أن الثأر آت حتى لو طال الوقت.
وهم يفكرون بأننا نبحث عن شخص أو هدف يقاربه. وفي الحقيقة، لا يوجد من يوازيه عندهم، ما قد يوازيه يُقارَب في الاعتبار السياسي والمعنوي للحاج عماد. يعني مجموعة أشخاص أو مجموعة قادة أو مجموعة اتخاذ القرار؟ نعم. الإسرائيليون يفترضون أن الهدف هو بهذا الحجم. لذلك يشددون إجراءاتهم الأمنية حول رئيس الوزراء ووزراء الحرب ورؤساء الأركان الحاليين والسابقين وقادة الأجهزة الأمنية الحاليين والسابقين. هم يفترضون أن أي ثأر للشهيد عماد مغنية لا يمكن أن يكون بأقل من هذا المستوى ولو طال الوقت.
■ هل تذكر سماحتك أنك سئلت عنه مرة وقلت لا نعرفه ولا نعرف أين هو؟
لم أقل أي مرة لا نعرفه. مرة واحدة قلت، في أول مقابلة أجريتها مع تلفزيون لبنان في عام 1993، ورداً على سؤال عما إذا كان الحاج عماد قيادياً في حزب الله، قلت لا. وحقيقة، وقتها لم يكن الحاج عماد في حزب الله. لم يكن هو ومجموعة من الإخوة الأساسيين في العمل الجهادي قد دخلوا إلى تشكيلات حزب الله. كان لديهم تشكيل مستقل وكانوا يعملون من خلاله، بمعزل عما إذا كان هذا التشكيل المستقل ما زال قائماً أو موجوداً. هذا بحث ثانٍ حتى لا نكون نقترب من أماكن حذرة.
■ هل تضع اغتيال الحاج حسان اللقيس في سياق اغتيال الحاج رضوان نفسه، أو هو رسم خط إسرائيلي أحمر جديد لأن حزب الله خرق خطاً أحمر في مكان ما؟
أنا أعتقد أنه جزء من الحرب الأمنية المفتوحة مع العدو. الموضوع ليس موضوع خطوط حمراء. نحن نعرف أن هناك عدداً من الأشخاص إذا استطاع الإسرائيلي أن يصل إليهم في أي وقت فلن يتأخر ولن ينتظر خطوطاً حمراء، تماماً مثلنا نحن الآن عندما كنا نتحدث عن موضوع الحاج عماد رحمة الله عليه. بالنسبة إلينا، أيضاً هناك مجموعة من الأهداف ترتبط بملف الحاج عماد مغنية، وهذا جزء من الحرب الأمنية المفتوحة بيننا وبين الإسرائيلي.
«داعش» إلى السعودية والأردن وتركيا بعد كردستان!
يقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في قلب المعركة التي ستحدد نتيجتها مستقبل المشرق العربي. هي امتداد للحرب التي أريد من ورائها نقل سوريا من محور إلى آخر. لكن الوجه الجديد لها لا يمثل خطراً على سوريا وحدها. العراق في قلب المشهد المظلم، الذي ينذر لاعبه الأبرز، تنظيم «داعش»، بالتوسع نحو السعودية والأردن، وربما تركيا. ليس نصرالله لاعباً ثانوياً في ما يدور في المشرق، بل في الصف الأمامي لصناع القرار. وهو يتابع أعداءه الجدد بالمنظار عينه الذي رأى فيه عدوه الدائم، إسرائيل. لا يستهين بقدراتهم، ولا يبالغ فيها. في الحلقة الثانية من المقابلة التي خص بها «الأخبار» في ذكرى الانتصار على العدو الاسرائيلي، يكمل السيد سرد رؤيته لما يجري في المنطقة، من مهرجان الانتصار عام 2006، إلى خطاب ابي بكر البغدادي في مسجد الموصل... وما بعده
■ هناك من يقول إن حزب الله بدأ كحركة إسلامية لا تعترف بحدود، ثم تحوّل في مرحلة لاحقة إلى حركة مقاومة وطنية ذات طابع إسلامي، قبل أن يتحول الآن إلى حركة مقاومة عابرة للدول بعد القتال في سوريا والحديث عن الوجود في العراق واليمن. إلى أيّ حد، هذا الكلام دقيق وصحيح؟ وإلى أي مدى توافقون عليه؟
بمعزل عن النقاش الفكري والسياسي، أحب أن أعرض الأمور كما هي. الذهاب للقتال في سوريا هو، في الدرجة الأولى، للدفاع عن لبنان وعن المقاومة في لبنان وعن كل اللبنانيين من دون استثناء. وقد جاءت حادثة عرسال الأخيرة لتؤكّد رؤيتنا، حتى لو أراد خصمنا المكابر أن يقرأها من زاويته.
قال البعض إننا ذهبنا إلى حرب استباقية في سوريا. لا أجد التعبير دقيقاً لأن الحرب كانت على حدودنا. اليوم، هناك البعض في قوى 14 آذار ممن لا يكفّ عن الحديث عن السيادة وعدم التدخّل، لا يعرف، مثلاً، أن جرود عرسال الممتدة على عشرات الكيلومترات وجرود بقاعية أخرى تحتلها جماعات مسلحة سورية منذ بداية الأحداث.
وقد أنشأ هؤلاء معسكرات تدريب وغرف عمليات ومشافي ميدانية ومعسكرات وتجمّعات داخل الأراضي اللبنانية، حتى قبل أن يذهب أي مقاتل من حزب الله إلى سوريا. يقولون لنا: ذهبتم فجاؤوا. يا أخي، هم جاؤوا منذ زمن. الأمر لا يتعلق بحرب استباقية. القصير هي على الحدود، ومن المقطوع به والذي يتأكد يوماً بعد يوم أنه لولا حرب القصير، سريعاً ما كانت الجماعات المسلحة ستدخل إلى الهرمل وإلى منطقة البقاع الشمالي. قتالنا في سوريا لا ينفي البعد الوطني عن المقاومة لأننا ندافع عن وطننا على الحدود. صحيح أننا دخلنا إلى بعض الأماكن في سوريا، لكن المعركة، أساساً، في المناطق الحدودية.
الأمر الأهم أن الخطر الآن يستهدف الجميع. ما كنا نتحدث عنه قبل ثلاث سنوات، بات الجميع اليوم يتحدث عنه، حتى الخصوم يقرّون بأن ما يجري في المنطقة يهدّد الكيانات والدول والمجتمعات والشعوب، ويهدد المنطقة بأسرها، وبات يهدد مصالح الدول الكبرى في العالم. اليوم، أعتقد أن هناك واجباً على كل من يستطيع أن يكون جزءاً من هذه المعركة للدفاع عن لبنان وسوريا والعراق وفلسطين والمنطقة والقضية الفلسطينية، وعن المسلمين والمسيحيين والأقليات الدينية. كل البحث الفكري والاستراتيجي والتكتيكي والتنظير السياسي والفكري دعوه جانباً.
هناك خطر كبير يجتاح ويتقدم ويرتكب مجازر مهولة، لا ضوابط لديه ولا عوائق أو حدود بالمعنى الفكري والأخلاقي والشرعي والإنساني. هناك وحش فالت من عقاله في المنطقة، فإذا خرج أحد ليقاتل هذا الوحش ويمنعه من افتراس شعوب المنطقة ودولها وكياناتها، هل يجب أن يشكر أم يدان؟ أمّا من اخترع هذا الوحش ومن ربّاه ونمّاه فهو بحث آخر نصل إليه لاحقاً. لا يزال لديّ رهان بأنه سيأتي وقت سيقول لنا خصومنا والمكابرون اليوم: أنتم على حق، ومشكورون.
■ يعني هل أنتم واثقون بأن هذا سيحصل؟
المزاج الشعبي تغيّر. السياسيون هم آخر من يمكن أن يتغيّر مزاجهم لأن لديهم حسابات مصالح، لنأخذ عرسال مثلاً. هل مزاج أهلها اليوم هو نفسه كما كان قبل الأحداث الأخيرة؟ نسمعهم على الشاشات، كما نسمع بعض قادة تيار المستقبل، يسألون: أهكذا تكافأ عرسال التي استقبلت النازحين وآوتهم؟ بالطبع، البعض في عرسال قدّم أكثر من ذلك، وحوّلها قاعدة عسكرية متقدمة للجماعات المسلحة، بدليل بيان «جبهة النصرة» بعد الأحداث الذي أشار الى الخطأ الذي ارتكبوه في عرسال بسبب ما تمثّله بالنسبة إليهم. ما قدمته عرسال ــــ ولا نقول أهل عرسال ــــ كجغرافيا وكموقع جغرافي للمعارضة المسلحة لم يقدمه أي مكان في لبنان. كيف كافأ هؤلاء أهل عرسال؟ حتى قبل المعركة الأخيرة، كانت مجموعات مسلحة تدخل الى داخل البلدة لتسرق وتنهب وتقتل وتخطف. أهل عرسال حتى قبل الأحداث الأخيرة طالبوا بالحماية لأن الحاكم الفعلي هناك «داعش» و«النصرة».
خذ مزاج المسيحيين في لبنان. ألم يتغيّر؟ في البقاع الشمالي، لا يوجد اليوم مسيحيو 8 آذار ومسيحيو 14 آذار. كل من يريد أن يحافظ على بيته وقريته وأملاكه كان حاضراً ليحمل السلاح الى جانب الجيش في مواجهة جماعات المعارضة السورية المسلحة. هنا لا يوجد نقاش. معطيات الميدان و«الضيع» تقول هذا. هذا المزاج موجود اليوم في كل لبنان. لكن هناك شخصيات سياسية لديها مصلحة بالمكابرة. اليوم، هناك من يقول إنهم سيخوضون معركة ضد التطرف والتزمت والإرهاب. حسناً، ترجموا لنا من تعنون؟ إذا كانت الحكومة اللبنانية لم تضع حتى الآن لائحة إرهاب، فإن هناك من وضع مثل هذه اللائحة وحدّد من هم الإرهابيون.
■ هل موقف النائب وليد جنبلاط في هذا السياق؟
بالتأكيد، هذا جزء من الاعتبارات لديه. هذا الوحش المسمّى «داعش»، لا تصنيفات للناس لديه بين صديق وخصم وحليف وعدو، ولا ضوابط. محاربة هؤلاء ليست موضوع سلاح ومواجهة ميدانية. الميدان ينبني على فكر واعتقاد وإيمان وثقافة وعواطف ومشاعر. ليس بالأمر السهل أن يصل أحد الى ما وصل إليه هؤلاء من حقد وضغينة وجهوزية نفسية لسفك الدماء بهذه الطريقة. أين يوجد مثل هذا في التاريخ؟ «داعش»، على ذمة الأمم المتحدة، دفنوا الأطفال والنساء الأيزديين أحياء. نراهم يتفنّنون في الذبح. كيف وصلوا الى ذلك؟ هذا الفكر تم الاشتغال عليه لسنوات حتى وصل الى هذا المستوى.
في النتيجة، هذا الخطر من يتهدّد اليوم؟ انظر تجربة «داعش» في سوريا. قتلوا كل من سواهم. في العراق، هناك من يقول إن الحرب سنية ــــ شيعية. كم يوجد من الشيعة في كل من نينوى وصلاح الدين؟ هؤلاء قتلوا أئمة مساجد سنّة وشيوخ عشائر سنّة لأنهم رفضوا بيعة الخليفة، وشردوا قسماً كبيراً من أهل السنّة وهدموا مساجدهم ومراقدهم ومزاراتهم قبل مراقد الشيعة ومزاراتهم، فضلاً عما فعلوه بالأقليات الدينية الأخرى، كالمسيحيين والأيزديين. أيّ منطق في الدنيا يسمح بأن يهجَّر عشرات الآلاف الى الجبال، ويحاصروا ليموتوا عطشاً وجوعاً تحت مرأى العالم ومسمعه.
هذا الخطر لا يعرف شيعياً أو سنياً، ولا مسلماً أو مسيحياً، أو درزياً أو أيزدياً، أو عربياً أو كردياً. وهذا الوحش ينمو ويكبر. هناك جبهات معينة في سوريا والعراق فيها صمود ضد «داعش»، وهناك جبهات أخرى تشهد تحسناً ميدانياً موضعياً، في مدينة هنا أو قرية أو بلدة هناك. لكن يبدو أن الإمكانات والأعداد والمقدرات المتاحة لـ«داعش» ضخمة وكبيرة، وهذا ما يثير قلق الجميع، وعلى الجميع أن يقلق.
الأكراد، مثلاً، كانت لديهم حسابات خاطئة. عندما حصل ما حصل في الموصل، دخل الأكراد الى مناطق متنازع عليها عراقياً، واعتبروا أنفسهم غير معنيين بالتدخل في أي مكان آخر، وأن هذه مسؤولية بقية العراقيين، من شيعة وسنّة وأيزيدية ومسيحيين، وأن على هؤلاء أن يتدبّروا أمورهم. كان اعتقاد القيادة الكردية بأن «داعش» ستصل الى حد ما وتقف عنده، وأن ليس هناك ما يتهدد إقليم كردستان. ربما كان منشأ ذلك تحليلاً أو وعوداً وضمانات قدمتها «داعش» أو رعاتها الإقليميون. لكن ما حصل أن «داعش» باتت على مسافة 30 إلى 40 كلم من أربيل، ما اضطر القيادة الكردية الى رفع الصوت وطلب مساعدة أميركية وغربية وإيرانية وعراقية وغيرها. إذاً، ليس هناك حدود لـ«داعش»، وهناك خطر حقيقي، وخشية حقيقية لدى دول وجهات كثيرة، لأن من «مميزات» هذا التنظيم قدرته على استقطاب كل أتباع الفكر القاعدي والفكر الوهابي. أين المشكلة في أن يتحوّل ابن «النصرة» الى «داعش»؟ لا مشكلة في الأمر لأنهما يمتلكان العقيدة والفكرة والأدبيات والسلوكيات والممارسات نفسها. خلافهم تنظيمي على الإمارة بين أبو محمد الجولاني وأبو بكر البغدادي. وبالتالي، إذا وجد ابن «النصرة» أن أهدافه تحققها «داعش» فسيلتحق بها، ولدى «داعش» القدرة على تذويب «النصرة»، ليس عسكرياً بالضرورة، بل بانضمام أتباع «النصرة» الى «داعش». أتباع هذا الفكر التكفيري الوهابي جرى الاشتغال عليهم عشرات السنين، وبذلت عليهم مليارات الدولارات. هؤلاء، في أي مكان من العالم، سيجدون في «داعش» الأُمنية والأمل والمشروع والمستقبل. بعض الدول تعرف ماذا أوجدت وربّت، ولذلك تشخيصها لخطر «داعش» أكبر وأهم وأدق من تشخيصنا مثلاً، لأنهم يعرفون ما لديهم. اليوم، بمعزل عن المبالغة، هناك رعب حقيقي في داخل دول الخليج وفي السعودية، لأن هذا الفكر هو الذي يلقّن منذ عشرات السنين للناس، في المدارس وفي المناهج التعليمية. لذلك نقول إن هناك خطراً كبيراً وإن الجميع يجب أن يقلق. هناك خطر حقيقي على كيانات ومجتمعات ودول وشعوب، وقطعاً كل الأقليات الدينية في خطر، وداخل الدائرة الإسلامية كل الأقليات المذهبية هي في خطر، وكل السنّة الأشاعرة ــــ وهم أغلب السنّة ــــ في خطر حقيقي. الخطر على دماء كل هؤلاء وأموالهم وأعراضهم وأطفالهم ونسائهم ومقدساتهم. لا نريد أن نفتعل حالة رعب عند الناس. هذا الخطر، بالتأكيد، يمكن مواجهته والتغلب عليه وإلحاق الهزيمة به. لكن الأمر في حاجة الى جدية. نحن في القصير والقلمون وغيرهما لم نقاتل «الجيش الحر» وأصحاب الفكر العلماني أو الليبرالي، بل قاتلنا هذا الفكر وهزمناه. لكن المطلوب من الناس أن تأخذ موقفاً، وأن تعي وتنتبه.
■ عودة الرئيس سعد الحريري، هل هي بداية استشعار سعودي بضرورة لملمة الوضع، وتسليمه قيادة تيار الاعتدال في وجه الإرهاب؟
هذا ممكن.
■ في لقاءات أخيرة لك مع شخصيات سياسية، توقعت هجوم «داعش» في اتجاه كردستان قبل وقوعه. برأيك، لماذا اتجهوا شمالاً، ولماذا حيّدوا السعودية والأردن وتركيا؟
سيأتي وقتهم جميعاً. حيث يوجد أتباع للفكر التكفيري توجد أرضية لـ«داعش»، وهذا موجود في الأردن والسعودية والكويت ودول الخليج. وإذا كان من دولة تعتقد بإمكان دعم هذا التنظيم وتوظيفه، عندما تصل «النوبة» إليها فلن ترحمها «داعش». لكن هذا كله له علاقة بالمعطيات الميدانية والجغرافية. حتى الأتراك مشتبهون. في كل الأحوال، هل داعش نزلت بالباراشوت من السماء؟ المقاتلون الذين جاؤوا من كل أنحاء العالم معروف من أي حدود دخلوا ومن أعطاهم تسهيلات ومن زوّدهم بالمال والسلاح والإمكانات. رأيُنا كان، منذ البداية، أن طابخ السم آكله. هذه أفعى هم أوجدوها وكبرت في حجرهم وانقلبت عليهم، كائناً من كانوا، سواء الأميركيون أو الأتراك أو الدول الخليجية. من يعتقد بأنه يستطيع أن يدير هذه اللعبة ويتحكم بأدواتها أو مساراتها فهو واهم ومشتبه.
■ أليس هناك مسؤولية على الجيشين السوري والعراقي في مسألة نمو «داعش» وعدم التصدي لها مبكراً؟
لا يمكن أن تلوم سوريا لأنها ذهبت الى المواجهة منذ البداية مع الجماعات المسلحة، بمعزل عن أسمائها وعناوينها.
■ ألم يحيّد الجيش السوري «داعش» في فترة من الفترات؟
لم يكن هناك تماس بين الجيش السوري و«داعش». في الموضوع العراقي، هناك نقاش كبير. ما جرى في الموصل من الموضوعات الخطيرة، ولم يكن من بطولات «داعش». وإلا لماذا جرى وقف الزحف في كثير من الأماكن بمجرد جهود بعض القوى الرسمية والشعبية العراقية؟
■ برأيكم، هل تم إيقاف الزحف صوب بغداد؟
بحسب معلوماتي، نعم إلى درجة كبيرة.
■ ما هو رأيك في ظهور أبو بكر البغدادي إعلامياً؟
ليست سياسته أن يطلّ إعلامياً، لكن أعتقد أنه أطلّ ليعالج مشكلة فقهية. لأنه عندما طرحت «داعش» خلافته، حصل نقاش في العالم الإسلامي بين علماء السنّة أنه كيف يُمكن أن نبايع شخصاً لا نعرف اسمه، لا نعرف شخصه، ليس لدينا معلومات عنه أو أي معطيات، لأنه لا تجوز بيعة المجهول، يجب أن نبايع معلوماً. اضطر إلى أن يخرج حتى يُصبح معلوماً ويفتح باب البيعة، هذه الحيثية بطبيعة الإدارة والحركة.
بالنسبة إلى مسألة إعلان نسبه أنه قرشي، فمردهّ إلى أن هناك حديثاً يقول إن الأئمة من قريش. فبحسب المذاهب الفقهية، يجب أن يكون الخليفة من قريش، بينما أمير بلد، كملك أو أمير أو رئيس، فهم يعتبرونه ليس خليفة المسلمين. خليفة المسلمين يجب أن يكون قرشياً. ولأن مشروع أبي بكر البغدادي هو مشروع خلافة، عليه أن يقول لهم أنا قريشي حتى تصحّ البيعة له. وهو يريد أن يقول أنا قرشي من أهل البيت، لأن موضوع أهل البيت عند الشيعة وعند السنّة له أثر بارز؛ عند السنّة هناك محبّة لأهل البيت واحترام لأهل البيت، ولا يوجد نقاش في هذا الموضوع. هناك شريحة خاصة، ولذلك بالتمييز أحياناً تحصل مغالطات. فمثلاً عبارة «النواصب» أو «الناصبي» هذا ليس مصطلحاً شيعياً، هذا مصطلح إسلامي يستخدمه علماء الشيعة وعلماء السنّة ويقصدون به من ينصب العداء لأهل البيت عليهم السلام، يعاديهم، يحقد عليهم، يسيء إليهم، يشتمهم. هذا ليس مصطلحاً شيعياً، وإذا نظرت في كتب الرجال عند العلماء السنّة التي تقيّم رجال الأحاديث، يقال إن فلاناً كان ناصبياً، هم يستخدمون المصطلح. فالنواصب هم حالة خاصة. عموم أهل السنّة محبّون لأهل البيت عليهم السلام ويحترمونهم، وتتفاوت هذه المحبّة من بلد إلى آخر. لذلك يقول أنا قرشي وأنا كذلك من أهل البيت. أنا لا أعلم إن كان حقيقة ما يدّعيه، هل هو حسني أم حسيني أم قرشي؟ الله أعلم.
لو لم نقاتل في القصير والقلمون لوقعَت المعركة في بيروت والساحل
■ هل يشعر حزب الله بأنه مسؤول عن الشيعة العرب (الاثني عشرية والإسماعيليين والعلويين، إلخ...)؟
دائماً، كان هناك من يحرص على أن يأخذنا الى هذا التوصيف. الحزب كان مطروحاً وطنياً وعلى مستوى المنطقة كمقاومة ضد إسرائيل، وحقق في هذه المعركة إنجازات عظيمة وانتصارات كبيرة، وكان واضحاً لدى الحكومات العربية وكل القوى السياسية أن الحزب من القوى الجدية، إن لم يكن الأكثر جدية، التي أخذت على عاتقها مواجهة المشروع الصهيوني.
وبالتالي، لا نقاش في صلة حزب الله بالصراع مع العدو الإسرائيلي، وبالوقائع الميدانية داخل فلسطين. لذلك، عندما أتت تطورات المنطقة، جرت محاولات الاستخدام في كل ساحة. في مصر، لأنه لا يوجد سنّة وشيعة، أعطيت المعركة عنوان معارضة ونظام. الأمر نفسه في ليبيا وتونس. لكن في العراق، ذهبوا الى التحريض الطائفي والمذهبي، ومعروفة الدول ووسائل الإعلام التي أخذت العراق الى هذا التحريض، حتى في ظل الاحتلال الأميركي وبعد انسحاب الأميركيين. وعندما بدأت الأحداث في سوريا، كذلك، حولوا الصراع الى صراع طائفي ومذهبي بالتعبئة والتحريض والخطابات واستنهاض مقاتلين من كل أنحاء العالم.
بالنسبة الى حزب الله، عندما يقدم أي مساعدة أو مساندة في أي ساحة من الساحات، فإن حساباته لا تكون طائفية، بل انطلاقاً مما نسميه معركة الأمة ومشروع الأمة ومصلحة أوطاننا وشعوبنا. على سبيل المثال، عندما احتل الأميركيون العراق، جزء كبير من المزاج الشعبي العراقي لم يكن مع المقاومة بسبب ظلم صدام حسين للشعب العراقي، وبسبب الحروب المتتالية والحصار. هذا طبيعي لأن الشعب كان منهكاً. ولكن، وهذا لم يعد خافياً، من الذي سخّر خطابه السياسي وكل إمكاناته الاعلامية وعلاقاته واتصالاته، منذ اليوم الأول، وصولاً الى العلاقة الميدانية مع المقاومة العراقية، وخصوصاً في الدائرة الشيعية؟ حزب الله لم يذهب ليعمل مع المزاج الشيعي، بل ذهب ليعمل على هذا المزاج، وعلى أي هامش متاح لمقاومة الاحتلال الأميركي في العراق. انطلقت المقاومة في العراق، وجزء كبير منها كان، بين هلالين، مقاومة شيعية، بمعنى أن الفصائل التي تقوم بعمليات المقاومة هي تنتمي الى أبناء الشيعة العراقيين. عدد كبير من هذه العمليات صُوّر ووُثِّق بالفيديو، ورفضت الفضائيات العربية، «الجزيرة» و«العربية» وغيرهما، نشرها. أليس هذا غريباً؟ لماذا؟ لأنهم لا يريدون ــــ وهذا ليس اتهاماً للسنّة بل لبعض الأنظمة ــــ الإقرار بوجود مقاومة من الشيعة لها علاقة بالمقاومة العراقية.
إذاً، منذ البداية، هم ذهبوا في الموضوع العراقي، وفي السوري واللبناني، إلى التحريض المذهبي. يصرّون على أن المقاومة في لبنان شيعية. نقول لهم هذه مقاومة لبنانية وطنية لكل اللبنانيين. صودف أن الشيعة وجدوا على حدود كيان العدو، لذلك يقاتلون، إلا أنهم يصرّون على أننا مقاومة شيعية وإيرانية وغير ذلك. من يرد أن يستمر في هذا التوصيف «يصطفل». بالنسبة إلينا، كنا حريصين منذ البداية على التأكيد أن تواجدنا في سوريا ليس على أساس طائفي، وأننا ساعدنا المقاومة في العراق على أساس غير طائفي أيضاً. ونحن ساعدنا حماس والجهاد والفصائل الفلسطينية وهم سنّة. دائماً يراد التغطية على مساهمتنا الفلسطينية ليعطونا العنوان الطائفي والمذهبي. نحن نقول: حيث يوجد دفاع عن فلسطين، وعن محور المقاومة، وعن الناس، وحيث نستطيع أن نكون موجودين ويمكننا أن نساعد، سنفعل. إذا كانت لدى حزب الله إرادة الدفاع عن أهله وشعبه وقضية أمته، ومستعد أن يفعل ذلك، فهذا ليس جريمة أو ذنباً. السؤال يجب أن يوجّه الى الآخرين: لماذا لا تتحمّلون المسؤولية ولا تدافعون؟
لو لم يقاتل حزب الله في القصير وفي القلمون، لم تكن المعركة الأخيرة في عرسال فقط. كان البقاع «خلص»، وكانوا وصلوا الى الجبل وعكار والساحل، ولكانت المعركة في بيروت والجنوب. هذا أكيد. تقديم شهداء لحفظ كل هذه الأنفس والأعراض والدماء والأموال واجب عقلي وديني وشرعي وأخلاقي ووطني وإنساني.
■ قلت إن حزب الله هو حالة وليس حزباً، وبالتالي هو يمثل كل الشيعة، وخصوصاً في الجو الحالي. هؤلاء في أوقات الرخاء قد يكونون مع المقاومة، ولكن ربما ضد الحزب في العمل التنموي مثلاً أو البلدي أو النيابي. وبالتالي فإن حزب الله متهم بأنه متسلط على الشيعة؟
لا يمكنني أن أسلّم بهذا التوصيف. ولكن على كل حال، هذه النتيجة طبيعية. حزب الله هو مجموعة بشرية. هناك ميدان تضحيات يعمل فيه، لذا يمكن أن تجد كل الناس معه، كموضوع المقاومة. أما عندما تذهب إلى الميادين الأخرى، فهذا الوضوح يمكن ألا يكون موجوداً عند الناس كما في ميدان المقاومة. العاملون في الميادين الأخرى قد يرتكبون أخطاء. الفارق أنه في مساحات معينة من العمل قد يظهر الخطأ، وفي مساحات أخرى قد يرتكب العاملون أخطاءً لا يراها الناس. في كل الأحوال، من الصعب أن تكون هناك مجموعة بشرية، قد يكون اسمها حزباً أو تياراً، تعمل في كل المجالات وترضي الناس جميعاً، أو تعبّر عن كل طموحاتهم، أو عن كل آمالهم وتوقعاتهم.
هناك في حزب الله مميزات كثيرة، على مستوى الأخلاق والجدية والالتزام والوفاء، لكن أيضاً هؤلاء بشر، لهم إمكاناتهم وقدراتهم، مع العلم بأننا في مساحات كثيرة حريصون على أن نشكل وننوعّ ولا نتحمل المسؤولية وحدنا، ومن جملة الأمور الموضوع البلدي. هناك الكثير من رؤساء البلديات، لا أستطيع القول إن حزب الله يتحمل تبعات تجربتهم، حتى ولو كانت إيجابية. يمكن أن يكون سبب الإيجابيات شخصياً أكثر مما هو برمجة عمل. في موضوع البلديات، هناك تقاليد وعادات، حتى حزب الله لم يستطع الخروج منها، هي موضوع التمثيل العائلي. المجالس البلدية، حتى المحسوبة على حزب الله، لا تستطيع أن تقول إن هذه مؤسسات حزب الله. ولذلك في هذا المجال، يحتاج الإنسان دائماً إلى التطوير. وأيضاً سلوك الأفراد وسلوك المسؤولين الذي يتفاوت بين منطقة وأخرى وبين شخص وآخر، وقناعاتهم، مزاجاتهم، كل هذه الأمور مؤثرة. يبقى موضوع المقاومة. وأنا مع فكرة أنه لا توجد مشكلة حتى لو الناس فصلوا، طبعاً لا أعني فصلاً تاماً. قد يقول لك شخص ما: في موضوع المقاومة أنا مع حزب الله، أما في موضوع البلدية فأنا لست معه، أو في النقابات الفلانية أنا لست معه، أو في الموقف من القوانين الفلانية أيضاً أنا لست معه. هذا طبيعي. في مرة من المرات قلت افصلوا بين المقاومة كمقاومة وقضية حق، والموقف من الحزب أو الخلاف مع الحزب الذي يمكن أن يبدأ من تأييد مختار أو تجمع طلابي في كلية وصولاً إلى رئيس الجمهورية. يمكن أن نختلف على ملفات أخرى، لكن كيف يمكننا أن نعمل من دون أن ينعكس خلافنا مع الناس أو مع قوى سياسية على موضوع المقاومة.
■ يوجد شعور عند الناس أنه رغم تقديم الشهداء فليس هناك من يقدّر، وهذا ما يثير تساؤلات عن جدوى ذلك؟
حتى في العراق، كان هناك من يسأل، كما في لبنان، ما الذي أخذ حزب الله إلى سوريا؟ كان البعض يناقشنا في الحيثية والأسباب. بعد ما حصل في العراق، أقرّوا برؤيتنا. اليوم، سواء في العراق أو حتى في سوريا، يعنينا المزاج الشعبي، وهذا المزاج بدأ يتغيّر. يصلني الكثير من الشكر.
■ من الناس أم من السياسيين؟
لا علاقة للسياسيين بالأمر. الناس في بيئتنا واعون لهذه المعركة، وفي البيئات الأخرى هذا الوعي ينمو والإحساس بالخطر يكبر. وصلتني رسائل مهمة جداً. هناك أناس يتحفظون عن التحدث في الإعلام. أما السياسيون، فكونوا على ثقة أنه مهما قدمنا لهم فلن يرضوا ولن يعترفوا. للأسف هناك مجموعة من السياسيين أصبح لديهم عداء ذاتي، لا علاقة له بما إذا كان ما نقوم به صحيحاً أو لا. في بعض المراحل هناك جهات دولية وإقليمية تكلف جماعات تابعة لها بمعاداتنا، لكن عداءهم استحكم إلى حدّ أن الجهات التي تقف وراءه قد تلفتهم الى أن الأولويات باتت مختلفة. هؤلاء لا حل لهم.
■ هل يمكن لسوريا أن تساعد جدياً في معالجة ملف كالنازحين عبر السماح لهم بالعودة؟
المشكلة هي هل يريد النازحون أن يعودوا؟ نحن كلنا جاهزون أن نساعدهم. البعض يستطيع العودة والعيش في أمن وأمان. هناك مناطق بكاملها، في ريف دمشق والقلمون وحمص وغيرها، قاتل فيها مسلحون الدولة لثلاث سنوات ثم دخلوا في تسويات، واليوم لا أحد يتعرض لهم. هؤلاء كانوا يقاتلون فكيف بمن كان هارباً؟ إذاً، دعونا نبحث عن الأسباب الحقيقية لتمسك البعض بالنزوح إلى لبنان تحديداً. هذا يحتاج إلى إرادة جدية لدى النازحين أولاً، وقرار من بعض القوى السياسية ثانياً بوقف استخدام النازحين ضد النظام إنسانياً وأخلاقياً وأمنياً وسياسياً. هؤلاء يشجعون المسلحين على الإتيان بعائلاتهم الى لبنان لكي يتفرّغوا للقتال هناك. وبالمناسبة، أؤكد أن الرعاية اللبنانية لبعض الجماعات المسلحة في بعض المناطق السورية لا تزال قائمة، تمويلاً وتسليحاً وتدخلاً واهتماماً وتوجيهاً، ولكن بعيداً عن وسائل الإعلام. هذا الأمر مستمر ولم يتغير شيء. المطلوب قرار سياسي بوقف استخدام النازحين، وبالتالي فتح باب التعاون مع الحكومة السورية لإعادتهم إلى بلادهم. وما أعرفه أن لدى سوريا استعداداً كبيراً للتعاون في هذا الشأن.
■ هل تُسبّب مشاركتكم في الحرب في سوريا استنزافاً مادياً وبشرياً للحزب، وإلى أي حد يمكن تحمّل هذه المجازفة؟
القول إنها تشكل استنزافاً فيه مبالغة. لكن في كل الأحوال، ما يتحمله الحزب من تضحيات في سوريا منذ بداية تدخله إلى اليوم، يبقى أقل بكثير من التضحيات المفترضة والأثمان التي كان على حزب الله واللبنانيين جميعاً دفعها لاحقاً لو لم يتدخل.
■ هل كشف القتال في سوريا تكتيكات كان حزب الله يتركها مفاجآت للإسرائيلي؟
ما أعدّ لإسرائيل يختلف بطبيعة الحال عن المعركة التي نخوضها ضد الجماعات المسلحة، وبالتالي لا أرى أن هناك شيئاً كان حزب الله قد أعدّه أو أخفاه أو خبّأه في مواجهة الإسرائيلي وانكشف. بل بالعكس، وهذه واحدة من النتائج الجانبية ــ وليست سبب الذهاب الى سوريا بطبيعة الحال ــ أن هذه المعركة تكسبنا من الخبرة ومن المعرفة ومن الآفاق الواسعة ما يمكن توظيفه بشكل أفضل في أي مواجهة مستقبلية مع العدو، هجوماً ودفاعاً. عين إسرائيل على تجربة حزب الله في سوريا. وقيل الكثير في النقاشات الإسرائيلية أن حزب الله، بعد تجربة القصير وتجربة القلمون، هل يستطيع أن يطبّق دروساً وخلاصات من هاتين التجربتين في معركة الجليل. المعركة التي حصلت في سوريا تعطينا إضافات نوعية أحياناً في أي معركة مع العدو الإسرائيلي، ولم يضع من أيدينا شيء قد يكون مفيداً في المعركة مع العدو.
■ هل اصطدمتم مع الإسرائيلي في سوريا؟
مباشرة كلا.
■ هل يساعد وجود حزب الله في سوريا أهل الجولان على إطلاق حركة مقاومة شعبية؟
هذا يعود إلى إرادتهم. عندما تحكي عن مقاومة في أي منطقة من المناطق، إذا كان لدى أهل المنطقة، السكان المحليين القاطنين في تلك الأرض، إرادة مقاومة، فأنت تصبح عامل مساعدة كما حصل في لبنان. عام 1982 لم يأتِ الإيراني أو السوري ليقاتل في لبنان. يوجد لبناني لديه إرادة قتال لتحرير أرضه، فكان للمساعدة معنى.
■ قبل عبوة شبعا وبعدها، حدثت هناك أكثر من عملية في الجولان. هل لحزب الله علاقة بهذه العمليات؟
ما أعرفه أنه يوجد تشكل حقيقي موجود هناك، تشكل شعبي يعبّر عن إرادة ما، وهم الذي يعملون وليس نحن.
■ هل صحيح أنكم التقيتم معارضين سوريين في خلال الفترة الأخيرة، وأن بعضهم غيّر مواقفه؟
لا داعي لأن يغيّر الذين التقيت بهم مواقفهم. يمكن أن أقول إنهم تفهّموا موقفنا.
■ هل تميّز بين المعارضات السورية؟
عملياً، في الواقع الحالي، المعارضة الخارجية لم يعد لها أي وجود داخل سوريا. وأصلاً لم يكن لها وجود، في رأيي، منذ البداية، ولم يكن لها تأثير في الداخل السوري. هم عبارة عن شخصيات سياسية أو ثقافية أو فكرية تم تجميعها في إطار مشروع سياسي معين، وهم عاشوا بأغلبيتهم على أبواب السفارات والفنادق وما زالوا على أبواب السفارات والفنادق. وهذا ليس تقييمي. هذا تقييمهم هم. رموز كبيرة ممّا يسمى الائتلاف الوطني المعارض يقولون ذلك في الجلسات مع أصدقائهم اللبنانيين. يقولون إن هؤلاء يحكون ويجتمعون ويصدرون بيانات، وقد زادتهم تشتيتاً فوق تشتتهم السفارات والدول وما سمّي مكوّن أصدقاء سوريا. هذا واقع المعارضة الخارجية.
لذلك أين هي المعارضة الخارجية في المعادلة السياسية والميدانية اليوم؟ لم يعد لها أي قيمة أو تأثير. الميدان تحكمه المجموعات المسلحة. حتى «الجيش الحر» لم يكن جيشاً، بل كان تجميعاً لجماعات مسلحة منفصلة بعضها عن بعض، تنسّق في ما بينها أحياناً وتتصارع في أحيان كثيرة على الغنائم وعلى الحاجز وعلى المعبر الحدودي. عملياً الآن الميدان أصبح جزء أساسي منه مع «داعش»، وجزء أقل مع «جبهة النصرة»، وجزء مع ما سُمّي في التجميع الأخير «الجبهة الإسلامية».
أما من توصف بجماعات وطنية أو علمانية أو مدنية فلم يعد لها وجود. لا أريد أن أستدل بكلام أوباما، ولكنه خبير بهم. السفير الأميركي هو الذي كان يدير جزءاً كبيراً من هذه المعارضة. الآن واقع المعارضة على الأرض أنها تتشكل من جماعات مسلحة أكثرها متشدد ومتطرف تتقاتل في ما بينها. هذا ما انتهى إليه واقع الحال. ولذلك حتى لو أردنا أن نبحث عن قوى سياسية معينة في المعارضة للتفاهم أو التحاور معها فلن نجد.
هكذا أعدّ خطاباتي... وصرت أقرّر متى أرفع إصبعي!
منذ بدأ السيّد حسن نصر الله دراسته الدينية في النجف، تميّز بقدراته الخطابية. وعلى مرّ السنوات والمسؤوليات، سحرت مهارته في الخطابة كثيرين، فيما جعل منها الاسرائيليون مادة للدراسة والتحليل. كيف يعمل قائد المقاومة على إعداد خطاباته النارية؟ وما هي أسرار هذه الخطابات؟
■ هل تحبّ إلقاء الخطابات؟
لا أقدر أن اقول إني لا أحب أن أخطب. نحن مشايخ وهذا جزء من عملنا. في الثمانينيات كنت ألقي خطاباً كلّ ليلة وأتنقل من حي السلم إلى الأوزاعي إلى بيروت إلى الشياح. نعم، أحب أن أخطب خصوصاً انه لدي شيء لأقوله.
■ لكن يبدو مؤخراً أنك تقنّن ظهورك وإطلالاتك؟
بعد عام 2006، صار لكلّ كلمة وكلّ حرف وكلّ طلة حساب، وباتت تُبنى على الخطاب مواقف، وله تبعات. صار الخطاب مراقباً بشكل كامل وهناك متابعة له من الصديق والعدو، وبالتالي صرت أنا في مسؤولية أخطر وأكبر، وهناك حجم توقعات مختلف. لم يعد الموضوع يتعلق بمزاجي إن كنت أحب أن أخطب أم لا. لم يعد الأمر شخصياً. صرت معنياً أن أقلّل من الأخطاء لأنه لا أحد فينا معصوم.
■ من الذي يقرّر موعد إطلالاتك وإلقاء الخطب فيها؟
لا يوجد قرار في حزب الله أن فلاناً يخطب كلّ فترة محددة أو لا يخطب. هذا الأمر من صلاحيات الأمين العام. أنا أرى المصلحة في الكلام أو عدمها. أحياناً يقدّم الأخوان اقتراحات أنه من المفيد الآن أن نخرج بخطاب، لكن هذا الموضوع عندي كصلاحية، وله علاقة بمزاجي ورغبتي.
■ هناك انطباع بأن خطاباتك لا تحتاج إلى تحضير. تطلّ وتقول مباشرة ما تريد قوله؟
لا، ليس الأمر كذلك. أنا لا أخرج وأقول ما أريده من دون ضوابط ونقاش مع الإخوان، خصوصاً في الخطابات الحساسة والتي يكون فيها اتخاذ مواقف. في النهاية هناك شيء له علاقة بأصل تركيبة حزب الله. الأمين العام ليس قائد حزب الله، وهو ليس صاحب القرار في حزب الله. القرار السياسي يؤخذ بشكل أساسي في شورى القرار. الشورى هي التي ترسم المسارات وتتخذ المواقف الأساسية والقرارات الأساسية. طبعاً الأمين العام شريك مؤثّر في اتخاذ القرار، لكنه ليس من يتخذه.
مثلاً، إذا كنت سأعقد الآن مؤتمراً صحافياً متعلقاً بالشأن السياسي، لستُ من يقرّر إن كنا نريد انتخابات نيابية أو سنقبل بالتمديد للمجلس النيابي أو، مثلاً، قرار الدخول إلى معركة القصير. هل هذا قرار يتخذه الأمين العام؟ لا. تأخذه شورى حزب الله. حتى الإعلان عن الأمر هو قرار تأخذه الشورى. ما يبقى لي هو كيفية التعبير عن هذا الموقف، الحجة، المنطق البيان، اللغة، الأدبيات. كذلك الأمر في الموضوع الجهادي. مثلاً، في السابق عندما كانت تطلق التهديدات الإسرائيلية كنت أناقش مع الإخوة الجهاديين في كيفية الردّ وما إذا كان مناسباً الآن أن نطرح هذه المعادلة أو نبقيها لوقت لاحق.
■ مثل معادلة كلّ مبنى في الضاحية مقابله مبانٍ في تل أبيب؟
مثلاً، أو مثلاً معادلة مطار بن غوريون، أو معادلة البحر. أنا أناقش الأمر مع الإخوة. نتحدّث في أصل المعادلة الموجودة لدينا ضمناً.
■ ماذا تقصد بالمعادلة الموجودة ضمناً؟
يعني أننا لا نتحدّث عن شيء غير موجود. وهنا ألفت إلى أن الحرب النفسية بالنسبة لمدرسة حزب الله تعتمد على الصدقية. في الحرب النفسية يمكنك أن تبالغ وأن تشيع أجواء معينة، ولكن الصدقية يجب الحفاظ عليها. لا أستطيع أن أقول: إذا قصفتم بيروت نقصف تل أبيب في وقت لا تتوافر فيه لدى حزب الله القدرة على ذلك. غير ممكن لأنه أولاً هذه الحرب ستكون فاشلة، وثانياً حرص المقاومة في لبنان على الصدقية التي استطاعت أن ترسّخها نتيجة تراكم التجربة والخبرة، حتى بات الإسرائيلي، سواء كان جيشاً أو حكومة أو أحزاباً أو ناساً، يقولون لك نحن نصدّق فلاناً أو الجهة الفلانية ولا نصدّق كثيرين في العالم العربي.
■ بعيداً من المعادلات العسكرية، هل تعدّ بقية الخطابات مسبقاً، وهل تناقشونها أيضاً؟
نعم، أحياناً يحصل ذلك. كأن يجتمع الأخوان المعنيون بالسياسة ويقدّمون مجموعة أفكار لما يجب أن يرد في خطاب معيّن.
■ الانطباع السائد لدى الناس مختلف، حتى أن هناك من يفصل بينكم شخصياً وبين حزب الله؟
الناس معتادون على الزعيم والقائد والرمز. حتى هنا كنا إذا قلنا لهم إنه في حزب الله توجد مؤسسات قرار، وجهات تخطط وتبرمج، والأمين العام هو واحد من مجموعة، هناك أناس لا يصدّقون لأن المزاج العربي والشرقي معتاد على الزعيم والقائد والبطل. هذا بحاجة إلى توضيح. داخل الحزب هذا معروف، ما هي آليات اتخاذ القرار ومن هي الجهات المعنية باتخاذ القرار، وعندما أتحدث عن قرار أتحدث عن مستويات. داخل الحزب هذا معروف، أما خارج الحزب، وباعتبار العلاقة والمحبة التي تنشأ مع الناس، سيتأثرون. كما أن طبيعة الخطاب وطريقته والأدبيات والصياغات واللغة التي يجري استخدامها تلعب دورها، ولا شك أنه في تجربة حزب الله قُدّمت مجموعة أدبيات لم تكن موجودة لعمل المقاومة، وجاءت حرب تموز أيضاً ساعدت في تكريسها، لذلك الآن نجد أن جزءاً كبيراً من هذه الأدبيات موجودة في حرب غزة، رغم أن التجربة هناك لها خصوصياتها ومميزاتها ولها أدبيات مختلفة، لكن بشكل عام متقاربة.
■ عندما تكون في مرحلة إعداد لخطاب، هل تدرّب نفسك ولو بشكل أوّلي على مساره؟ أين سترفع الصوت، أو تستعمل حركة رفع الإصبع التي تحظى بتعليقات؟ أم أن الأمر يأتي في سياق ارتجالي حسب التفاعل مع الجمهور؟
بالنسبة لرفع الصوت أو خفضه، فهذا أمر مقصود طبعاً. الأمر يتعلق بطبيعة المناسبة وطبيعة الجمهور، فما يجب رفع الصوت فيه لا يمكن قوله بصوت منخفض، والعكس صحيح، فلكل مقام مقال وحال وصوت و«رفعة إصبع».
■ هل تتقصدّون رفعه؟
في الماضي كان الأمر طبيعياً، ولكن بعدما بدأ الآخرون يتحدثون عن هذه المسألة، أصبحت أحسب الموضوع، وأقرر متى أرفع إصبعي.
■ هل تشاهد نفسك بعد إلقاء الخطاب؟
لا.. إلا إذا بثوا قسماً من الخطاب في نشرات الأخبار. أما أن أجلب الشريط وأشاهده، فهذا لا يحصل. لكن هناك مجموعة من الأخوة والأصدقاء يقدمون لي ملاحظات إيجابية وسلبية بالشكل وبالمضمون وأنا آخذها عادة في الاعتبار.
■ هل تدرّبت على الخطابة، أو خضعت لدورات تتعلق بالقيادة؟
قرأت بعض التقارير الإسرائيلية التي ذُكر فيها أني قد أكون خضعت لدورات عديدة في إدارة الحرب النفسية، أو أنني أتمتع بهذه الإمكانية بالفطرة أو بالغريزة. الحقيقة، أنا لم أخضع لأي دورات، لا بالحرب النفسية ولا بالإدارة ولا القيادة. هذا الأمر تطوّر معي ومع إخواني نتيجة التجربة والمراكمة والخبرة.
■ بما في ذلك قدر المعلومات الذي كنت تقدمه خلال إلقاء الكلمات؟
نعم. كلّه حصيلة تجربة وتراكم ونقاش. عندما يكون الشخص هو من يتابع، هو موجود داخل الإدارة وداخل اللعبة، وتكون لديه إحاطة كاملة بالمعلومات ويعقد نقاشات مستمرّة لتقدير الموقف المناسب أو غير المناسب، تحديد ما هو مناسب أن يقال للعدو، ما هو مناسب أن يعرفه الصديق، ما يجب أن يُخفى، ما يجب أن يعلن، عندها يصبح الشخص على معرفة بقدر المعلومات الذي يجب قوله.
■ هل تحضّر مضمون خطابك مسبقاً؟
نعم، أنا أحضّر في غالب الأحيان، وأكتب الأفكار على الأوراق التي أضعها أمامي عندما أكون في موضع الخطابة. احترام الناس يفرض على الخطيب أن يحضّر. كما أحرص على أن تكون الأفكار حول موضوع واحد أو أن تكون متناسبة مع بعضها، أو أقسّم الخطبة إلى محاور عندما أكون مضطراً في السياسة أن أفعل ذلك. أما في الموضوع الديني، فأتناول موضوعاً واحداً، حتى لو حكيت ثلاثة أرباع الساعة أو ساعة كاملة، وأركّز عليه. لكن لا شك، الكلام يجرّ الكلام خلال الخطاب، والأفكار تتفاعل، والحضور أمامك يفرض طريقة الخطابة.
■ كيف ذلك؟
هناك ثلاث حالات خبرتها. إما أن أتحدّث بين الناس، أو عبر الشاشة في حضور الناس، أو عبر الشاشة من دون وجود الناس. عندما أوجّه رسالة تلفزيونية، أجلس أمام الكاميرا والناس يكونون مفترضين. أي أنهم جالسون أمام الشاشة ويحضرون الرسالة، وهذا يختلف عندما يكون الناس موجودين في المكان الذي أخطب فيه. فأنا أراهم وأتفاعل معهم وإن كنت لست واقفاً بينهم.
■ كما حصل في إطلالتك في خطاب الانتصار في 22 أيلول 2006، الأولى لك بعد حرب تموز. كان الجوّ عاطفياً
صحيح، وقد لمست ذلك وشاهدت شخصيات سياسية تنفعل وتبكي وبالكاد استطعت التماسك.
■ عبارتكم الشهيرة «أشرف الناس» وردت في ذلك اليوم، هل كانت مكتوبة؟
يومها لم تكن مكتوبة في النص، أحياناً يخطر الكثير من الأفكار في بال الشخص وهو يخطب وهنا أهمية الخطاب بين جمهور. لكن على ما أذكر، تضمّنت رسالتي إلى المجاهدين مقطعاً كان موجهاً إلى الناس أثناء الحرب، لكن لم يجر تسليط الضوء عليه وأظن أن هذا التعبير ورد في ذلك المقطع.
■ يقال إنك اتخذت قرار الظهور الشخصي في اللحظات الأخيرة في 22 أيلول 2006؟
صحيح. كان هناك نقاش حول ظهوري العلني أو عبر شاشة. وترك الأمر في النهاية لي وللحاج عماد مغنية. وقد كنا معاً في المبنى الملاصق للاحتفال، وفي نصف الساعة الأخير حسمنا القرار. الحاج عماد كان يريد تغليب الجانب الأمني وطال النقاش بيني وبينه. وفي الحقيقة أنا من اتخذ قرار الظهور العلني، ولو أن شيئاً حصلف في ذلك اليوم كنت أنا من يتحمّل المسؤولية وقد قلت للحاج أنت بريء الذمة، واتكلنا على الله سبحانه وتعالى.
■ بناء على أيّ حسابات اتخذت قرارك؟
كان واضحاً عندي أن الإطلالة عبر الشاشة في ذلك المهرجان ستكون محبطة للناس الذين شكلوا حشداً ضخماً. كما أني كنت أتابع عبر التلفزيون التحضيرات، وشاهدت الآتين من البقاع والجنوب مشياً على الأقدام. من جهة ثانية، لا نقاش في أهمية الظهور العلني في الحرب النفسية. أي أن حساباتي كانت سياسية ومعنوية وأخلاقية وعاطفية وشعبية، لكن في الموضوع الأمني، كنت أعي عندما صعدت إلى المنبر أن هناك احتمالاً بتعرضه لقصف من الجو. لم يكن احتمالاً بنسبة 70 أو 80 في المئة، لكنه كان احتمالاً معتداً به. وأذكر يومها أني اتفقت مع الحاج عماد أن أخطب ربع ساعة أو ثلث ساعة، لكنني تخطيت الوقت حتى راح يرسل إليّ أوراقاً طيلة الوقت بأن «خلّصنا انزل خلّصنا انزل».
■ هل اقتصار الخطاب على عشرين دقيقة له علاقة بالوقت الذي يحتاج إليه الطيران الإسرائيلي لكي يصل إلى الأجواء؟
لا، القصد هو الاختصار ما أمكن. القول إنهم بحاجة إلى 15 دقيقة ليس دقيقاً.